الصياد البدائي - الفصل 128
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
كان ذلك اليوم يبدو عاديًا بالنسبة لجيك. درس الكيمياء، ثم مارس التأمل، اختبار المهارات، والتحكم في المانا. كل شيء كان يسير بسلاسة حتى شعر فجأة بشيء غريب. سرعان ما أدرك أن هذا الشعور ناجم عن تغير في المانا المحيطة به.
تسلل شيء غريب إلى المنطقة المليئة بآثار مانا جيك بجوار برج الحضارة. شعر بإحساس غامض بوجود دخيل أو ربما عدة دخلاء. ورغم شعوره بوجودهم، لم يكن قادرًا على تحديد عددهم أو مدى قوتهم.
تردد للحظات قبل أن يوقف تدريبه على التحكم في المانا، وقرر التوجه نحو مصدر الاضطراب. كان يعلم أنه عاجلًا أم آجلًا سيضطر لمواجهة هذا التهديد. كما أن حدسه لم يطلِق أي تحذير يشير إلى خطر كبير مع اقترابه من الدخلاء باستخدام خطوة ميل واحدة.
عندما وصل، وجد أربعة بشر يتعرضون لهجوم. كان من بينهم رجل في منتصف العمر، واثنان يبدو أنهما في مقتبل العمر، وامرأة في الثلاثينيات من عمرها. كان مهاجمهم نمرًا يشبه إلى حد كبير ملك الغابة في مظهره، إذ كانت بشرته أشبه باللحاء. لكنه لم يكن ملكًا.
دون التفكير كثيرًا، تدخل جيك وقتل النمر لإنقاذ المجموعة. بالنسبة له، كان الأمر طبيعيًا كما لو كان يصرخ أحدهم في الشارع طلبًا للمساعدة. بينما قد يتردد البعض أو يقف مشاهدًا، كان جيك من النوع الذي يتدخل أولًا ثم يتعامل مع العواقب لاحقًا.
في هذه الحالة، كانت النتيجة نجاة المجموعة، لكنه وجد نفسه مضطرًا للتعامل مع موقف اجتماعي غير مريح. على الرغم من بعض الحرج، عرف أنهم عائلة مكونة من ثلاثة أفراد وصديق العائلة الذي كان برفقتهم.
عندما طلبوا البقاء في المنطقة لبعض الوقت، لم يستطع جيك رفضهم. كانوا ضعفاء نسبيًا؛ لم يتجاوز مستوى الرجل الأربعيني المستوى 31، مما جعله عرضة للخطر أمام وحش في المستوى 59. بدا واضحًا أن فئته ومهنته ليستا قويتين، وإلا لما كاد يُقتل على يد هذا النمر.
تذكر جيك أنه كان في المستوى 43 عندما قتل غرير الناب المسموم ألفا، وهو وحش من نوع الزعيم الصغير في المستوى 71. رغم أن النمر الذي قتله كان يتمتع ببعض القدرات الخاصة، إلا أن مقارنته بالغرير لم تكن عادلة. جيك كان قادرًا على القضاء عليه بسهولة.
كان واثقًا بأنه يستطيع مواجهة نمر أوكوود في المستوى 31، رغم أن المعركة كانت ستتطلب بعض الجهد. ومع ذلك، كان يعلم أن إرسال هذه المجموعة إلى الغابة بمستواهم المتدني كان بمثابة حكم إعدام.
لم يلفت أحد من أفراد العائلة انتباهه في البداية باستثناء الفتى الذي كان معالجًا. لكن سرعان ما لاحظ أن المرأة، ميراندا، تمتلك شيئًا مميزًا. لم يعرف بالضبط ماهية مهاراتها، لكنه كان متأكدًا من أنها كانت موهوبة في التفاوض والتواصل. لم يتمكن جيك من تحديد طبيعة قدراتها، لكنه شعر بأنها تتضمن مهارات متقدمة في الإقناع.
بعد ذلك، عاد جيك إلى معسكره المؤقت بجوار البركة، حيث لم يكن سوى بطانية موضوعة على الأرض. لم يكن قلقًا بشأن سلامة المجموعة في طريقهم إلى المعسكر. كان بإمكانه تتبع مواقعهم بشكل غامض إذا ركز على ذلك، ولم يكن هناك أي وحوش ترغب في الاقتراب من تلك المنطقة.
