عبد الظل - الفصل 2099
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2099 : عالم الموت
أراد صني أن يكون في أمان ويقيّم الوضع ببطء، ولكن في الوقت نفسه ذكرته ذرات النور المتوهجة التي تنجرف نحو الظلام من حين لآخر بأن روحه تتداعى تدريجياً. لذا، تمتم بلعنة خافتة وهبط من الكومة العالية من غبار السج لاستكشاف المنطقة.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أحد حوله. لم يحاول أحدٌ أختراق قلبه بسهمٍ أيضًا… وبدلاً من ذلك، أُحيط صني بالصمت فقط.
بعد التحقيق في المساحة المدمرة من الأرض المظلمة، أصبح أكثر اقتناعًا بأن معركةً قد وقعت هنا. وكانت القوى المتورطة مرعبة حقًا، حيث أعادت تشكيل التضاريس بالكامل، لكن لم تكن هناك جثثٌ ملقاة على الأرض، ولا أثر للدماء، ولا أي علامات تدل على ما حدث بالضبط.
باستثناء علامة واحدة.
ركع صني على الغبار الأسود والتقط شيئًا من الأرض.
ريشة غراب… تمامًا مثل ريش السهام الداكنة التي أحضرها معه من عالم الظل في المرة الأخيرة.
وبعد بحثه في الغبار لبضعة دقائق أخرى، اكتشف قطعًا أخرى من السهم – عمودٌ مكسور، ورأس سهمٍ سجي محطم، وكأنه فشل في اختراق الهدف.
درس بقايا السهم بتعبيرٍ قاتم. وانجرفت ذرة نورٍ آخر نحو السماء السوداء، وانعكس بريقها الفضي على السج المتعرج للحظة قصيرة.
‘هاه.’
بدا أن الرامي الغامض قد التقى بشيء أكثر ترويعًا. لم يكن صني متأكدًا مما إذا كان من المفترض أن يكون سعيدًا أم مضطربًا من حقيقة… أنه لم يتعرض لكمين فور ظهوره، فهذه بالتأكيد لمفاجأةٌ لطيفة، لكن معرفة وجود مخلوقات أكثر فتكًا في مكان قريب جعلته حذرًا.
من ناحية أخرى…
هذا يعني أن لديه المزيد من الأعداء ليقضي عليهم، وهم قريبون.
‘لا وقت لإضاعته.’
نهض صني وراقب الأرض.
ربما لم تخبره الآثار كيف حدثت المعركة بالضبط، ولكنها أخبرته شيئًا واحدًا – الاتجاه الذي غادر فيه الخصوم المجهولون.
لذا، تبع صني الاتجاه نفسه، راكضًا بصمت عبر الظلام.
ملأت القوة المكتسبة حديثًا جسده، وكانت سرعته أكبر حتى مما كان عادة قادرًا عليه – وهو الأمر الذي كان مذهلاً بالفعل بالنظر إلى رتبته وفئته.
عابرًا مسافات شاسعة في كل دقيقة، تحرك صني بسرعة عبر التضاريس القاحلة لعالم الظل. لم يتغير المشهد حوله كثيرًا، إن لم يكن لم يتغير مطلقًا. فقد أحاطت نفس التلال الداكنة به من كل الجهات، ولم يكن هناك أي علامة على حياة أو حركة. عُلقت السماء السوداء فوقه، منارةً بالعواصف البعيدة.
استمرت مشاهد الخراب التي شهدها بالقرب من مدخل بوابة الظل على طول طريقه. كان الدمار أكثر خفيةً في بعض الأماكن وأكثر كثافة في أماكن أخرى. ودُمرت العديد من تلال غبار السج، وانشقّت الأرض نفسها، لتتدفق الظلال إلى الشقوق وتسكنها براحة.
وكلما راقب صني العلامات التي تركها المقاتلون المجهولون، ازداد اضطرابه. فقد كانت القوة التي أظهروها مرعبةً حقًا، مما جعله يشعر بتوجس متزايد بشأن مواجهتهم في المعركة.
في مرحلة ما، تجمد صني فجأة، حيث شعر بحركة الظلال أمامه. تردد قليلاً، ثم استخدم بعض الظلام المحيط لإعادة تشكيل ترسه المتداعي وتقدم بخلسة للأمام.
وبعد قطع بضعة كيلومترات، اقترب من مصدر الحركة وتوقف فجأة.
وتغير تعبيره بشكلٍ خفي.
