عبد الظل - الفصل 2174
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2174 : الفضول القاتل
تجمدت كاسي في مكانها، مرتجفةً للحظة مما اكتشفته.
لم يكن هذا هدفها…
لكن الآن، بعدما لمحت خيوط المؤامرة التي ستشكل مصير العالم – فضلاً عن تدمير حياة نيف وتحويلها إلى ما هي عليه اليوم – لم تستطع أن تتخلى عن الأمر.
حتى لو كان ذلك هو الخيار الأكثر حكمة.
كانت احتياطياتها من الجوهر تتضاءل، وبدأ جيست بالفعل يُظهر علامات على تحرره من أسر سحر نظرتها الآسرة.
لا يزال عليها أن تتعامل مع العواقب أيضًا. لن يكون قتل القديس العجوز صعبًا للغاية… ولكنه، رغم استحقاقه للموت، لم يكن بالضرورة الخيار الأفضل.
منحها جانبها قدرة نادرة على فهم أعدائها. وفهم شخص ما يجعل من المستحيل تقريبًا أن تكرهه… بعد كل شيء، فكيف لها أن تكره حقًا شخصًا اختبرت بنفسها أفراحه وأحزانه؟ لا يولد الفهم سوى التعاطف، وكان من السهل أن تضيع في ذكريات الآخرين.
وهكذا، لم تستطع منع نفسها من التعاطف مع جيست، الذي مر بالكثير، وعانى من كم هائل من الحزن طوال حياته الطويلة والاستثنائية.
لكن… الذكريات أيضًا خادعة.
لم تكن سجلات دقيقة لما حدث بالفعل. بل كانت غامضة ومتقطعة، لا تُظهر سوى أجزاء مجزأة من الماضي، وحتى تلك كانت مشوهة ومصبوغة بعقل من يتذكرها.
خذ جيست، على سبيل المثال. في ذهنه، كان شخصًا مخلصًا ومتعاطفًا… ربما ليس فاضلًا، لكنه بالتأكيد حسن النية. لهذا السبب، كانت ذكرياته عن حياته تحكي قصة عن روابط إنسانية جميلة ومحن مروعة في سبيل تحقيق الخير الأعظم.
لكن في الواقع، كان جزارًا غارقًا في الدماء حتى مرفقيه. قاتل قاسٍ تجاهل الحياة البشرية وترك خلف عددًا لا يحصى من الضحايا الأبرياء… كان الأمر فقط أنه لم يهتم بهم كثيرًا، وبالتالي، فإن الضحايا عديمي الوجوه لم يتركوا حتى أثرًا دائمًا في ذكرياته.
شعرت كاسي بالتعاطف تجاه جيست، لكنها شعرت بالاشمئزاز منه أيضًا… وليس كما لو أن يديها كانت نظيفتين، بالطبع.
ربما كلاهما يستحقان الموت.
لذا كانت المسألة مسألة مكسب وخسارة.
سيكون قتل جيست مربحًا، إذ سيزيل خصمًا قويًا من المعادلة. لكنه أيضًا سيؤدي إلى خسارة، لأن موته سيدفع أنفيل بلا شك إلى اتخاذ إجراء وكشف أوراق كاسي.
نتيجة لذلك، ترددت في قتله.
كانت هناك طرق أخرى للتعامل مع الرجل العجوز أيضًا.
كان بإمكانها التلاعب بذكرياته قليلًا، تحويرها لتحقيق أهدافها. أو بذل بعض الجهد لمسح بعضها، مما يجعله ينسى تمامًا رغبته في قتلها.
بل كان بإمكانها حتى إحراق ذكرياته واحدة تلو الأخرى، محوها حتى يصبح عقله صفحة بيضاء، ويبتلع النسيان الرجل المسمى بـ جيست بينما يبقى جسده وروحه على قيد الحياة.
كان ذلك في نطاق قدرتها أيضًا.
لكن كل ذلك كان يتطلب كميات هائلة من الجوهر. وحده قتل جيست لم يكن يتطلب تكلفة إضافية.
مع ذلك، ومع ذلك…
هل يمكنها حقًا التخلي عن فرصة معرفة سبب موت السيف المكسور؟.
ترددت كاسي لبضعة لحظات، ثم اتخذت قرارها وغاصت مجددًا في ذكريات جيست.
وبعد ذلك بوقت قصير…
اتسعت عيناها قليلاً.
‘…ويفر؟ هذا هو السبب؟’
لم يكن لديها الوقت لإنهاء الفكرة، رغم ذلك.
لأن في تلك اللحظة، اندفعت يد جيست الوحشية إلى الأمام.
كان قد كافح بشراسة وانتظر اللحظة المناسبة بينما كانت الفتاة الجريئة تنبش في عقله. كان ذلك إحساسًا مقززًا ومروعًا، أن يشعر بشخص ما يغزو ذهنه بالقوة، ويعبث بمشاعره الأكثر خفاءً، وذكرياته الأعز، ويُسلط النور على أعمق ندوبك.
بأي حقٍ تفعل ذلك؟! ما الذي منحها هذه الجرأة؟!.
حتى مع سحره بنظرة أغنية الساقطين الساحرة، كان جيست يرتجف من العار والغضب والقهر.
