عبد الظل - الفصل 2137
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2137 : فتاة عمياء تدخل إلى حانة
سارت كاسي عبر الامتداد الشاسع والرجس للأدغال الوحشية، بينما أبقت يدها على مقبض الراقصة الهادئة. هاجمت ألف رائحة أنفها الحساس، وهاجم ألف صوت أذنيها الرنانة.
التصق الهواء الرطب ببشرتها، مما جعلها تشعر بالاتساخ.
كانت تكره الأدغال كثيرًا.
بالنسبة لشخص مثلها، يفتقر إلى البصر لكنه يعوض ذلك – إلى حد ما – بحواس معززة، شكلت أعماق قبر السَّامِيّ الشاسعة والمكتظة والمتلوية عبئًا. فلم يكن هناك أي خطوط مستقيمة هنا، ولا أنماط متوقعة، ولا مساحات منظمة… لا أمان. فقط فوضى ووفرة مروعة، تهدد بإغراقها.
لم تكن قدرتها المستيقظة كلية القدرة أيضًا. فبإمكانها التنقل في العالم بمستوى معين من الثقة في الأماكن الغريبة والمألوفة على حد سواء، أو حتى في ساحة المعركة – على الأقل لفترة. لكن هنا، كان كل خطوة اختبارًا. كانت هناك جذور متضخمة، وكروم سميكة، وعظام قديمة بارزة من الأرض. وكانت هناك شبكات عناكب مقززة، وأغصان متدلية، وأوراق متمايلة…
وتلك لم تكن سوى العقبات العادية. كانت هناك أسراب من الآفات ذات اللدغات القاتلة، وحفر من الحمض الهاضم مختبئة تحت طبقات رقيقة من الطحالب القرمزية، وأشجار متعفنة تمتد نحو فرائسها بمحالق قرمزية وتسحب الكائنات الحية إلى أفواهها المروعة، وعدد لا يحصى من الأهوال الأخرى.
بالمجمل، هذا هو أسوأ مكان يمكن أن يجد فيه شخص أعمى نفسه… وبالنسبة لها تحديدًا، لم يكن يختلف عن الجحيم.
لكن كاسي وجدت نفسها تجتاز أعماق الأدغال الرجسة، بعدما أُرسلت إلى هنا بأمر من ملك السيوف. بقيت صامتة ولم تشتكِ.
على الأقل، لم تكن وحدها.
هناك قديسان آخران يرافقانها في هذه المهمة، وكلاهما كان أكثر ملاءمة لها – كانت كاسي قادرة على التنقل في الأدغال من خلال استعارة حواسهما.
إحداهما كانت القديسة هيلي، التي تقدمت بضع خطوات أمامها في هيئتها البشرية، أثناء تنظيف الشجيرات الصغيرة بنصل سيفها الحاد – وهو أمر لم تستطع كاسي، مُزيدًا من إحراجها، القيام به.
لم يكن الأمر أنها لم تكن قادرة على توجيه سلاحها لقطع الكروم المتدلية والأغصان الشائكة، بل كان فقط أن الراقصة الصامتة فشلت في ذلك غالبًا – ليس لأن سيفها الدقيق لم يكن حادًا بما فيه الكفاية، بل ببساطة لأن الأدغال المحيطة بهن كانت عتيقة جدًا وقوية للغاية، مما جعلها تقاوم نصل الصدى المستيقظ… حتى رغم كونه معززًا بذكرى قوية.
تنهدت كاسي بصمت. حتى وزن درعها بدا غير مألوف — فقد أمضت معظم السنوات القليلة الماضية بعيدة عن القتال، ترتدي فساتين أنيقة وسترات مسحورة في قاعات فخمة بدلاً من ارتداء دروع الزرد والصدريات الفولاذية في ساحة المعركة. وهكذا، فقد أهملت ترسانة روحها، ولم تكلف نفسها عناء جمع مجموعة من الذكريات القتالية التي تليق بقديسة.
لكن لا بد من ارتداء السراويل عند دخول الأدغال. لذا، بدأت تدفع ثمن إهمالها الآن، أثناء شعورها بثقل الدرع.
