عبد الظل - الفصل 2059
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2059 : الخطوة الأخيرة
بحلول الوقت الذي أوشك فيه صني على إنهاء النسيج، انهار اثنان من تجسيداته الأربعة وتحولا إلى ظلال. زحفت الظلال بتعب عبر العشب الزمردي قبل أن تلتف حول التجسيد الثالث.
لم يكن ذلك التجسيد الثالث، الذي كان مسؤولًا عن نسج النسيج الشاسع والمعقد من الأوتار المشعة، يبدو في حال جيدة في حد ذاته. فقد تمزقت أيديه الظلية الأربعة وأعيد تشكيلها مرات عديدة لدرجة أن شكلها أصبح غامضًا وغير مادي، لم يصل لدرجة كونه غير ملموس تمامًا، ولكنه بعيد أيضًا عن كونه صلبًا.
وعلى الرغم من أن الحروق المروعة والجروح العميقة التي عانى منها قد شُفيت بالفعل بواسطة ألسنة اللهب البيضاء المطهرة، إلا أن عبء تلك الإصابات قد بقي، مما جعله يبدو منهكًا وضعيفًا. وبدت عيناه مثل بركتين من الظلام العميق، تخفيان الحالة الهشة لعقله المنهك.
أخذ صني نفسًا عميقًا، ثم سمح للأيدي الظلية الأربعة بالذوبان في العدم. في الوقت نفسه، اهتز التجسيد الواقف أمام نيفيس وانهار بدوره إلى ظل. تلاشى الدفء الذي كان يغمر كيانه بأكمله، مما جعله يشعر بالبرد والوحدة.
نظرت إليه نيفيس بتساؤل صامت.
فابتسم صني ابتسامة ضعيفة.
“أتمنى… لو كان بإمكانكِ رؤيته.”
أعلاهم، وأدناهم، وكل ما حولهم… كان العالم مشبعًا بنسيج عظيم من الأوتار المشعة. امتدت في جميع الاتجاهات، شبه غير مرئية وسط التألق المبهر للشموس السبع، وانعكست في المحيط المتلألئ لبحر الروح، مثل خريطة كوكبية لسماءٍ شاسعة وبعيدة.
كان جميلًا للغاية.
كان أيضًا نسيجًا على نطاق أعظم بكثير من أي شيء سبق أن أنشأه من قبل، وتحفته الفنية – إن كان بإمكانه أن يكون جريئًا بما يكفي لمدح نفسه بلا خجل.
لم يكن هناك أحد آخر في هذا العصر يمكنه إدراك نسيج التعويذة، على أي حال، لذا لم يكن هناك أحد ليشيد به إلا نفسه.
تنهد صني.
“إنه شبه مكتمل… آمل أنكِ نمتِ جيدًا.”
في العالم الحقيقي، ركع جسده الأصلي على الأرض، وتنفس بصعوبة. ضغط جبينه على الأرض، آملًا في العثور على مهرب من جحيم الورشة الملتهبة… ولكن لم يكن هناك برودة ليجدها، وبالتالي لا راحة.
لقد انتهت عملية الصنع.
كان هناك سيف طويل فضي جميل مستلقٍ على السندان أمامه. كان نصله الأنيق طويلًا ورفيعًا وحادًا بلا عيوب. كان واقيه مستقيمًا وخاليًا من الزخارف عديمة الفائدة. ومقبضه منحوت من قطعة من العاج، بينما بدت نهايته مصبوبة من نفس الخليط الفضي.
حتى وهو مستلقٍ هناك بلا حركة، انبعث من السيف منه شعورٌ ساحق بالبرودة والفتك الحتمي، وكأن مجرد لمسه يمكن أن تسحب الدماء وتسلب المرء حياته.
كان قاتلًا وجميلًا… تمامًا كالمرأة التي صُنع من أجلها.
كان صنعه اختبارًا شاقًا.
