عبد الظل - الفصل 2164
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2164 : لا شيءَ ليخسره
تجمدت كاسي لوهلة، بعدما وجدت أخيرًا ما كانت تبحث عنه.
“عيب الملك…”
ويا له من عيب قاسٍ. فلا عجب أن يبدو باردًا كالفولاذ…
لم يكن أنفيل غير قادر على الشعور بالمشاعر – بل إنه ببساطة علَّم نفسه ألا يفعل. بما أنه كان مقدَّرًا له أن يخسر كل ما يعز عليه، فقد استبدل المودة والمشاعر باللامبالاة، ليحمي نفسه وأولئك المقربين منه من عواقب عيبه.
كانت نواياه صالحة… بل نبيلة حتى، طوال تلك السنوات الماضية.
لكن في النهاية، لم يؤدِ المسار الذي اختاره إلا إلى تحويله إلى مسخ، يشوِّه ويدمر كل ما يلمسه. لأنه عندما تعلَّم ألا يقدّر شيئًا، انحلت القيود التي تربطه بإنسانيته. وبلا قيود، انجرف قلبه الحديدي البارد بعيدًا أكثر فأكثر عن كل ما هو خير وإنساني.
كانت مورغان وموردريت أكثر ضحاياه وضوحًا بسبب انفصاله اللاإنساني. لكن كان هناك ضحايا لا يُحصون أيضًا…
كل جندي لقي حتفه في قبر السَّامِيّ، كل مدنيٍ قُدِم قربانًا لسلسلة الكوابيس بينما كانت العشائر العظيمة تخوض حروبها الداخلية، وكل من سقط كأضرار جانبية في سعي أنفيل القاسي لتحقيق ما رآه على أنه الخير الأعظم.
…السيف المكسور، عشيرة الشعلة الخالدة. ونيفيس أيضًا.
كان الطريق إلى الجحيم ممهدًا بالنوايا الحسنة، لكن في هذه الحالة، تم تشكيل الجحيم نفسه بقرار واحد اتخذه شاب عازم.
كان الأمر ليكون مفجعًا حقًا، لو لم يكن بشعًا ومروعًا.
تمامًا في اللحظة التي خطرت هذه الفكرة على كاسي، انحنى الشكل الضخم لجيست إلى الأمام، واتسعت شفتاه في ابتسامة متوحشة، كاشفًا عن أسنانه الوحشية.
ولكنه لم يتحرر من نظرتها… على الأقل ليس بعد.
لم يتبقَّ لدى كاسي الكثير من الوقت. لحسن الحظ، كانت قد حصلت بالفعل على ما أرادته.
لذلك، فكرت في إنهاء الأمر عند هذا الحد لمنع أي خطر إضافي…
ولكن في تلك اللحظة، جذبت انتباهها مجموعة أخرى من الذكريات.
كانت نابضة بالحياة بشدة، لكنها في الوقت ذاته مزعجة بشكل غريب. وكأنها شيء يائس جيست لنسيانه، لكنه لم يستطع.
توقفت كاسي، وشعرت فجأة بالفضول. في هذه المرحلة، رأت معظم ذكرياته التكوينية. نزول تعويذة الكابوس، لقاؤه بواردين، ولادة أطفاله، موت ابنه، فقدان زوجته وأفضل أصدقائه…
ما الذي تبقى؟.
كابوسه الثالث؟.
حتى مع معرفتها بأنه من الخطر الغوص أعمق، لم تستطع المقاومة، فأحرقت المزيد من الجوهر لتغوص في الذكرى النابضة والمضطربة.
كان الأمر غريبًا، لكن مجموعة الذكريات الحية لم تكن تتعلق أبدًا بكيفية تحول جيست إلى قديس. بل كانت تدور في معظمها في باستيون…
حدث ذلك بعد عامين فقط من تلك المحادثة المصيرية في قاعة المرآة العظيمة.
عبست كاسي وهي تتسارع عبر دوامة التجارب الغريبة، شاعرة بأن قبضتها على عقل جيست تضعف أكثر فأكثر.
***
كما وعد أنفيل، أنهى الصراع الداخلي في باستيون. كان جيست سيحل المشكلة ببساطة عن طريق القضاء على جميع الطفيليات – أو على الأقل بعضهم، ليكون درسًا للبقية. لكن وريث فالور الشاب سلك طريقًا أقل دموية، لكنه ربما كان أكثر قسوة.
كانت هناك طرقٌ لكسر الناس دون أن تجعلهم ينزفون، ولم يُظهر أي رحمة لأفراد عائلته الممتدة على الاطلاق. برودته وحسمه جعلا حتى جيست يشعر بقليلٍ من القشعريرة.