جلس جيك مجددًا، يغرق في أفكاره. انقطع روتينه اليومي تمامًا، ولم يكن متأكدًا مما يجب فعله. بدا له غريبًا أن يعود لممارسة الكيمياء بينما كان الأربعة يراقبونه. لكنه لم يكن يسمح للقلق الاجتماعي بإعاقته. كان على بُعد مستوى واحد فقط من اكتساب المهارة التالية من خيميائي الأفعى الخبيثة المتسامى. بعد بلوغه المستوى 70، كان يخطط لبدء استكشاف المناطق المجاورة، خصوصًا الكهوف التي أثارت فضوله. كان يبحث عن أعشاب نادرة أو مواد قيمة فيها.
بينما كان غارقًا في تأملاته، وصلت العائلة إلى الوادي. رأوا الشلال الجميل والبركة الصافية، حيث كان جيك يجلس بجانبها، متأملًا في الماء. بدا وكأنه مستغرق في تأمل عميق، واعتقدوا أنه ربما كان يتفكر في أسرار الكون.
استقرت ميراندا وهانك تحت شجرة كبيرة. رغم أنهم كانوا في حالة حذر، إلا أنهم بدأوا بالاسترخاء تدريجيًا. لدهشتهم، لم يصادفوا أي وحوش في طريقهم إلى الوادي، ولم يكن هناك حتى وحش صغير يختبئ بين الأشجار أو الشجيرات.
كانت المنطقة بأكملها تبدو شاعرية وهادئة. لم يكن يُسمع سوى زقزقة الطيور وصوت الشلال الهادئ.
نظرت ميراندا إلى جيك، ورأته يستدعي شيئًا من العدم. في البداية، اعتقدت أنه مجرد وعاء معدني قديم، لكن بعد لحظات تعرفت عليه كمرجل. بدا وكأنه أصغر حجمًا من المراجل التقليدية التي تُستخدم في الأفلام، وكان له غطاء.
راقبته وهو يستدعي برميلًا ويضيف الماء إلى المرجل، ثم اختفى البرميل كما ظهر. وضع جيك يديه على المرجل، وبدأ الهواء حوله يتلألأ كما لو أن لهبًا غير مرئي اشتعل تحته. بعد ذلك، ظهرت النباتات والزهور واحدة تلو الأخرى وكأنها تُستدعى من العدم وتُضاف إلى الخليط. في النهاية، وضع الغطاء على المرجل وتركه لبعض الوقت.
مرت الدقائق دون أن يتحرك جيك، بينما كانت ميراندا تشعر بأن شيئًا معقدًا يحدث داخل المرجل. بفضل مهاراتها التي تمكنها من إحساس المانا، أدركت أن العملية شديدة التعقيد، إلى درجة جعلتها عاجزة عن فهم ما يحدث.
بعد فترة، رفع جيك الغطاء وسكب سائلاً أخضر في زجاجات. تعرفت ميراندا بعد لحظات على هذا السائل كجرعات لتحسين القدرة على التحمل. تساءلت في نفسها: “هل يستطيع حقًا صنع مثل هذه الجرعات؟”
فجأة أدركت أن هذا قد يفسر كيف تمكن من إعطاء هانك جرعة علاجية قوية. كان الأمر غريبًا بالنسبة لها، حيث لم ترَ من قبل شخصًا يصنع الجرعات بنفسه. كانت تعتقد دائمًا أن الجرعات عناصر خاصة ببرنامج التدريب فقط.
بدأت تتساءل عما إذا كان هذا جزءًا من مهنة جيك أو طبقته القتالية. كان واضحًا أنه يتمتع بقوة كبيرة، لكن صنع الجرعات بدا أشبه بمهنة مستقلة. هل يمكن أن يكون ماهرًا في كليهما؟
ميراندا لم تكن متأكدة، لكنها كانت خائفة من السؤال. كانوا بالفعل يتطفلون على مكان جيك، وكانت تخشى أن يؤدي الفضول إلى طردهم، أو ربما إلى شيء أسوأ… التخلص منهم نهائيًا.
كانت قد شهدت العديد من الصراعات بين البشر في الآونة الأخيرة، حيث أصبح الناس أكثر ميلًا للعنف مما كانوا عليه قبل النظام. الأقوياء غالبًا ما يتصرفون كطغاة، يفرضون سلطتهم على الآخرين. مقارنة بذلك، كان تجاهلهم من قِبَل منقذهم أفضل بكثير.
جلس هانك معتمدًا على الشجرة، مغمض العينين، بينما كانت ذراعه تنمو ببطء ولكن بشكل مشوه. مع وصوله إلى المستوى 25، اكتسب مهارة التأمل التي كان يستخدمها لتسريع شفائه.
