عبد الظل - الفصل 2143
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2143 : الأفكار والمشاعر
تحركت كاسي.
ومضت الراقصة الهادئة متجاوزة هيلي، متجهةً نحو قلب الرجل العجوز بالطرف النحيل لنصلها. ولكن بعد لحظة خاطفة، عندما اخترق السيف الرشيق ذو الحدين القماش الأحمر لقميصه الأنيق… توقف النصل فجأةً، واهتز مقبضه في الهواء الرطب.
بالكاد جرح طرف نصلها الحاد بشرة جيست، مسقطًا بضع قطراتٍ من الدم، ولكنه فشل في التوغل عميقًا. فقد بدت عضلاته أشبه بالفولاذ، مقاومةً حدة النصل المستيقظ بصلابتها متسامية.
ولم يكن هناك أثرٌ للرجل العجوز النبيل أيضًا.
بدلًا من ذلك، وقف في مكان رجسٌ شاهق، يُحدق في كاسي بخبثٍ مثيرٍ للقشعريرة. بدا المخلوق أشبه بالبشر بشكلٍ غامض، بجذع عضلي شبيه بالبشر وأرجلٍ فروية تشبه الماعز. كان وجهه مزيجًا مزعجًا بين الملامح البشرية والوحشية، مع قرنين منحنيين يبرزان من رأسه المشوه.
لكن الجزء الأكثر رعبًا لهو أن كاسي استطاعت التعرف على ملامح جيست في وجهه الوحشي، ورؤية صورتها المشوهة معكوسةً في بؤبؤيه المستطيلين الشريرين.
لم تكن تعرف ما إذا كان شكل جيست المتسامي يُفترض أن يمثل طاغوتًا أم ساتيرًا… وفي كلتا الحالتين، بدا أشبه بالشرير.
بينما انحرفت شفاه الشرير مشكلةً أبتسامةً خبيثة، وغُرست حوافره المشقوقة في الطحالب القرمزية…
قبضت كاسي على مقبض الراقصة الهادئة، وعززت النصل الرشيق بقوة سحره الفائق، ثم دفعت السيف النحيل ذو الحدين ليتوغل عميقًا بكل قوته المتسامية.
“هوه…”
تسربت ضحكة منخفضة وغير بشرية من شفتي جيست. وقد أصبح الآن ضعف حجم كاسي تقريبًا، فأبعد السيف النحيل ذو الحدين بسهولة بيده ذات المخالب، ومد الأخرى للأمام، محاولًا الإمساك برأسها وسحقه في قبضته.
حتى مع معرفتها بما سيحدث، بالكاد وجدت كاسي الوقت لتقفز مبتعدة.
ثم نظر جيست إلى الأسفل، حيث كان خطٌ رفيع من الدم يتسرب من جرحٍ صغير على صدره، وابتسم.
كان صوته العميق والقاتم بشكلٍ غير طبيعي كافيًا ليسبب قشعريرةً تسري عبر جسد كاسي.
“هذا دغدغ قليلاً. ومع ذلك… ينبغي أن تكوني فخورةً بنفسكِ، أيتها الفتاة الصغيرة. فقد جعلتني أنزف. وقليلون هم من تمكنوا من ذلك.”
انحنى جسده قليلًا، مستعدًا للاندفاع إلى الأمام.
“كيف تمكنتِ من مهاجمتي أصلًا؟”
لم تضيع كاسي وقتًا في الرد – ولكن في الواقع، كان الأمر بسيطًا.
سمح جانب جيست الخبيث له بالتلاعب بمشاعر ضحاياه، متحكمًا فيهم كما لو كانوا دمى مطيعة، ولكن كانت قوته بحد ذاتها أيضًا نقطةُ ضعفه.
لأنه رغمَ كون البشر أسرىً لمشاعرهم، فهم يمتلكون أيضًا القدرة على التفكير العقلاني. ولم يكن معظم أعداء الرجل العجوز يعرفون ما طبيعة قدراته، وبالتالي لم يدركوا كيف يتم التلاعب بهم.
لكن كانت كاسي مختلفة.
فالمعرفة عبءٌ ثقيل، لكنها أيضًا مصدرٌ للقوة – وبهذا المعنى، كانت كاسي أقوى من معظمهم. فقد عرفت بالضبط ما كان جيست قادرًا عليه، ولذلك، عرفت كونها لا يجب أن تثق بمشاعرها حين تواجهه.
بالطبع، هناك فرق شاسع بين معرفة عدم الوثوق بالمشاعر والقدرة الفعلية على تجاهلها حقًا. ففي النهاية، لم يتلاشى الخوف المُنهك الذي زرعه فيها لمجرد أنها أدركت أنه مُصطنع.