فهناك أمام عينيه، متناثرةً عبر الأرض القاحلة، تحركت هناك أشكال سوداء لا حصر لها ببطء. بدت أشكالها غامضة وغير واضحة، ولكنها بشرية بلا شك.
كانت ظلالاً.
وسارت تلك الظلال في اتجاه واحد – الاتجاه نفسه الذي يسير فيه – بخطوات بطيئة وغير ثابتة.
انتمت الظلال إلى مخلوقات حية… أو كانت تنتمي إليها على الأقل. ومع ذلك، لم يكن هناك أي بريق للحياة فيها، ولا أي إشارة للذكاء، ولا… نية. بدت وكأنها مسالمة بشكل غريب، لكنها أيضًا فارغة، مثل أصداء ضائعة وخافتة لما كانت عليه من قبل.
إن كان هناك شيء، فإن ما تشبهه هذه الظلال أكثر هو الظلال الصامتة التي تسكن بحر روح صني.
ومع ذلك، فهذه الظلال تشع بريقًا ناعمًا. وأثناء سيرها، تتبعها مسارات من ذرات النور، مرتفعةً نحو السماء. وهو الأمر الذي بدا كما لو أن الأشكال السوداء مكللةٌ بلهبٍ فضي، ومتلاشيةً ببطء في وهجه.
وبينما كان صني يراقب، تحللت عدة ظلال تمامًا، وتحولت إلى جوهر نقي. ثم تبعثرت شرارات الجوهر بعد ذلك بفعل الرياح، تاركةً خلفها فراغًا فقط…
وبعد لحظة، تبعتها ظلالٌ أخرى.
تحللت بعض الظلال بسرعة، بينما استغرقت أخرى وقتًا أطول قليلاً. لكن في كلتا الحالتين، بدا أن وجودها هنا كان وجيزًا، ولم يكن مقدرًا لها الوصول إلى الوجهة التي تسعى إليها.
راقب صني الظلال الهائمة لبضعة لحظات أخرى، ثم أطلق تنهيدةً خافتة وأشاح بنظره بعيدًا.
لم يكن من الصعب التعرف على ماهيتها.
فتلك ظلال الجنود المستيقظين الذين لقوا حتفهم في المعركة الأخيرة، وها هو عالم الظل يحولهم إلى تياراتٍ من الجوهر النقي.
‘إنه عالم الموتى’.
وتمامًا كما نزل أوديسيوس ذات يوم إلى العالم السفلي والتقى بظلال الموتى، نزل صني الآن إلى عالم الموت.
لكن الفرق هذه الظلال لم تكن مهتمة بدماء الأحياء، ولم تستعد ذكرياتها بشربه. بدت وكأنها تعيش في سلامٍ تام مع فناءها البطيء، غير مكترثةً به على الإطلاق.
أغلق صني عينيه للحظة، ثم فتحهما مرة أخرى واستأنف رحلته. مرّ بين الظلال الهائمة، شاعراً بشكل غريب بأنه واحدٌ منها، وسرعان ما تركها خلفه.
وفي النهاية، لاحظ شذوذًا غريبًا فوق الأفق.
هناك، بعيدًا أمامه، بدا أن نورًا شاحبًا ينير السماء.
قفز صني في الهواء، محلقًا لعشرات الأمتار قبل أن يهبط على قمة تل. بقي هناك بلا حراك لفترة، مراقبًا النور البعيد، ثم عبس وانطلق نحوه بسرعة.
وبينما اندفع بخفة عبر بحر غبار السج، بدا أن السطوع الشاحب يتحرك أيضًا. ولحسن الحظ، كانت سرعة صني أكبر، لذا اقترب منه تدريجيًا.
وسرعان ما تمكن من تمييز مصدر النور الجميل – وهو عمودٌ كبيرٌ من جوهر الروح المتلألئ يرتفع إلى السماء السوداء. ومع ذلك، فتيارات الجوهر أصغر بكثير من سُحُب العواصف التي تتحرك في الأفق، وكما أنها لم تحمل أيًا من غضبها القارس.
وبزيادة سرعته، مندفعًا كالصاعقة حتى اعتلى صني قمة تلٍ آخر شاهق أخر.
رأى أخيرًا مصدر عمود الجوهر…
وتراجع مصدومًا.
‘…سأكون ملعونًا’.
هناك، في الأفق، سار ظلٌ هائل عبر الامتداد الشاسع والقاحل، شاهقًا فوقه بارتفاع عدة كيلومترات.
ظلُ الإدانة.
ترجمة آمون