عبد الظل - الفصل 2004
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2004 : بذور التمرد
لم يكن صني يعيش أفضل أيامه.
في الواقع، كان في حالة مزاجية كئيبة للغاية.
لم يكن السبب فقط أنه كان مضطرًا لمشاهدة الموت العبثي والمُهدِر للعديد من المحاربين المستيقظين – الذين كان من المفترض أن يكونوا سيف البشرية في مواجهة تعويذة الكابوس، وليس في مواجهة بعضهم البعض – بل ولأن أخته نفسها كانت عالقة في قلب هذه المذبحة، على بُعد شعرة من أن تُقتل.
وعد صني نفسه بألا يتدخل في قراراتها إلا إذا لم يكن هناك خيار آخر. لذلك، لم يكن بإمكانه ببساطة أن يسحب رَين إلى الظلال وينقذها بعيدًا إلى مكان آمن… أيًا كان هذا ‘الأمان’ الموجود في هذا المكان الملعون. كل ما كان يمكنه فعله هو البقاء متيقظًا قدر الإمكان، مستعدًا للتدخل في أي لحظة لإنقاذ حياتها.
كان هذا الوضع الدائم من الذعر والتوتر يستنزفه.
وأكثر من ذلك، كان حظه اليوم سيئًا للغاية.
لماذا كان على رَين وأعضاء فوجها أن يصطدموا مع محاربي عشيرة الريشة البيضاء تحديدًا؟، والأسوأ، لماذا كان عليها مواجهة تيل من الريشة البيضاء؟.
منذ اللحظة التي بدأ فيها نزالهم الوحشي، اضطر صني إلى توجيه كل انتباهه نحو المستيقظَتين الشابتين. من الواضح، أنه لم يكن بإمكانه السماح بموت رَين… ولكنه الآن لم يستطع السماح بموت عدوتها أيضًا.
رغم أنه التقى تيل لأول مرة منذ سنوات عديدة في الجزر المتسلسلة، لم يكن يعرفها جيدًا. ومع ذلك، كانت انطباعاته عنها إيجابية. والأهم من ذلك بكثير، أن والديها لم يكونا سوى تريس وروان – لا يمكن أن تُقتل ابنتهما أمامه، ناهيك عن أن يحدث ذلك بمساعدته.
لذا، انتظر، مستعدًا لإيقاف رَين في اللحظة الأخيرة – إذا فازت.
أو إيقاف تيل إذا خسرت.
وغني عن القول، إن مشاهدة محاولتهما قتل بعضهما بكل قوتهما كان أمرًا مرهقًا للغاية للأعصاب.
ومع ذلك، في النهاية، لم يُجبر صني على فعل أي شيء.
الغريب أن رَين لم تحاول توجيه الضربة القاضية. بل شعر بعاصفة معقدة من المشاعر داخلها قبل تلك اللحظة، ثم شعور وجيز من وضوح لا يلين.
وشيء آخر أيضًا. شيء عميق وشاسع، يكاد يكون… محتومًا. لكنه كان مخفيًا عن حواسه في الوقت ذاته.
تسبب توقفها غير المبرر عن الفعل وهذا الشعور الغريب بحيرة صني إلى أقصى حد. كافح لفهم ما الذي قد يمنع رَين من محاولة القضاء على عدو قاتل على الأقل… كان بالتأكيد سيستغل تلك الفرصة الثمينة بنفسه، وكان قد علّمها أن تكون أكثر ثباتًا في خضم قتال مميت.
ولكن لم يكن هناك وقت للتركيز على مشاعر رَين، لأن نيفيس هبطت فجأة من السماء، واستقرت في وسط ساحة المعركة المدمرة كنجمٍ ساقط.
أطلق صني تنهيدة ارتياح صامتة.
‘في الوقت المناسب تمامًا.’
كان يراقبها باهتمام.
كانت نجمته… جميلةً بشكل يأسر الأنفاس.
حتى وهي محاطة بالدماء والمآسي، كان نورها البهي نقيًا ومفعمًا بالروعة.
أوقف وصول نيف القتال في مركز ساحة المعركة بالكامل. وهي…
لم تكبح نفسها.
انتشرت نيرانها البيضاء، شافيةً عددًا لا يُحصى من الأشخاص – سواء كانوا جنود جيش السيف أو جنود جيش الأغنية، دون أي تمييز بين صديق وعدو.
