عبد الظل - الفصل 2148
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2148 : الفارس والأحمق
“أنت مجنونٌ تمامًا. مختلٌ. مخبول. مَعتُوهٌ يهذي… رجلٌ فقد صوابه!”
تمتم جيست بالشتائم أثناء وقوفه على ضفة بحيرة جميلة، بينما أستمع الفارس الشاب بلا مبالاة. خلفهم، كان هناك بضع عشرات من النائمين الملطخين بالدماء والمذعورين منشغلين بإسقاط الأشجار.
بقي الفارس الشاب نظيفًا وأنيقًا، حتى رغم أن درعه المصقول قد امتلأ بالعشرات من الخدوش الآن. قاتل وقتل وحوشًا أكثر من أي شخص آخر، لكنه رغم ذلك ما زال يبدو شجاعًا وغير متأثر.
لم تكن الأيام القليلة الماضية لطيفة عليهم.
في البداية، كان هناك بالفعل مجموعة كبيرة من النائمين الذين تجمعوا معًا بعد أن وجدوا أنفسهم في تلك الغابة المروعة – ما يقارب المئة، مع انضمام ناجين جدد كل يوم. قوة لا يُستهان بها حتى في نهاية العالم… أو هكذا اعتقدوا.
أنشأ النائمون معسكرًا على ضفة النهر – بعيدًا بما يكفي عن الأشجار ليكون لديهم وقت للرد عندما تهاجمهم وحوش الغابة، ولكن أيضًا بعيدًا عن الماء لحماية أنفسهم من الرجسات المائية. عملوا معًا من أجل النجاة، غير متأكدين من مكانهم وما يخبئه المستقبل لهم.
ومع ذلك، أصبح جيست منبوذًا مجددًا… وذلك رغم موقفه الإيجابي وحسه الفكاهي الساحر. فالقوة هي الفضيلة الوحيدة في هذا العالم المجنون، ولم يكن يملك منها شيئًا.
والأسوأ من ذلك، أنه كان تفوح منه رائحة كريهة. بدا أن كل شخص آخر لديه نوع من الذكريات، سواء كان درعًا أو ملابس مسحورة، لتغطية أنفسهم… لكنه لم يكن لديه سوى بونشو مصنوع بشكل بدائي. لذا، مال الناس لتجنبه.
بسبب الرائحة، بالطبع. وليس بسبب نكاته.
الجميع… باستثناء الفارس المزعج.
حتى أن جيست سأله عن ذلك.
“استمع، يا صاحب الغمازات… لماذا تستمر في إزعاجي؟ جانبي عديم الفائدة، كما تعلم. وليس لدي أي ذكريات.”
لكن الفارس ضحك فقط.
“بالضبط.”
ثم ألقى نظرة على بقية النائمين.
“فقد حارب كل شخصٍ هنا بشدة من أجل النجاة. خلال الكابوس، بعد الكابوس، وهنا أيضًا… بينما كانوا يملكون جوانبًا قوية وذكرياتٍ قاتلة. لكن، ألن يكون الشخص الذي لا يملك أيًا منهما هو أشد من حارب؟”
هز الفارس رأسه.
“لا تعتبرني أحمق. أنا لا أتحدث إليك بدافع اللطف أو الكرم. بل أفعل ذلك لأنني أعتقد أنك قوي، وأنا بحاجة إلى رفاق أقوياء للنجاة.”
هز جيست رأسه بدهشة.
“واو. من كان ليظن؟ هناك في الواقع عقل داخل هذا الرأس الوسيم…”
رفع الفارس الشاب حاجبه.
“شكرًا؟ ولكن أيضًا، هل كان ذلك موضع شك؟”
هز جيست كتفيه.
“آه، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي! أنت فقط هادئٌ ومتفائل طوال الوقت لدرجة أنني ظننت أن هناك برغيًا أو اثنين… أو اثني عشر… مفكوكة في رأسك.”
نظر إليه الفارس بنظرة غريبة، ثم هز رأسه متسليًا.
“لا، ولكن… من بين كل الناس…”
لم يفهم جيست تمامًا المغزى من كلماته.
على أي حال، هكذا انتهى بهم الأمر كرفاق.
بحلول ذلك الوقت، لم يعد جيست يرتدي البونشو القذر. كان لدى الفارس جانب غريب يسمح له بصنع جميع أنواع الأشياء، لذا قام بصنع مجموعة من الملابس لجيست، بالإضافة إلى رمح خشبي مناسب، وقوس، وجعبة من السهام.
قد تبدو القدرة على استدعاء النيران السحرية أو امتلاك قوة هائلة من الجوانب التي يرغب الجميع في الحصول عليها، ولكن تلك القدرة على صنع الأشياء أكسبت الفارس الشاب احترامًا وسمعة أكبر حتى من درعه وسيفه وقدرته المذهلة على قتل الوحوش.
رغم أن النائمين امتلكوا الذكريات، فإن قلةً منهم امتلكوا الكثير منها. لذا، كان الجميع بحاجة إلى شيء يعوض المعدات التي تركوها في العالم الحقيقي.
وهكذا، أصبح الفارس أحد قادة المجموعة، وقفز جيست إلى قمة التسلسل الاجتماعي بصفته صديقه.