أما لويز ومارك، فلم يطورا قدراتهما بما يكفي مثل هانك وميراندا، لذا لم يكن لديهما مهارة التأمل. كان هذا أحد الأسباب التي جعلت تقدمهما في الغابة بطيئًا، حيث كان مارك يعاني غالبًا من نفاد المانا.
في المقابل، شعرت ميراندا بأنها عبء على المجموعة. رغم أن مستواها في مهنتها وصل إلى 41، إلا أن مستواها القتالي كان ضعيفًا للغاية، إذ لم يتجاوز المستوى 18، ولم تكن مهنتها تقدم أي فائدة كبيرة في المعارك.
كانت مهنة ميراندا غريبة إلى حدٍ ما. قبل دخول النظام، عملت كمديرة، ونتيجة لذلك حصلت على مهنة مرتبطة بهذا الدور، حيث منحتها مهارات متعلقة بالتواصل، التخطيط، وحتى القدرة على الإحساس بالمانا الجوية بشكل أفضل.
في البرنامج التعليمي، أطلقوا على نوع مهنتها اسم “النوع الاجتماعي”. لم تكن تتضمن مهارات ملموسة مثل البناء أو الحدادة، بل كانت مهارة داعمة تساعد الآخرين على إنجاز مهامهم. اكتسبت ميراندا الخبرة ببساطة من خلال توجيه الأفراد والتأكد من إنجاز العمل المطلوب خلال البرنامج التعليمي.
كانت قادرة على توزيع المهام والحصول على الخبرة من خلال ذلك، بل وساعدت العاملين بشكل غير مباشر؛ إذا اتبعوا تعليماتها، زادت فاعليتهم. كان الأمر بمثابة فوز للجميع.
لم تكن ميراندا الوحيدة التي حصلت على مهنة اجتماعية؛ كان البرنامج التعليمي سلميًا إلى حد كبير، باستثناء التجارب القتالية التي كانت تحدث مرة واحدة في الأسبوع، وتستمر ليوم واحد فقط. في هذه التجارب، كان الجميع يعملون ضمن فرق مكونة من خمسة أفراد.
تضمنت التجارب نوعًا من القتال، لكن كان هناك العديد من الفرص لأولئك الأقل قدرة على الاشتباك المباشر. ميراندا تتذكر بوضوح إحدى التجارب التي كانت مليئة بالدمى الخشبية، حيث تمكنت من توجيهها لبناء التحصينات، ووضع الفخاخ، والحواجز. ورغم أن لويز وهانك كانا المسؤولين عن معظم القتل، إلا أن ميراندا شعرت بفائدة كبيرة من دورها الداعم.
كانت المهن أساسية في البرنامج التعليمي، وظهرت عدة مهن اجتماعية داعمة، وربما كانت ميراندا الأكثر بروزًا في مجموعتها المحلية. ومع ذلك، لم ترَ نفسها كشخص مذهل، رغم مكانتها بين المجموعة.
فصيل ميراندا كان يتكون من حوالي مائة ألف شخص، وهو عدد ضخم. وكان هناك سبعة فصائل أخرى، كل منها بحجم مشابه. أطلقت عليهم ميراندا اسم “الفصائل” لأنها شعرت وكأنهم قد تم تشكيلهم للتنافس فيما بينهم.
في كل تجربة، كان هناك فريق من كل فصيل مشارك، وكانت المكافآت مشتركة بينهم. هذا التنافس أدى إلى صراعات كثيرة، حيث لجأت بعض الفرق إلى قتل الفرق الأخرى للحصول على النقاط. وكان النظام يكافئ هذا السلوك بمنحهم نصف نقاط الذين تم قتلهم.
أدى ذلك إلى دمار فرقٍ بأكملها أحيانًا. والذين نجوا من هذا المصير، غالبًا ما واجهوا صعوبة في العثور على فرق جديدة أو اضطروا للعمل بمفردهم. كما لم يكن تجاوز تلك التجارب خيارًا متاحًا.
بعد انتهاء البرنامج التعليمي، وجدت ميراندا أن مهنتها ليست ذات فائدة كبيرة في العالم الجديد. كانت تعتمد على الآخرين لتحقيق التقدم، لكن وجود أربعة أفراد فقط لم يكن كافيًا. مهاراتها الأساسية كانت استشعار المانا والحدس، وهما ما استخدمتهما لإيجاد هذا المكان الفريد.