فقد أصبح صني مستنزفًا تمامًا ومنهكًا، جسديًا وذهنيًا. وبالكاد يتذكر آخر مرة كان فيها متعبًا إلى هذا الحد – وبمثل هذا الألم أيضًا.
جعلته ذكرى حروق يديه بألسنة اللهب البيضاء يرتجف. لقد عانى من العذاب المروّع لساعات طويلة، وبدا كل منها وكأنه أبدية. كانت كل لحظة، كل حركة، كل نفس يشعرونه وكأنه في الجحيم.
…ولكن كان ذلك الألم المروع مفيدًا له أيضًا.
لأن شعور صدى بعيد من الألم الذي تعانيه نيفيس في كل مرة تستخدم فيها جانبها قد عزز عزيمته على صنع سيف يستحق تصميمها، ويغرس جوهر السيف فيه.
لقد صنع النصل، وصقله وشحذه، وألحق الواقي والمقبض والمثبت…
كما نسج نسيج تعويذة معقدًا في السيف الفضي.
ولكن لم ينته عمله بعد.
ما زال الجزء الأكثر تعقيدًا قائمًا.
استنشق صني بعمق، وصر أسنانه ثم نهض ببطء على قدميه. ممسكًا بمقبض السيف الجميل، رفعه عن السندان وبقي بلا حراك لبضعة لحظات، يجمع قوته.
ثم، تجاوز الشقوق العميقة التي تغطي أرضية الورشة وصعد ببطء درجات السلم إلى الطابق الأول من المتجر المبهر. بمجرد خروجه، نظر إلى السماء المتوهجة لقبر السَّامِيّ وطرد المُقلد الرائع.
اختفى الكوخ المبني من الطوب خلفه.
كان العبء المترتب على احتواء الورشة أثناء صنع السيف أكبر من قدرة ظله. فقد بذل المُقلد كل ما في وسعه لتحمل العاصفة المريعة للقوى التي أطلقتها مطرقة صني، ولكن مع ذلك في النهاية، تحمل المُقلد أضرارًا كبيرة – والآن، كان عليه أن يقضي بعض الوقت في الظلام المغذي لروحه لاستعادة نفسه.
أثناء سيره عبر العشب الزمردي، مر صني من خلال فكّي التنين الميت ودخل البرج العاجي. بمجرد دخوله، صعد السلالم إلى أعلى مستوى من الباغودا العظيمة واقترب من السرير حيث كانت نيفيس نائمة بسلام، محاطةً بدائرة رونية متوهجة برفق.
وقف صني هناك لبضعة لحظات، يراقب ملامح وجهها الجميلة بدقة. بدت نيفيس أكثر نعومة من المعتاد أثناء النوم، خاليةً من الصرامة الباردة المعتادة… وأكثر شبابًا أيضًا. بدا عليها الضعف بشكل غريب.
أخيرًا، رفع صني السيف الفضي بصمت فوق رأسه.
في تلك اللحظة، نهض ظله من الأرض، وتحول إلى نسخة مطابقة تمامًا له.
بينما كان جسده الأصلي يمسك بالسيف فوق نيفيس، استدعى ظلّه إبرة ويفر وأمسك خيطًا أسود منسوجًا من جوهر الظل.
كان الوعاء المادي للسيف المرتبط بالروح مكتملًا، وكذلك نسجه.
والآن، كل ما كان على صني فعله هو توحيد الاثنين.
حبس صني أنفاسه، ومدّ يده للأمام نحو إبرة ويفر…
وغرسها في ظل السيف، ممررًا خيطًا من الجوهر المظلم من خلاله.
ثم حرّك يده وطعن الإبرة في ظل نيف أيضًا، رابطًا بينهما.
إبرة ويفر – التي غُمرت بدم شيطان القدر – اخترقت بسهولة ما يفترض أنه غير مادي، وخيطت ظل السيف بظل حامله.
ومع ذلك، دوى هذا الفعل البسيط في روح صني مثل الكارثة، مما جعله يترنح.