أما ثالث أفراد مجموعتهم، فلم يكن سوى القديس العجوز الودود، جيست من داغونيت، الذي سار خلفها وهو يستخدم عصاه ليبعد الأغصان عن طريقه.
تم إرسال الثلاثة لاستكشاف أبعد وأخطر جزء من التجاويف – أعماق الضلع الأول. كان الملك قد مر من هنا بالفعل مرة واحدة، وأخضع أكثر مخلوقات الكابوس خطرًا ككارثة طبيعية، لكن لا يزال هناك بعض العمل يجب إنجازه قبل أن تصل القوات، التي ستُنشئ طريقًا آمنًا إلى السطح، ثم إلى خط النهاية هذا.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن هذا المكان تابعًا لنطاق السيف ولا نطاق الأغنية. بل أرضًا لا يملكها أحد بمعنى الكلمة، مما جعله الأكثر خطورة – وإذا حدث شيء للقديسين الثلاثة هنا، فلن يكون الملك قادرًا على مساعدتهم. ربما لن يشعر حتى بأن خطرًا مميتًا قد حل بأبطاله.
بالطبع، لدى كاسي وسائل أخرى لطلب المساعدة إذا حدث شيء ما. لكن كانت نيفيس بعيدة جدًا، تقود حصار المعبر الأعظم… وكان لورد الظلال بعيدًا أيضًا، عائدًا إلى البحيرة المتلاشية. سيستغرق وصوله بعض الوقت إذا استدعتْه، لكن مجرد معرفة أن هناك من يمكنها استدعاءه جعلها تشعر بتحسن.
أبعد القديس جيست كرمة قرمزية بعصاه، ثم تنهد خلفها.
ثم، وكأنه يشعر بالملل، سأل بنبرة خبيثة:
“مرحبًا، يا عشيقـ… السيدة كاسيا.”
أدارت كاسي رأسها قليلًا، مثل شخص يمكنه الرؤية. كانت هذه الإيماءات بلا معنى بالنسبة لها، لكنها جعلت الآخرين يشعرون براحة أكبر من حولها.
“نعم، أيها القديس جيست؟”
ابتسم العجوز. كانت تعلم ذلك لأنها كانت تشارك حواسه، فشعرت بشفتيه تتمددان.
“…ماذا قالت فتاة عمياء بعد دخولها إلى حانة؟”
رمشت كاسي مرتين… ولم يلحظ أحد ذلك بسبب عصابتها.
‘لا… لا يمكن أن يكون جادًا، أليس كذلك؟’
نظفت حلقها.
“أخشى أنني لا أعرف.”
اتسعت ابتسامة العجوز أكثر، وكتم ضحكة.
“…آوتش.”
‘لقد قالها!’
بقيت كاسي صامتة، غير متأكدة من كيفية الرد.
أما جيست العجوز، فأطلق ضحكة مكبوتة.
“آوتش… هل فهمتماها؟”
أجبرت كاسي نفسها على الابتسام.
“أوه…”
في المقدمة، أطلقت القديسة هيلي تنهيدة ثقيلة، ثم نظرت إلى الأسفل، لتغطي وجهها بكفها.
حدق جيست فيهما لبضعة لحظات، ثم هز رأسه في ذهول.
“آه. أنتما فتاتان بلا روح دعابة!”
تساءلت كاسي للحظة عما إذا كان مزاحه وقحًا… لكن حتى لو كان كذلك، فقد استمتعت به سرًا.
استدارت لمواصلة السير، مركزة على منظور العجوز.
كان القديس جيست بالفعل عجوزًا – أقدم من معظم المستيقظين، كونه عضوًا في الجيل الأول. ومع ذلك، فهو في صحة وقوة تعادل رجلًا في ريعان شبابه. كان جسده يفيض بقوة شرسة، صُقلت إلى أداة قتل لا تشوبها شائبة عبر عقود من التدريب المستمر. وبدا أكثر رهبة من أي قديس قابلته تقريبًا، على الأقل من حيث البنية الجسدية.
أما عصاه، فلم تكن سوى للزينة. لم يكن يعرج، وجميع عظامه في حالة ممتازة.
… وهو ما كان أمرًا مؤسفًا بعض الشيء.
لأن كاسي كانت شبه متأكدة أن القديس جيست يخطط لقتلها اليوم.
ترجمة آمون