حاليًا، شعرت كاسي بشعورين قويان.
كراهية حارقة وخوفٌ من هيلي، لدرجة أنها أرادت قتلها بشدة تكاد تخرج عن سيطرتها. وقدرٌ من الثقة العميقة والتقدير تجاه جيست، لدرجة رغبتها ببقائه حيًا من كل قلبها.
لكنها عرفت أيضًا أن هذه المشاعر معكوسةٌ عن حقيقتها.
فالمشاعر الطاغية في قلبها أصبحت تتصادم مع أفكارها العقلانية التي يولدها عقلها، مما جعلها ممزقةً ومحتارةً. وحتى رغم إدراكها الحقيقة، لم تستطع قمع رغبتها بقتل هيلي – فقد أرادت ذلك أكثر من أي شيءٍ آخر، لدرجة أن مجرد فكرة الفشل في قتلها كانت تجعلها ترتجف غضبًا. لذلك…
تجاهلت كاسي مشاعرها.
لم يكن ذلك صعبًا حقًا – على الأقل بالنسبة لها. في الواقع، تعلمت كاسي منذ زمن طويل كيف تبني جدارًا بينها وبين ما تشعر به. وإلا، لكان من السهل جدًا أن تفقد نفسها وسط الحيوات اللامتناهية التي تعيشها عبر علاماتها، والذكريات الأجنبية التي لا تُعد ولا تُحصى التي رأتها، وجميع الإصدارات العابرة للمستقبل التي شعرت بها.
فقد رأت الكثير، وعاشت الكثير.
في كل مرة تخطو فيها إلى ساحة المعركة، كان عليها أن تموت ألف مرة لتحيا مرةً واحدة. وفي كل مرة رأت العالم ببهائه النابض عبر عيون الآخرين، أُغريت بالتخلي عن ظلمة وجودها الباهت إلى الأبد.
…إن كان هناك شيءٌ، فقد كان من الصعب ألا تسمح لنفسها بأن تصبح بلا مشاعر وخدرة تمامًا.
بدا جيست متفاجئًا من تمكن كاسي من التخلص من تأثيره الإكراهي، ولكن في الواقع، لم تفعل.
بل صلّبت قلبها ببساطة، وأجبرت نفسها على اتباع المنطق البارد بدلًا من المشاعر العابرة وغير الموثوقة.
وهكذا، عقدت كاسي العزم على قتل من أرادت حمايته، وإنقاذ من أرادت قتله.
لهذا السبب، تمكنت من مهاجمة جيست بدلًا من هيلي.
لكن للأسف… لم يكن ذلك يعني أنها ستفوز في المعركة فورًا.
بل على العكس، في الواقع.
“آه!”
اندفعت كاسي إلى الخلف، صادّة هجوم هيلي بخنجرها، لكنها كانت بطيئة بجزء من الثانية عن تفادي مخالب جيست. مزّقت المخالب درعها، تاركةً جروحًا عميقة في جانبها، واندفعت الدماء الحارة على طول فخذها.
عرفت متى ومن أين سيأتي الهجوم. لكنها كانت لا تزال بطيئةً للغاية لتجنبه لأن الرجس الشبيه بالماعز كان ببساطة سريعًا ووحشيًا للغاية، ويتحرك بسرعة كبيرة لدرجة أنه لم يكن هناك مستقبلٌ ممكن يمكنها فيه تفادي كلا الضربتين.
رفع جيست مخالبه المغطاة بالدماء إلى وجهه الوحشي، وابتسم.
“حسنًا… وماذا إن كنتِ تستطيعين مهاجمتي؟ فلا يزال هناك اثنان منا، وأنتِ لوحدكِ. وكم تبقى لديكِ من الجوهر يا فتاة؟ لماذا لا تتخلين عن هذه المهزلة المتعبة وتقبلين قدركِ؟”
عندما سمعت كاسي هذه الكلمات، تجمد تعبيرها فجأة، وغلف حضورٌ غريب الأدغال، مما جعل الرجل العجوز يقطب حاجبيه للحظة.
تحركت شفتيها، وخرج تساؤل هادئ منهما:
“قبول… القدر؟”
فجأة، اشتعلت عينا كاسي العمياء بنورٍ خطير.
أخفضت كاسي رأسها قليلًا، وصرت على أسنانها، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة شريرة.
“لماذا تصرُ على تحريك فمك باستمرار، أيها العجوز؟ فقط مت بصمت!”
ثم زمجرت، واندفعت إلى الأمام.
ترجمة آمون