عبد الظل - الفصل 2147
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2147 : لقاءٌ مُقدر
بعد يومين، خرج جيست من الغابة. كان يتوقع أن يموت… ومع ذلك، كان لا يزال حيًا، ولو بالكاد.
أصبح جسده مغطىً بالكدمات والدماء الجافة، بينما أمسك برمحٍ مرتجل بيد مرتعشة. صُنع هذا الرمح من غصن طويل، وشظية حادة من الحجر، وحبل مصنوع من لحاء الشجر.
كان يرتدي أيضًا شيئًا يشبه البونشو، مصنوعًا من جلد وحش، ومربوطًا عند الخصر بحبل آخر. بالطبع، لم يكن لدى جيست أدنى فكرة عن كيفية سلخ وحش، ناهيك عن معالجة الجلود أو خياطة الملابس… لذا، كان البونشو مقززًا للنظر، وأكثر إثارة للاشمئزاز للشم.
لم يكن يكترث لذلك، إذ كانت الغابة اللعينة بأكملها كائنًا حيًا مرعبًا، مصممًا على التهامه بالكامل.
‘اللعنة… اللعنة…’
كان جيست يركض من أجل حياته. صحيحٌ أنه تمكن بطريقة ما من قتل وحش، لكن لم تكن الأرض الملعونة تحوي وحشًا واحدًا فقط. كان حاليًا، هناك وحش يطارده… واحدٌ مرعبٌ للغاية.
وركض بعيدًا بشكلٍ أعمى حين أشرقت الغابة فجأة، ثم اختفت الأشجار تمامًا.
بدلًا من ذلك… كان هناك نهر أمامه، يتدفق بثبات، وسطحه يتلألأ تحت أشعة الشمس.
كان المشهد جميلًا وغريبًا – من أين يمكن للمرء أن يجد نهرًا نظيفًا محاطًا بالغابة في العالم الحقيقي؟ – لدرجة أن جيست تجمد للحظة، ثم صرخ غاضبًا.
هذا النهر اللعين!.
من يهتم إذا كان جميلًا؟!.
الشيء الوحيد المهم أنه كان يسد طريقه، وبالتالي، لم يعد هناك مكان يهرب إليه.
بالطبع، لم يكن لدى جيست أي فكرة عن كيفية السباحة. لم تكن هناك أنهار، ولا بحيرات، ولا برك متاحة لعمال النظام – باستثناء السامة منها – لذلك لم يواجه يومًا أي مسطح مائي أكبر من حوض استحمام.
وحتى حوض الاستحمام ذاك لهو من الكماليات التي نادراً ما يراها الناس أمثاله. إذ لم يعرف معظمهم سوى الاستحمام الجماعي.
“سحقا!”
متأوهًا، قبض جيست على رمحه المثير للشفقة وأجبر جسده المنهك على الحركة.
ركض على طول ضفة النهر، محاولًا إدخال الهواء في رئتيه المحترقتين.
لكن كان كل هذا بلا جدوى.
بوسعه بالفعل أن يسمع هديراً مرعباً قادماً من خلفه، وصوت شيءٍ ثقيل يتحرك عبر العشب.
“ليس… ليس… ليس هكذا! لا يوجد نكتة ختامية، سحقا!”
كانت حياته مجرد مزحة، ولكن إذا كان سيموت، فقد كان يأمل على الأقل أن تكون مزحة جيدة.
فكر جيست في الاستدارة ومحاولة القتال، ولكن في تلك اللحظة تعثر ساقطًا نحو الأرض، ثم تدحرج عدة مراتٍ قبل أن يتوقف، مستلقيًا على التراب.
وانكسر رمحه البائس. بقي الغصن المتين سليمًا، لكن الربط الذي كان يمسك برأس الرمح قد تفكك، وطارت الشظية الحادة بعيدًا.
امتلأت عيناه بالدموع المريرة، ومن خلالها…
رأى وحشًا ضبابيًا مروعًا ينقض عليه، بجنونٍ جائعٍ يشتعل في عينيه.
كان الموت قادمًا.
