عبد الظل - الفصل 2144
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2144 : انظر في عيون الوحوش
أصبحت المعركة أشد ضراوة بعد أن اتخذ جيست شكله المتسامي واستعادت كاسي الراقصة الهادئة. سابقًا، كان القديسون الثلاثة يختبرون قوة بعضهم البعض فحسب – أما الآن، فقد أصبحوا جادين في قتل بعضهم البعض.
اهتزت الأدغال العتيقة تحت وطأة الاشتباك العنيف بين البشر المتسامين الثلاثة. دُمّرت مساحاتٌ منها بالكامل، حيث سُحقت عشرات الأشجار وتكسرت وتهاوت بفعل القوى المروعة التي أطلقها كل مقاتل.
بدا جيست وكأنهُ شيطانٌ زحف من أعماق الجحيم، متحركًا بقوة وحشية مقترنة بخبثٍ بارد ومحسوب لقاتل مخضرم. أما هيلي فقد أستُهلكت بالغضب المُسكر، مما جعل مهارتها القتالية المصقولة تتحول إلى كارثة مدمرة.
أما كاسي، فقد بقيت هادئة ومتزنة، تواجههما برشاقة ودقة محسوبة، كمبارزة موهوبة تدربت على يد نجمة التغيير نفسها. لكن، كان هناك الآن برودة قاسية ونية قاتلة متقدة في تحركاتها أيضًا.
لكن، رغم ذلك…
كانت تتراجع شيئًا فشيئًا. فلم يكن لدى جيست أي مشكلة في استخدام هيلي كدرع حي لصد ضربات كاسي اللاذعة، وبينما كانت كاسي تتوق لقتلها أكثر من أي شيءٍ آخر، اضطرت إلى كبح نفسها.
وبشق الأنفس، تمكنت من البقاء على قيد الحياة وسط الإعصار العنيف من الضربات القاتلة. ترك خبث جيست وغضب هيلي علامات دموية على جسدها، لكنهما لم يتمكنا من إسقاطها… على الأقل ليس بعد.
ومع ذلك، لم يبدو الوضع جيدة.
بل بدا يائسًا، في الواقع.
في النهاية، نجحت كاسي في إجبار هيلي على الترنح بعد أن ضربتها بمقبض خنجرها على رأسها. تأرجحت القديسة الجميلة وسقطت على ركبة واحدة، وأصبح شعرها الكتاني مبللٌ بالدماء. رفعت يدها وضغطت على صدغها، مرتبكةً، ثم حاولت الوقوف – فقط لتسقط مجددًا، كاشفةً عن نفسها لضربة قاتلة.
اضطرت كاسي لاستخدام كل إرادتها لكبح يدها من إنهاء أمرها.
بحلول ذلك الوقت، تحطم درعها وتمزق، وغطّت جسدها عشرات الجروح السطحية. كانت أنفاسها لاهثةً ومضطربة، وتدفق العرق على وجهها الشاحب. قامت بتنشيط سحر سوارها الواقي لصد ضربة مدمرة من مخالب جيست، لكنها ارتدت للخلف بفعل تأثير الصدمة، مع تأوهٍ خافت قد هرب من شفتيها.
“ألم ترتكبي خطأً، يا فتاة؟”
بدا صوت جست غير البشري مليئًا بالسخرية.
وبالفعل، لقد ارتكبت خطأً.
قد يكون إبعاد هيلي عن المعركة نعمة، لأنه ترك أمام كاسي عدوًا واحدًا فقط لتتعامل معه – وهو العدو الذي تحتاج حقًا لهزيمته.
ومع ذلك…
مع بقاء العجوز الخبيث مغمض العينين، كانت هيلي المصدر الوحيد للرؤية بالنسبة لها.
والآن بعد أن أصيبت القديسة الجميلة بالدوار والارتباك، وتشوشت رؤيتها باللون الأحمر للدم المتدفق، أصبحت كاسي عمياء تمامًا مجددًا.
“أنتِ تعرفين كيف تسير الأمور… خطأٌ واحد هو كل ما يتطلبه الأمر…”
كان صوت جيست الغير بشري عميقًا لدرجة أنه كان من الصعب تحديد مصدره. لا زالت كاسي قادرة على إدراك حواسه الأخرى الأربعة، مما سمح لها بالتخمين في أي اتجاه كان يتحرك – ولكن لم يكن ذلك كافيًا للنجاة.
