داعم جداً - 1
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
واحد : الفتى داخل الفقاعة
استيقظ على طعم الدم وألم حاد ومروع. كانت أذناه تطنان. ورأسه ينبض بقوة. وكان صدره العاري مضغوطًا على السجادة التي قام والداه بتركيبها في شقتهم الجديدة قبل أسبوع فقط.
لا يزال لها رائحة غريبة، لاصقة وصناعية.
“بابا!” صرخ. “ماما!”
سقط الدم من فمه على السجادة. كانت إحدى ذراعيه محصورة تحت جسده، ولم يستطع تحريكها. كان هناك شيء قد اخترق جانب معدته. لقد آلمه.
كان الألم شديدًا للغاية.
نادا والديه مرة أخرى. ولكن صوته بدا غريبًا. بعيدًا.
كانت شظايا الزجاج المتناثرة على الأرض تتلألأ في الضوء البرتقالي من مصباحه الليلي. كان هناك هواء يتحرك في الغرفة.
لا بد أن النافذة قد انكسرت، لكنه لم يستطع رؤيتها من مكانه.
حاول أن ينظر حوله بقدر استطاعته، فرأى “وومي”، ممتلئًا ومبتسمًا، مستلقيًا بجانبه. كانت دمية الوومبات المحشوة نصف مختبئة تحت غطاء السرير الذي انزلق على الأرض.
وهو ينتحب، مد يده السليمة ليلتقط وومي من أذنه. تحتهم، اهتز المبنى. وبدأ جرس إنذار الحريق في الصراخ.
وفجأة، سُمع صوت عميق مدوٍ. شعر الصبي بألم مروع في أذنيه بينما انفجر العالم من حوله. شيء—أو شخص ما—اخترق الجدار الخارجي لغرفته. انهار السقف. وتطايرت قطع الخرسانة في الهواء وكأنها كرات مدفع.
مع وجهه المضغوط على الأرض، لم يرَ الصبي أيًا من ذلك.
لكنه شعر بقطع صغيرة من الحطام ترتطم بظهره. ثم شعر بثقل ساحق وخانق عندما هبطت مرتبة سريره فوقه. وانطلق الألم من الشيء الذي كان يخترق جانبه في كل جسده، مما جعل عضلاته تتشنج.
صرخ بأعلى ما يستطيع. لكن ردًا على صرخته، لم يسمع شيئًا سوى صوت اندفاع رهيب وصفير مستمر حاد.
هبط شيء ثقيل على المرتبة. وانضغط الهواء من رئتيه. ولم يستطع التنفس.
‘سأموت. سأموت. النجدة.’
كان الموت مؤلمًا.
وكان المكان مظلماً.
أراد أمه. أراد…
#####
ضوء.
لم يعرف الصبي ما الذي حدث. ربما فقد وعيه. وربما كان قد تعرض لضربة على رأسه، وكانت ذكرياته تجد صعوبة في البقاء ثابتة. الشيء الوحيد الذي كان يعرفه بالتأكيد هو أنه مستيقظ الآن، وهناك ضوء يحيط به من كل جانب. احتوته كرة شبه شفافة من الضوء، تتلألأ مثل فقاعة مليئة بنجوم فضية.
كان معلقًا داخل الفقاعة، وجسده متجمّد. حاول أن يحرك أصابعه أو يدير رأسه. ولكن عقله كان الجزء الوحيد منه الذي لا زال يمكنه أن يتحرك، ومع ذلك كان يبدو أبطأ مما يجب.
لم يكن هناك ألم. لم يتمكن حتى من أن يرمش، ولكن عينيه لم تشعرا بالجفاف.
كانت الفقاعة تدور ببطء في مكانها. وكان ذلك المكان… أين ؟
كان هناك الكثير من الحطام في الغرفة لدرجة أنه بالكاد تعرف عليها كغرفته. كشفت فجوة كبيرة في الجدار عن خراب مبنى آخر. كانت الليلة مليئة بالدخان، والغبار، وأضواء حمراء وبيضاء متقطعة.
‘أضواء شاحنات الإطفاء’، فكر.