لكن في تلك اللحظة، غطى ظلٌ وجه جيست للحظة، ثم سقط رمحٌ فولاذي من السماء، فاخترق جبين الوحش وطعنه.
ارتطمت فكوك المخلوق العملاق بالأرض، وانقلب رأسه قبل أن ينهار بقوة على بعد سنتيمترات فقط من جيست.
حدق في الوحش الميت بصمت، ثم نظر إلى الرمح.
وبعد لحظة، رفع بصره.
وهناك، وقف شخصٌ فوقه، ظهر وكأنه خرج من العدم.
كان شابًا طويل القامة بملامح وسيمة، وشعر داكن، وعينين رماديتين فولاذيتين. كان وجهه نظيفًا تمامًا، مرتديًا درعًا فروسيًا مصقولًا، يبدو حصينًا كالدبابة.
بعبارة أخرى، كان النقيض المثالي لجيست القذر، الهزيل، والذي بالكاد كان يرتدي ملابس.
نظر الفارس الشاب إليه بابتسامة آسرة.
“كنت ذكيًا بعدم القفز إلى النهر هربًا من الوحش، يا صديقي.”
رمش جيست بضع مرات.
ثم قال بصوت ضعيف:
“النهر؟ حسـ.. حسنًا فأنـ… فأنـا بالكاد كنت أعرفها؟”
نظر إليه الفارس الشاب بنظرة غريبة، مما أعطى جيست انطباعًا بأنه يفتقر تمامًا إلى حس الدعابة.
حسنًا، لا أحد مثالي.
في تلك الأثناء، مد له منقذه يده.
“ما قصدته هو أن هناك أنواعًا أسوأ من المخلوقات تحت الماء.”
قبل جيست اليد الممدودة ونهض ببطء.
عندها فقط أدرك الأمر…
كان الغريب الشجاع يتحدث بلغة العالم الحقيقي.
لم يكن يتحدث باللغة الغريبة والعتيقة التي كان يتحدث بها الناس في الكابوس، والتي كان جيست يفهمها بطريقة ما رغم ذلك.
والآن بعد أن فكر في الأمر، فإن الرجل المسكين الذي ساعده جيست على تجنب أن يُهضم حيًا داخل شجرة كان يتحدث أيضًا بلغة العالم الحقيقي.
اتسعت عينا جيست وهو يحدق في الشاب.
“انتظر… هل أنت حقيقي؟”
أومأ الفارس الشاب برأسه.
“حقيقي تمامًا، نعم. يبدو أن هذا الوضع مختلف عن الكابوس. في الواقع، هناك مجموعة كاملة من النائمين هنا، في هذه الغابة الوحشية. تم إرسالنا جميعًا إلى هنا معًا.”
بقي صامتًا للحظة، ثم ابتسم.
“وجميعهم أناسٌ يتحلون بالبسالة والشجاعة، بلا شك.”
حدق به جيست بعينين واسعتين.
“…الشجاعة؟ من يهتم بالشجاعة؟! هل لديك طعام وماء؟ هذا ما أريد معرفته!”
ضحك الفارس الشاب.
“نعم، لدينا.”
ثم وضع قدمه على رأس الوحش الميت وسحب رمحه منه.
“لكن، يجب أن نحصل على شظية الروح ونغادر هذا المكان بأسرع ما يمكن… وإلا، سيتم اختبار شجاعتنا عندما تجذب رائحة الدم المزيد من الوحوش. ,لدي القليل من الشجاعة لا غير، لذلك من الأفضل ألا نتأخر.”
بقي جيست صامتًا، محاولًا التوصل إلى نكتة مناسبة.
لسبب ما، أراد حقًا السخرية من هذا الفارس الشاب الجاد بشكل لا يُحتمل.
من كان يعلم أن لقائهما العابر هذا سيحدد مسار حياته بأكملها؟.
لأن الفارس الشاب، رغم ادعائه أنه ليس شجاعًا جدًا، كان مقدرًا له أن يُسمى واردين من فالور (حارس الشجاعة).
أما جيست… فكان مقدرًا له أن يصبح نصله الأكثر حدة.
ترجمة آمون