كان التشبث بفخذٍ ذهبي وسيلة ممتعة للعيش.
لكن هذا لا يعني أن كل شيء سار على ما يرام بالنسبة له وللنائمين الآخرين.
كانت الغابة خطيرة إلى حد لا يُقاس، وكذلك النهر. مات الكثير منهم أثناء قتال الوحوش…
لكن في الواقع، كان البشر أيضًا خطيرين بنفس القدر.
ما كان يحدث في العالم الحقيقي استمر في الحدوث هنا. في الخارج… كان الناس خائفين، محطمين نفسيًا، يائسين، وغير قادرين على استيعاب العالم الذي تغير في لحظة. ومن رحم الخوف واليأس، تنبت الأفكار الغريبة والكثيرة.
كان هناك لوردات قساة، وعصابات متجولة من النهابين الذين فقدوا كل ما تبقى من إنسانيتهم، وبقايا متحطمة من الحكومات المحلية التي كانت تغرق ببطء في جنون مروع، وعبادات غريبة ربما كانت الأكثر شراً ورهبة وضررًا على الإطلاق.
وهنا أيضًا… لم يكن جميع النائمين بكامل قواهم العقلية، وكان الأقل منهم من يمكن وصفهم بالخيريين تمامًا.
لذا، في النهاية، كان هناك القليل من إراقة الدماء، وانقسمت المجموعة.
قرر معظمهم تجربة حظهم باتباع مجرى النهر إلى المصب، بينما اختار الفارس وأتباعه السفر عكس التيار، نحو البحيرة…
ونحو القلعة الضخمة التي كانت ترتفع فوقها مثل سرابٍ جميل، هناك في الأفق.
وقف الفارس الشاب الآن على ضفة البحيرة، مسلحًا بسيف وترس. بدا شجاعًا للغاية في درعه الفارسي، لكن لم يكن جيست في مزاج يسمح له بتقدير هذه الهالة البطولية.
لأن بقية الرجال والنساء في مجموعتهم كانوا يسقطون الأشجار لصنع الطوافات.
“اسمع… أنت تعلم أن هناك رجسات مروعة تعيش في البحيرة، أليس كذلك؟”
أومأ الفارس برأسه.
“صحيح.”
أخذ جيست نفسًا عميقًا.
“وبالرغم من أننا لا نعرف بالضبط ما الذي يسكن القلعة، فقد رأينا جميعًا التنين وهو ينفث النار من سطح البرج الرئيسي، صحيح؟”
أومأ قائدهم المغامر مرة أخرى.
“بدا ذلك الشيء بالفعل كتنين، هذا صحيح.”
زفر جيست أثناء صره لأسنانه.
“إذن لماذا نذهب إلى القلعة؟! حتى الحمقى المجانين الذين ذهبوا نحو مصب النهر اتفقوا على أن الذهاب إلى القلعة انتحار!”
نظر إليه الفارس الشاب مبتسمًا.
“كما تعلم، لطالما رغبتُ في قتل تنين.”
رمش جيست.
“… حقًا؟”
ضحك الفارس.
“ يا الهـي ، لا! رغم ما تعتقده، فأنا لست مجنونًا. من ذا الذي يرغب حقًا في قتال تنين؟ تنين حقيقي. هذه الأشياء غير علمية، لا يفترض أن تتواجد… أو على الأقل، لم يكن من المفترض أن تتواجد.”
هز جيست رأسه محتارًا.
“لماذا إذن؟”
بقي الفارس الشاب صامتًا لفترة.
ثم نظر إلى القلعة مجددًا، وتغيرت تعابيره أخيرًا إلى الجدية.
“لأنني تركت زوجتي الحامل وحدها في العالم الحقيقي. كان هناك طريق للعودة في المرة السابقة… لذا، لا بد أن هناك طريقًا للعودة هذه المرة أيضًا. القلعة هي أول بناء بشري نراه حتى الآن. بالإضافة إلى أنها بارزة جدًا. لذا، سأغزوها وأعود إلى المنزل، حتى لو اضطررت لقتل تنين.”
حدق جيست فيه بمزيج من الحسد والإعجاب لبضعة لحظات.
لا بد أن الأمر كان لطيفًا… أن يكون لديك منزل، وشخص ينتظرك للعودة إليه.
في النهاية، تنهد بعمق.
“حسنًا، لا بأس. لنقتل تنينًا.”
نظر إليه الفارس الشاب.
“ماذا، لا مزحة هذه المرة؟”
صر جيست على أسنانه.
“أيها اللـقيط! هذا الموقف بأكمله لهو مزحة! أليس هذا ممتعًا بما يكفي لك؟!”
نظر الفارس بعيدًا بتعبير من الحنين.
“بصراحة، ليس لدي حس دعابة حقًا. لم أكن أبدًا جيدًا في الاستمتاع. لذا، جيست… سأوكل هذا الجزء إليك.”
حدق جيست فيه بعينين متسعتين.
هاه؟.
‘لكنني لم أتطوع لذلك؟ ماذا أكون، مهرجًا؟ لا، حقًا ماذا يقول هذا اللـقيط حتى؟!’
في صباح اليوم التالي، أبحروا عبر البحيرة نحو القلعة.
ترجمة آمون