بل وحتى بصيرتها المستقبلية لم تكن ضمانًا للخلاص، لأن الشرير ذو القرون كان قويًا وسريعًا بدرجة تجعله حتميًا.
تراجعت كاسي للخلف، بتعبيرٍ مذعور على وجهها البديع، بينما رفعت أسلحتها واستعدت للدفاع عن نفسها.
“متأخرة جدًا!”
شعرت بحركة الهواء عندما اندفع نحوها شيء ضخم ومميت… لكن من اتجاه مختلف عن المكان الذي صدر منه صوت الصرخة قبل بضعة لحظات.
تعثرت كاسي وسقطت، بالكاد متجنبةً إحدى يدي جيست.
لكنها لم تكن بأمان…
بل على العكس، لقد حُوصرت تمامًا.
في تلك اللحظة، عندما مد المخلوق المروع يده إلى الأمام ليمزقها إربًا، ألغت كاسي سحرها الفائق وسكبت جوهرها في الذكرى المتسامية المخصصة لتعزيز صداها، بدلاً من ذلك.
ولكنها لم تكن تعزز الراقصة الصامتة…
‘أمسكت بك.’
في اللحظة الأخيرة، بدا أن جيست لاحظ أن كاسي لم تكن مذعورة كما بدا، بل كان هناك ابتسامة خفية قد ظهرت على شفتيها الناعمتين. ولكن مع وجود عدوه جريحًا وعاجزًا أمامه، فقد سمح لنفسه بالانغماس في نشوة الصيد. فاندفع في الهجوم أكثر مما ينبغي… لذلك، فشل في الرد في الوقت المناسب.
لذا، لم يكن أمامه خيار سوى إكمال الهجوم حتى النهاية…
لكن لم تُتح له الفرصة أبدًا.
لأنه في تلك اللحظة بالذات، التفّ مجس مروع حول عنقه، ضاغطًا عليه بوحشية.
انكسر زخم جيست، ومزقت مخالبُه الهواء أمام عنق كاسي دون جدوى.
وقبل أن يتمكن من المقاومة، التفت المزيد من المجسات السوداء حول ذراعيه وساقيه، مقيدةً إياه كأنها سلاسل زلقة.
“مـ-ما… ما هذا بحق…”
لو كان جيست قادرًا على إدارة رأسه، لرأى أن المجسات المظلمة كانت تمتد من تحت فستان قرمزي رائع، يغطي هيئة رقيقة ذات مظهر بشري خادع. كان وجهها مخفيًا خلف حجاب، وكانت صورتها الظلية تشبه بشكل مخيف أغنية الساقطين.
كان ذلك صدى العذاب، الذي خبأته كاسي في التجاويف مسبقًا.
ولا تملك الأصداء مشاعرًا ولا أفكارًا… لا شيء ليستخدمه جيست للتلاعب بها وتحويلها إلى دمى تحت سيطرته.
تحركت حدقتا عينيه غير البشريتين.
ثم، معززة بقوة السحر، أجبرت الصدى المتسامي جيست على الركوع. وفي الوقت ذاته، نهضت كاسي على ركبتها، ماسحةً الدماء عن وجهها.
والآن، بعد أن كان راكعًا، وأصبحت هي واقفة، أصبحت عيناهما على نفس المستوى.
نظرت كاسي إلى جيست، وابتسمت ببرود.
“هل قلت… أنك كنت ستنتزع رأسي عن كتفي؟”
وسط الخنق القاسي للمجسات، حاول جيست الابتسام.
“ذاك… هيا الآن، يا فتاة! كانت مجرد مزحة بريئة… مجرد تعبير مجازي، في أفضل الأحوال…”
لكنها لم تجد الأمر مضحكًا على الإطلاق. اختفت الابتسامة الباردة من وجهها، واستبدلت بشيء أكثر قتامة… وأكثر قسوة.
أخذت كاسي نفسًا عميقًا.
“…انظر في عينيّ وقلها مجددًا، إذن.”
وفي تلك اللحظة، تغيرت عيناها.
نظر إليها جيست، وتراجع مرتجفًا، كما لو أنه شهد شيئًا أرعبه حتى أعمق زوايا روحه الملطخة بالدماء.
لكن كان الأوان قد فات بالفعل.
ولم يكن هناك مفر.
ترجمة آمون