لكنه كان وحشًا عجوزًا عاش أكثر من نصيبه العادل من الشباب المفرطين في الثقة.
كان يعرف كيف يكون صبورًا.
وكما توقع تمامًا…
استسلمت كاسيا للجشع.
لقد أطالت البقاء أكثر مما ينبغي.
عندما تحرك أخيرًا، بدت وكأنها أُخذت على حين غرة. تراجعت الشابة إلى الخلف، واتسعت عيناها، لكن الأوان كان قد فات بالفعل.
كانا قريبين جدًا من بعضهما البعض.
أغلقت أصابعه ذات المخالب حول عنقها النحيل والهش.
ابتسم جيست.
“…الفضول قتل القطة، أتعلمين؟”
بالطبع، لم يكن أحمقًا ليسمح لها بالرد.
بمجرد أن غادرت الكلمات شفتيه، شدّ جيست عضلاته وكسر عنق الشابة.
كانت قديسة، بالطبع، لكن جانبها لم يكن يعزز بنيتها الجسدية. أما جيست، فكان في شكله المتسامي حاليًا.
انكسر عمودها الفقري بسهولة كافية.
في الخلف، انهار الصدى البشع إلى دوامة من الشرر بينما كان يلقي بأغنية الساقطين بعيدًا. سقط جسدها المكسور على رقعة خاصة جدًا من الطحلب القرمزي، وبدأ يغوص ببطء، وعيناها الواسعتان لا تزالان تحدقان فيه باتهام صامت.
هل كانت لا تزال على قيد الحياة؟ حسنًا، ربما… سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى تموت قديسة من كسر في العنق.
لكن جسدها سيذوب في حفرة السائل الهضمي المختبئة تحت الطحلب قريبًا بما فيه الكفاية. موت شنيع، بلا شك – مناسب تمامًا لفتاة لا تعرف مكانها.
لن يتبقى أي أثر لها، مما يترك له الحرية في ابتكار تفسير للأحداث.
‘إذن، ماذا لو عرفتِ كل أسراري؟ خذيها معكِ إلى قبركِ، أيتها الفتاة الحمقاء.’
والآن… تبقى شخص آخر.
تبين أن التعامل مع هيلي ممل تقريبًا. فعيبها جعلها ضحية مثالية لشخص مثل جيست، في النهاية – محرومةً من قوة جانبها، ماتت بلا حول ولا قوة بين يديه.
لكنها لم تتوقف عن المقاومة حتى آخر لحظة.
وهذا، على الأقل، كان ممتعًا بعض الشيء.
في النهاية، ألقى بجسدها في الحفرة ذاتها. ثم تنهد بعمق وهو ينظر حوله.
“آه. أشعر أنه سيوبخني بشدة، هذه المرة…”
حتى هو كان يشعر ببعض الخوف من غضب أنفيل.
ومن المؤكد أن أنفيل سيكون غاضبًا جدًا بشأن ما فعله جيست اليوم… حسنًا، على الأقل بقدر ما يسمح به قلبه الحديدي البارد.
استعاد جيست شكله البشري وبدأ في ارتداء ملابسه. كانت ملابسه مصممة بحيث لا تتلف عند تحوله – على الأقل قميصه وسرواله. كل ما احتاجه لإعادتهما إلى شكلهما السابق كان تثبيت بضع أحزمة.
أما سترته، للأسف، فقد تمزقت تمامًا. نقر بلسانه بضيق.
“سحقا! لقد صُنعت خصيصًا لي للتو…”
هزّ رأسه، والتقط جيست عصاه، وألقى نظرة أخيرة حوله، ثم غادر.
***
بعد ذلك بوقت قصير، خرجت هيلي من خلف شجرة، ونظرت إلى كاسي التي كانت تقف قريبًا، بتعبير غريب.
“…أهذا كل شيء؟ رحل فحسب؟”
أومأت كاسي بإرهاق.
“لماذا قد يبقى؟ لقد زرعت في ذهنه ذكرى زائفة. ذكرى قتله لنا بوحشية والتخلص من جثثنا. لذا، لم يعد لديه سبب للبقاء هنا.”
كما أنها محَت ذكرى شكل عينيها الحقيقي عندما تحولت، أيضًا – كما تفعل دائمًا بعد استخدام قدرتها المتسامية.
صمتت هيلي لبضعة لحظات، ثم ارتجفت.
“هل يمكنكِ إعادة وضع عصابتكِ على عينيكِ؟ أنا، أمم… سأشعر بتحسن إن فعلتِ.”
لم تعلّق كاسي ببساطة، وأعادت العصابة إلى مكانها. بدا أن هيلي استرخت بمجرد أن فعلت ذلك.
كان هذا هو السبب الحقيقي خلف ارتدائها العصابة، منذ البداية.
في النهاية، سألت هيلي:
“إذن… أعتقد أننا ميتتان الآن؟ على الأقل بالنسبة لعشيرة فالور. ماذا سنفعل الآن؟”
استدارت كاسي نحوها، وبقيت صامتة للحظة، ثم ابتسمت بلطف.
“حسنًا، وماذا غير ذلك؟”
وبذلك، واجهت الأدغال.
“يبدو أننا سنضطر للانشقاق إلى سونغ، على ما أعتقد.”
ترجمة آمون