بالطبع، كان هناك حدود لما يمكن لنيفيس إنقاذه. فلن تؤثر ألسنة اللهب إلا على أولئك الذين كانوا متصلين بها كجزء من نطاقها الناشئ عن بُعد – إذا لم يكن الشخص متصلًا بشبكة الشوق التي ألهمتهم بعمق كافٍ، فإنها لا تستطيع التأثير عليه إلا من خلال اللمس المباشر.
تمامًا كما فعلت مع الخادمة المحتضرة.
هل شعرت بقدوم سيشان، أم أنها أرادت حقًا إنقاذ العضوة السابقة في جيش الحلمين؟.
لم يكن صني متأكدًا.
ومع ذلك، لم يستطع إلا أن يعجب ببراعة نيفيس الأستعراضية.
لم يكن هناك شك في أن ساحة المعركة بأكملها كانت مأسورة بها وبأفعالها. كانت بذور الشوق تسقط في التربة الخصبة لعدد لا يحصى من الأرواح المتألمة، مما يوسع أساس نطاقها المستقبلي. فالناس يحتاجون الأمل أكثر في عمق الجحيم، ولم تكن هذه الساحة مختلفة عن كابوس جحيمي.
وفي الوقت ذاته، كانت بذور المؤامرات السياسية التي زرعتها كاسي ونيفيس وصني قبل فترة طويلة تنمو وتزدهر أيضًا.
فقد رسخت نيفيس نفسها بالفعل كمشاركة مترددة في الحرب وصوت المعارضة الوحيد بين دعاة الحرب. بالنظر إلى إنجازاتها السابقة واتباعها المثالي للواجب النبيل للمستيقظين، كانت سمعتها مذهلة بين محاربي نطاق الأغنية ونطاق السيف على حدٍ سواء.
والآن، كانت تلك السمعة تترسخ أكثر في قلوبهم. لن ينسى الجنود الذين لا حصر لهم الذين أنقذتهم، وكل من شهد نعمة ورحمة نجمة التغيير من الشعلة الخالدة أبدًا… في تناقض صارخ مع الإرادة القاسية للسياديين.
…وكلما ازداد شعورهم بخيبة الأمل والتعب من الحرب، أصبح من الأسهل عليهم تقبُّل تمردها في النهاية.
وحتى قد يصفقون لها لخيانتها لعائلتها بالتبني وانخراطها في القليل من القتل الملكي، عندما يحين الوقت.
حتى صني وجد صعوبة في التمييز بين صدق أفعال نيفيس وخططها المدروسة. من المحتمل جدًا أن يكون كلا الأمرين معًا…
ولكنه يعرف أنها كانت تقدم عرضًا متعمدًا إلى حد ما.
والسبب في ذلك هو أن نيفيس لم تحاول الشفاء بهذا النطاق الواسع من قبل. فلن يؤدي إنقاذ هذا العدد الكبير من الجنود الى أستهلاك قدرًا مخيفًا من جوهر الروح فحسب، بل بالإضافة إلى أنه كان سيجلب لها ألمًا لا يوصف.
كانت إنسانيتها ستُحرق وتتلاشى تحت وطأة الألم. كانت معجزةً أنها تمكنت من إبقاء المعاناة مخفية عن وجهها… وعلى أية حال، لم تكن لتكون في حالة تُظهر فيها الرحمة، ناهيك عن التعاطف.
لذلك، على الأقل، بعض أفعالها كانت مدروسة ببرود مسبقًا.
رآها الجنود كمخلّصة جميلة، رحيمة، ونبيلة.
وهي كذلك بالفعل – ولكن، في الوقت نفسه، تحت السطح وقبل كل شيء، كانت مدمّرة لا تعرف الرحمة، وداهية، وطموحة بشكل مخيف.
كانت نذيرًا للتغيير والخراب.
…ومع ذلك، كانت جميلة في كلا الحالتين.
بينما كانت نيفيس تتحدث مع سيشان، متحدية القديسين في نطاق الأغنية للقتال، ابتسم صني.
فقد نزلت الملاك بالفعل إلى ساحة المعركة.
والآن، حان الوقت لدخول الشيطان أيضًا.
ترجمة آمون