عبد الظل - الفصل 2159
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2159 : المهد الفارغ
في قبو قصر جيست الفاخر في قلب NQSC، وخلف عدة طبقات من السبائك المدرعة ومدافعًا عنه بنظام دفاعي متطور يعتمد على تقنيات التعويذة، تواجدت غرفة مربعة بجدران فيديو تعرض منظرًا بانوراميًا خلابًا لبوابة النهر.
كان هناك كبسولتا نوم مثبتتين جنبًا إلى جنب – كانتا فاخرتين وباهظتي الثمن ذات يوم، لكنهما أصبحتا قديمتين الآن وعفا عليهما الزمن. كان جيست وزوجته قد استخدموهما سابقًا، ولكن بما أن كليهما أصبحا أسيادًا الآن ولم يعودا يدخلان عالم الأحلام أثناء نومهما، فقد أصبحت الكبسولات تجمع الغبار خلال السنوات القليلة الماضية.
ليس الأمر أنها كانت غابرةً حقًا. فقد كان القصر بأكمله نظيفًا تمامًا، بفضل عمال التنظيف الآليين والموظفين العاديين.
لكن اليوم، كان أحد الكبسولات مشغولًا.
استلقى الابن الأكبر لجيست بداخلها، نائمًا بسلام، بينما كان جيست نفسه جالسًا على كرسي قابل للطي بالقرب منه، يراقبه بوجه خالٍ من التعابير.
جلس هناك لمدة يومين دون أن يتحرك.
كان عقله فقط مضطربًا وحيويًا.
‘هيا يا فتى… هيا. والدك نجا، لذا يمكنك النجاة أيضًا. أنت أفضل مني بكثير. يمكنك فعلها…’
لم يستغرق الأمر طويلًا حتى استسلم ابنه للتعويذة بعد ظهور الأعراض الأولى. ودخل في الكابوس الأول الآن، مقاتلًا لأجل حياته… بينما أصبح جيست عالقًا هنا – بقربه، لكنه عاجزٌ عن المساعدة.
لم يستطع المساعدة، وفي الوقت نفسه، شعر بالعجز أكثر من أي وقت مضى.
أليس هذا مضحكًا؟ أمضى جيست العقدين الأولين من حياته بالكاد متشبثًا بالحياة، ثم أمضى سنوات أخرى في مواجهات مستمرة مع الموت. ومع ذلك، لم يشعر أبدًا بهذا القدر من العجز كما شعر الآن.
لربما كان الأمر مضحكًا، لكن لأول مرة منذ نزول التعويذة، لم يجد القوة ليبتسم.
‘هيا…’
ببطء، بدأت كل محادثة أجراها مع واردين تطفو على السطح في ذهنه. كل ما فعلوه معًا – كل انتصار مجيد، كل إنجاز ضد كل الصعاب، كل تضحية نبيلة… كل مخطط دنيء، كل إعدام بدم بارد، كل حياة بريئة فُقدت كأضرار جانبية في سبيل تحقيق الخير الأعظم – ألم يكن كل ذلك من أجل هذا؟.
لبناء عالمٍ يستطيع أطفالهم العيش فيه ورؤوسهم مرفوعة.
سفكوا الدماء وبنوا هذا العالم، لذا لا بد أن أطفالهم سينجون، صحيح؟.
عندما استدعته التعويذة إلى الكابوس الأول، لم يكن جيست يعرف شيئًا، ولم يكن يملك شيئًا. لم يكن يعرف كيف يقاتل، أو كيف يستخدم الأسلحة، أو كيف يحصل على الطعام، أو كيف يجد مأوىً من الطبيعة الأم. لم يكن يعرف ما هي الجوانب، أو لماذا كانت السمات مهمة، أو كيف يحصد ويمتص شظايا الروح…
لكن عرف ابنه كل شيء، علاوةً على ذلك. تم تعليمه وتدريبه على يد أفضل المدربين في العالم، وبدأ يستعد لهذا اليوم منذ طفولته المبكرة. لقد كان تدريبه شاملاً ومكثفًا، يكاد يكون مفرطًا… كان جيست وزوجته من بين أفضل محاربي البشرية، ونقلا إليه كل ما استطاعا.
لذا، بالتأكيد…
لم يسبق لجيست أن صلى لأي أحد أو أي شيء من قبل، لكنه كان يصلي الآن.
حتى لو كان السَاميين قد ماتوا، فقد أمل أن يستمع إليه شيء ما.
صلى إلى السَاميين، وإلى الشَيَاطِين.
بل حتى صلى لتعويذة الكابوس نفسها.
‘هيا…’
لكن صلواته لم تلقَ استجابة.