كبر الفتى وصار رجلًا… رجلًا مرعبًا، في الواقع. ربما كان ذلك هو السبيل الوحيد لنشأة الأطفال في عصر تعويذة الكابوس.
‘إنه مثل نسخةٍ أشد برودةً وأكثر رعبًا من واردين.’
شعر جيست ببعض القلق، وبعض الفخر أيضًا.
في أعقاب ذلك، استمرت عجلة العالم في الدوران. استمر السباق الذي تحدث عنه واردين، ومع كل شهر، واصلت البشرية فقدان بعضٍ من التقدم الذي أحرزته في الماضي.
رسَّخ أنفيل مكانته في باستيون، لكن رغم أن قوة فالور ومكانتها لا تزالان مهمتين، إلا أن نفوذ عائلته كانت في تراجع. لم يكن من السهل على مستيقظٍ شابٍ أن يجاري وحوش قديمة من الجيل الأول، خصوصًا أن كثيرًا منهم أصبحوا أسيادًا الآن.
لكن العديد منهم لاقوا حتفهم بنفس الطريقة التي رحل بها واردين، واستمروا في خسارة حياتهم في السعي اليائس نحو التسامي. وكأن المجزرة العظمى التي سبقت استيلاء الشعلة الخالدة على بذرة الكابوس تتكرر مجددًا، ممحيةً المزيد والمزيد من الوجوه المألوفة من الوجود.
في كل مرة كان جيست ينظر حوله، كان يجد شخصًا آخر قد اختفى.
على أي حال، لهذه الأسباب – ولأسبابٍ كثيرةٍ أخرى – كان أنفيل عازمًا على تحدي الكابوس الثاني في أسرع وقتٍ ممكن.
كانت تحضيراته سريعة، لكنها متقنة. بالكاد كان ينام، إذ أمضى كل وقته في التدريب، أو الصياغة، أو دراسة أسرار السحر الروني – ربما كان السيف المكسور هو المحارب الأكثر فتكًا في فوجهم، لكن أنفيل هو من تولى مسؤولية تجهيز رفاقه بأفضل الذكريات والمعدات التي يمكن لأي مستيقظٍ أن يحلم بها.
كما زار أيضًا العالم المحظور المخفي داخل المرآة المخيفة تحت باستيون بشكلٍ متكرر، ورغم ذلك، كان يعود حيًّا في كل مرة. وكلما عاد أنفيل من تلك الرحلات المحفوفة بالمخاطر، كان يغلق على نفسه إما في المكتبة أو في الورشة، وأحيانًا يبقى هناك لأسابيع.
ومع مرور الوقت، بدأ يكتسب بعض العادات الغريبة أيضًا. لم يكن الأمر مجرد البرود المقنن واللامبالاة التي أظهرها منذ محادثته المريرة مع جيست، بل أشياء أخرى… أشياء أغرب.
على سبيل المثال، ذات يوم، أصدر أمرًا بتدمير كل المرايا في باستيون، وعاقب بشدة كل من أخفق في تنفيذ ذلك. بدا أيضًا وكأنه أصبح مهووسًا بالكمال، وكأن لديه كراهيةً عميقةً لمفهوم العيوب ذاته.
لكن لم يكن جيست قلقًا كثيرًا. فكل من كانت له قيمة في هذا العالم كان لديه شيء من الغرابة… هو نفسه كان معروفًا ببعض العادات الغريبة، مثل ارتداء ملابس أنيقةٍ للغاية، أو عدم كبح حسه الفكاهي الراقي والمتميز أبدًا.
مع اقتراب الموعد الذي كان فيه السيف المكسور وحاشيته يخططون لتحدي الكابوس الثاني، ركَّز أنفيل على تجنيد مواهب استثنائية للانضمام إليهم.
كان السيف المكسور، وابتسامة السماء، وأنفيل بالفعل ثلاثة من أبرز المستيقظين في جيلهم – وربما في كل العصور. لم يكن أي شخص مؤهلًا للوقوف إلى جانبهم، ومع ذلك، نجح في العثور على اثنين.
كانت إحداهما تلك الفتاة من أطراف عالم الأحلام الغربية، كي سونغ…
وفي ذلك الوقت أيضًا، أحضر أنفيل فتى يُدعى أستيريون إلى باستيون.
بحلول ذلك الحين، كان جيست قد اقترب من بلوغ الخمسين، وأصبح سيدًا كذلك.
لكن مع ذلك… في اللحظة التي رأى فيها ذلك الفتى المراهق، شعر بطريقةٍ ما بشعورٍ قوي ومروِّع من القلق.
ترجمة آمون