قطعت يده مسافة قصيرة فقط، ولكن في تلك المسافة القصيرة، ثنى العالم لإرادته.
كان ثني قوانين الوجود لإرادة المرء من اختصاص السَاميين، ولم يكن صني ساميًا. لذلك، كان هناك رد فعل عنيف.
ومع ذلك…
كان صني رعبًا متساميًا، وكانت شعلة السمو تشتعل في روحه.
والأهم من ذلك، أن إرادته وروحه كانتا طاغيتين بما يكفي للمطالبة بالسلطة السامية.
وهكذا، على الرغم من أن خياطة ظلين معًا لم يكن من المفترض أن تكون ممكنة، فقد جعلها صني ممكنة.
لأنها كانت إرادته، ولأنه كان لورد الظلال.
لوت ابتسامة متألمة شفتيه. وبينما يأخذ نفسًا مبحوحًا، شعر صني بجوهر الروح يتدفق إلى روحه عبر لفائف ثعبان الروح، وقام بالغرزة الثانية.
ثم غرزة أخرى، وأخرى، وأخرى…
وألف غرزة أخرى.
ببطء، كان ظل السيف يُسحب ليقترب أكثر وأكثر من ظل نيف.
داخل الحلم، ارتعشت نيفيس ونظرت إلى الأعلى، وكأنها تشعر بتغيير مفاجئ في السلام الهادئ لبحر روحها.
استنشق صني بعمق، مكافحًا لمنع النسيج الضخم من الانهيار تحت الضغط.
“ماذا يحدث؟”
كافح للتحدث، مغلوبًا من الحاجة إلى محاربة قوانين الوجود لفرض إرادته عليها.
“إنها… الخطوة الأخيرة.”
حاول صني التنفس.
“نيفيس…”
نظرت إليه، والقلق واضح على وجهها.
حاول صني الابتسام.
“استيقظي، نيفيس. يجب أن ينتهي… هذا الحلم…”
عبست، وكأنها تتذكر فجأة أنهم داخل حلم.
وفي اللحظة التالية، تغيّرت تعابير وجهها قليلاً، وبدأ العالم من حولهم بالانهيار.
ولكن لم يعد الأمر يهم.
لأن صني كان قد حقق كل ما أراد تحقيقه هنا.
تم ربط الجزأين من النسيج الشاسع الذي نسجه معًا.
وكانا يتحولان إلى كيان واحد.
فبعد كل شيء، يرتبط الظل ارتباطًا وثيقًا بروح المرء، وكذلك أحلامه.
لذلك، من خلال نسج سحر على حلم روح نيف، ومن خلال خياطة ظل السيف بظلها، تمكن صني من ربط الاثنين معًا.
اتحد نسيج الوعاء المادي للسيف مع نسيج نظيره الحلمي بسلاسة. وكان التناسق مثاليًا… وبالطبع سيكون كذلك. فقد صمم صني الاثنين ليكونا كيانًا واحدًا، ونفذ تصميمه بإتقانٍ خاليٍ من العيوب.
وبينما ارتبط النسيجين، توهج النسيج الشاسع بنورٍ مبهر… وأصبح مرئيًا للعين المجردة للحظة قصيرة.
وكان ذلك آخر ما رأته نيفيس قبل أن تستيقظ.
وعندما فتحت عينيها في غرفتها في قمة برج العاج، نظرت حولها بتعب، ثم جلست.
فقدت الدائرة الرونية حول سريرها توهجها الأثيري تدريجيًا.
وكان صني جالسًا أمام السرير ورأسه مستريحٌ عليه، شاحبًا كالشبح.
وبدا أن هناك شيءً آخر…
شعرت نيفيس بثقل بارد، فنظرت إلى الأسفل.
وهناك، أستقر سيفٌ مرعب وجميل بإنسياب في يدها.
وكأنه صُمم ليُحمل بها.
ترجمة امون