…شعر بذلك قبل أن يراه. تغيير طفيف، شبه غير محسوس في الجو، وكأن الهواء في الغرفة تحت الأرض أصبح فجأة أكثر ثقلًا.
أكثر برودة، وأكثر قتامة، وأكثر شرًا.
لم يكن ذلك شيئًا يشعر به جيست بجسده، بل كان شيئًا شعر به بروحه.
ارتجفت عيناه قليلاً.
في مهد الكبسولة النائمة المنار بشكل ساطع، ارتجفت أجفان ابنه أيضًا.
للحظة، تمنى جيست أن يفتح ذلك الشيطان الصغير عينيه.
لكن بدلًا من ذلك، ارتعش جسد ابنه، ثم انحنى، وصدر هدير خافت من بين شفتيه.
تحرك شيء تحت جلده، كما لو أن عظامه كانت تنمو وتعيد ترتيب نفسها، ضاغطةً على جلده من الداخل.
واصل جيست المراقبة بصمت، مشلولًا.
لكن في النهاية…
وقف ببطء وسار نحو كبسولة النوم بضعف.
جلس على حافتها، ثم جذب ابنه إلى حضنه، ممسكًا به بإحكام، محاولًا احتواء الحركات التي ازدادت شراسة.
تذوقه مجددًا… الطعم المالح للدموع على لسانه.
يبدو أنه لا يزال يملك دموعًا ليذرفها.
تمامًا كما في ذلك اليوم، أمام الثكنة.
فتح جيست فمه:
“ششش…”
ثم استنشق بعمق.
“لا بأس، يا فتى. لا بأس. لقد أحسنت… لقد بذلت قصارى جهدك.”
بالطبع، لم يعد الشيء الذي كان يحمله ابنه بعد الآن.
لكن شدّ جيست احتضانه أكثر.
“لا بأس… لقد أحسنت…”
وبعد وقت…
وربما بعد دهرٍ بأكمله.
غادر جيست القبو وأغلق الباب خلفه.
كان يعلم أن زوجته تنتظره في الأعلى، نصف ميتة من هول الترقب والقلق.
كان عليه أن يخبرها الآن، لكنه لم يكن شجاعًا بما يكفي لمواجهتها بعد.
بدلًا من ذلك، استدار نحو الجدار واتكأ عليه، يلهث بصعوبة.
شاعرًا ببرودة السبيكة المدرعة على جبينه.
“آه…”
كان ذهنه فارغًا.
“آه…”
بعد فترة، ركز بصره على معصمه.
هناك، عند طرف قميصه الفاخر…
تحوّل القماش الأبيض إلى لونٍ أحمر زاهي، مغمورًا بالدم.
حدق جيست فيه لفترة، وبدأت عيناه تتلاشى ببطء.
ثم ابتسم ابتسامةً ملتوية فجأة.
تذكر صفعة أخرى ملطخة بالدماء، ومحادثة وقعت منذ زمن بعيد.
ماذا قد قال حينها؟.
“…كان هناك بعض الأضرار الجانبية. مؤسفة، لكن لا مفر منها. على أي حال، سارت الأمور على ما يرام”
قالوها وكأنها حقيقة بديهية. ولم لا يفعلون؟ فكم مرةً حدثت هذه الوقائع المؤسفة؟ لقد فقد العدّ. إذا أهدر جيست طاقته في الاهتمام بكل واحدة منها – بأي واحدة منها – لقضى حياته كلها غارقًا في الدموع.
لكنه كان مشغولًا جدًا بسفك الدماء. لا يمكن للمرء أن يبني عالماً جديداً بدون ملاط، بعد كل شيء، وبالتأكيد ليس دون كسر بعض الطوب… سواءً كان عشرات أو آلاف، لم يكن يهم.
لكن تلك الطوبات المكسورة كانت أبناء وبنات شخص ما أيضًا.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مروعة.
“إذن… هل هذه هي عقوبتي إذن؟”
هل كانت كذلك؟.
قبل أن يدرك جيست ما كان يفعله، أعاد رأسه إلى الخلف، ثم ضربه بالحائط، وكأنه يرغب في كسر جمجمته.
لكن جمجمته لم تنكسر، بالطبع.
بدلًا من ذلك، انحنت السبيكة المدرعة وتشققت، تاركة انبعاجًا عميقًا على سطحها.
فقد كان سيدًا، بعد كل شيء.
“آه، آه…”
كان العالم مريرًا.
مات السَاميين، وحل محلهم تعويذة الكابوس.
وتلك التعويذة…
كانت سَاميًا شريرًا.
ربما النوع الوحيد من السَاميين الذي يستحقه.
ترجمة آمون