كان هناك مركز إطفاء قريب من شقتهم. وكان يحب مشاهدة الشاحنات تمر في الشارع أدناه.
“إنه مثير للاهتمام، يا بني”، كان والده يقول دائمًا. “ولكن تذكر أن تدعو من أجل الناس الذين يذهبون لمساعدتهم.”
كان والده قسًا. أما والدته فقد حصلت للتو على وظيفة ممرضة في بيت شفاء الأرتونان. كان من المفترض أن يدعو ابن القس والممرضة المكرّسة لكل أنواع الأشياء. كان ذلك مهمًا، ولكنه أحيانًا كان ينسى.
‘ يا الهـي ’، فكر الآن، بينما كانت الفقاعة تدور ببطء. ‘أعتقد أن شيئًا سيئًا يحدث. أرجوك، احفظني وعائلتي و”وومي”. أرجوك كن مع رجال الإطفاء ولا تدعهم يحترقون. أرجوك اعتنِ بالأشخاص الذين سيذهب رجال الإطفاء لمساعدتهم. آمين.’
وبعد ذلك، “سلسلة كلمات” أرتونان لاستدعاء الحظ الجيد من عوالم أخرى. كان يعرف القليل منها فقط، وكان يعرفها بالإنجليزية فقط. قال معظم الناس إن هذا لا فائدة منه، ولكن رئيس والدته قال إن أي نية مخلصة لن تذهب دون مكافأة.
‘قلبي ينادي آخر بحسن نية. امنحني حظك تحت أقمار الليلة، وغدًا سأمنحك حظًا مساويًا.’
وهو متجمد في مكانه، لم يستطع القيام بالإشارة اليدوية المرافقة. كان يأمل أن يساعده ذلك على أي حال.
بينما استمرت فقاعته بالدوران، ظهرت المزيد من تفاصيل العالم المحطم من حوله.
من خلال أحد جدران غرفته، تمكن من رؤية منطقة المعيشة الرئيسية في الشقة. كان هناك مسار من الدمار يمر عبر مركز الغرفة. والأرضية الخشبية كانت ممزقة ومتشظية. والأريكة مقلوبة على جانبها بجانب المنضدة التي تفصل المطبخ عن غرفة الجلوس. وطاولة القهوة كانت مفقودة.
الباب الأمامي كان مفقودًا أيضًا، مع جزء من الحائط المحيط به. ومن خلال الفجوة، استطاع أن يرى الممر. أشرطة إضاءة الطوارئ الخافتة بالقرب من السقف أضاءت باب جارهم. و كان هناك سائل داكن متناثرًا على الطلاء الباهت ولوحة الرقم النحاسية اللامعة.
عرف الصبي أن هناك خطبًا ما. تذكر رعبه الخاص. ولكن خوفه كان مكتومًا تقريبًا، كما هو حال ألمه الآن، ولم يشعر سوى بالفضول وشعور طفيف بعدم الارتياح بينما تكشفت الكارثة أكثر فأكثر.
كان هناك أشخاص غرباء في غرفته. اثنان منهم.
‘لا. ثلاثة.’
كانوا بجانب الحائط، بجانب رف الكتب الصغير الذي زينه هو ووالدته بملصقات الحيوانات في يوم انتقالهم إلى الشقة.
أول ما لاحظه كان ملابسهم. المرأة، ذات الشعر البني المضفر حول رأسها مثل التاج، كانت ترتدي حذاءً قتاليًا وسترة زرقاء تشبه سترات راكبي الدراجات، تتلألأ بالوهج المميز للسحر الحقيقي. كانت جاثمة بجانب رجل يجلس على الأرض، شعره أسود ولحيته مشذبة بعناية. كان يرتدي بذلة مدرعة بنفس درجة اللون الأزرق الداكن.
لم يكن هناك أي سحر مرئي يتألق عليه، ولكن كان هناك رمز محفور على صدر بدلة الرجل.
‘إنهم أبطال خارقون’، فكر الفتى. ‘أبطال حقيقيون.’