كانت هذه المنطقة مختلفة؛ أشبه بمنارة هائلة تفيض بطاقة مميزة، لدرجة أن الجميع شعروا بفرادتها، لكن ميراندا وحدها استطاعت تحديد مصدر الجذب بوضوح. كان امتلاك مهارة استشعار المانا أو الحدس ضروريًا للشعور بذلك. هذا المكان كان كأنه يناديها، يغريها لتقترب أكثر.
أما مهارة الحدس، فكانت لا تزال لغزًا لميراندا. كانت تمنحها إحساسًا بوجود شيء معين، كأن تعرف أن طريقًا معينًا هو الصحيح أو أن تشعر بألم في عقلها إذا اقترب الخطر. لكنها وجدت أن هذه المهارة عديمة الفائدة أمام الرجل المقنع؛ حيث لم تشعر بأي شيء تجاهه. على الرغم من أن مهارتها غالبًا ما تكون محدودة في المعارك، إلا أنها عادة ما تمنحها بعض التوجيه، لكن في حضوره، كانت صامتة تمامًا.
كانت ميراندا تدرك جيدًا قيمة مهنتها التي كانت تناسبها تمامًا، حيث استفادت من مهاراتها التنظيمية والتواصلية التي طورتها قبل النظام. مثل أي شخص آخر، كانت تحاول إيجاد مكان لها في هذا العالم الجديد.
استغرقت ميراندا وقتًا طويلًا في مراقبة الرجل المقنع وهو يعمل على تحضير الجرعات. كانت تعرف بعضها مثل جرعات الصحة والمانا وتحسين القدرة على التحمل، بينما رأته أحيانًا يصنع سوائل لم تعرفها من قبل.
كان الرجل المقنع يعمل بلا توقف تقريبًا. وعندما كانت نيران مرجله تتلاشى، كان يتمتم ببعض الكلمات الغاضبة قبل أن يلقي المحاولة الفاشلة في برميل جانبي ويعيد المحاولة.
ميراندا شاهدت العديد من الحرفيين في البرنامج التعليمي، بل وأرشدت البعض منهم لتحسين طرقهم، لكن ما رأته الآن كان على مستوى آخر تمامًا. أدركت أن ما يفعله الرجل المقنع معقد للغاية، ويتطلب تركيزًا وجهدًا كبيرين.
ما أثار إعجابها أكثر هو عدم توقفه. كان يعمل بسلاسة ويستخدم مهارته في التحريك الذهني بمهارة فائقة، مظهراً احترافية غير عادية.
كانت مثابرة الرجل مدهشة. لم يكن الأمر طبيعيًا للبشر أن يعملوا بهذا الجهد دون توقف. ميراندا كانت متأثرة بذلك وتساءلت عن هويته الحقيقية، معتقدة أنه ربما كان موظفًا استثنائيًا قبل النظام.
في هذه الأثناء، استقر هانك وأطفاله أخيرًا. نمت ذراع هانك بالكامل، وعاد شكلها إلى طبيعته، مما أظهر قوة الجرعة التي استخدمها الرجل المقنع. لويز ومارك وجدا مكانًا هادئًا تحت شجرة، وغلبهما النوم بسرعة بعد أسابيع من الإرهاق.
كانوا جميعًا مختبئين بعيدًا عن نظر الرجل المقنع، لكن ميراندا بقيت مستيقظة، تراقب كل ما يفعله، مبهورة بمهارته.
بعد ساعات أخرى من العمل، انتهى الرجل المقنع من مهمته بنجاح. جمع الجرعات، ثم وقف ليتأمل البركة بهدوء. شعرت ميراندا ببعض الحزن لانتهاء عرضه، لكن ما حدث بعد ذلك كان مذهلًا.
فجأة، بدأ الرجل يمشي على سطح الماء، قبل أن يجلس في منتصف البركة في وضع التأمل. بعد لحظات، طفت عدة صخور كبيرة من أسفل الماء.
أذهلت ميراندا بما رأت، فتقدمت قليلاً لتشاهد ما يحدث عن كثب. شعرت بالمانا التي كان يتلاعب بها الرجل المقنع، لكن قبل أن تستوعب الأمر بالكامل، سقط الرجل في الماء بجوار الصخور.
لم تستوعب ما حدث حتى وجدت الرجل المقنع أمامها، قطرات الماء تتساقط من ملابسه، وعيناه المصفرتان تحدقان بها بقسوة. شعرت برعب يتسلل إلى جسدها وهي تحاول بسرعة التفكير في تفسير لمراقبتها.
سمعته يقول بهدوء، لكنه بنبرة واضحة تحمل عدم الترحيب: “هل يمكنك التوقف عن التحديق…”.
χ_χ✌🏻