شعر بالإثارة للحظة قصيرة قبل أن تختفي.
كان الرجل يبكي ويرج رأسه، ويحدق في راحتي يديه المرتجفتين كما لو أن تلك الأيدي لا تنتمي إليه. مدّت المرأة يدها نحوه، وهي تعض على شفتها. فابتعد فجأة.
على الأرض عند أقدامهم، كان الغريب الثالث مستلقيًا ساكنًا. كان مراهقًا على ما يبدو، رغم أن الفتى لم يستطع التمييز جيدًا في الأضواء المتقطعة. كان يرتدي سترة سوداء، ووجهه الشاحب كان يحدق في السقف، دون أن يرمش.
‘هل هو متجمد مثلي؟’
لكن لا. لم يكن الشخص في السترة داخل فقاعة فضية. بل كان ملقى على السجادة، وعندما ظهر المزيد من جسده، رأى الفتى أنه تمزق تقريبًا إلى نصفين.
ارتفع الرعب في قلبه، وملؤه، قبل أن يختفي وكأن أحدهم سحب قابسا.
أشار الرجل إلى الجثة، ووجهه مليء بالألم. فمه انفتح على مصراعيه، وكأنّه يصرخ. ولكن داخل الفقاعة، لم يكن هناك أي صوت.
نظرت المرأة إلى الجثة أيضًا. كان وجهها جادًا وحزينًا. مدّت يدها وأغلقت عيون الفتى الميت برفق.
ثم أغمضت عينيها وقالت شيئًا.
‘ربما هي تدعو أيضًا.’
ثم وقفت. وعندما فعلت، نظرت إلى الأعلى وواجهت الفتى داخل الفقاعة. تلاقت أعينهم. وبدا عليها الارتباك والانزعاج للحظة، ثم تنفست بعمق وهرعت نحوه، مبتسمة ابتسامة عريضة.
‘إنها ابتسامة زائفة’، فكر الفتى.
إنها تلك الابتسامة التي يعرضها البالغون عندما كانوا يحاولون إقناعك بأن الأمر ليس سيئًا كما يبدو. نفس الابتسامة التي تظهر قبل أن يعطوك الحقن في عيادة الطبيب.
وقفت المرأة بينه وبين الجثة، ثم سحبت دفتر ملاحظات صغيرًا وقلم من معطفها. كتبت شيئًا ورفعت الورقة ليقرأها. كانت الكتابة واضحة وكبيرة.
– لا تخف. نحن هنا لمساعدتك.
أعطته وقتًا كافيًا لقراءة العبارة، ثم كتبت على صفحة جديدة:
– اسمي هانا. وصديقي هو أرچون.
شعر بخيبة أمل طفيفة لأنهما يحملان أسماء حقيقية. استخدم الكثير من الأبطال الخارقين أسماء رمزية، لكن ليس جميعهم.
– سأغطي فقاعتك. ثم سنأخذك إلى مكان آمن.
‘اسمي ألدن’، فكر الفتى. ‘أي مكان؟ أين والداي؟ هل سيكونان هناك؟’
ولكن لم يكن لديه وسيلة للتحدث.
أعطته هانا ابتسامة متوترة أخرى وإشارة إبهام لأعلى. ثم انحنت نحو الأرض. وعادت للظهور بعد لحظة وهي تحمل وومي . فتحت سحّاب سترتها قليلاً وأظهرت بحركة واضحة أنها وضعت دمية الوومبات بعناية داخلها، قبل أن تغلق السحّاب جزئيًا ليظهر وجه الدمية المبتسم تحت ذقنها مباشرة.
أعطت الفقاعة إشارة إبهام أخرى.👍🏻
رأى ألدِن لمحة من أرچون والصبي الميت مجهول الإسم بينما كانت تنحني مرة أخرى. كان وجه البطل الخارق مخفيًا خلف يد مرتجفة. ثم ألقت بطانية—كانت في الأصل لحاف ألدن الملطخ بالدماء—فوق الفقاعة الفضية بالكامل.
ولم يستطع رؤية أي شيء بعد ذلك.
#####
ترجمة: الكسل