عبد الظل - الفصل 2002
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2002 : تقتل أو تُقتل
حاولت رَين أن تجبر فارسة الريشة على الخضوع، ولكن تبين أن الشابة كانت أكثر عنادًا وصلابة مما توقعت. رغم سيل الضربات الساحقة، واصلت عدوتها المقاومة، دون أن تفقد ولو ذرة من عزيمتها.
حسنًا… لم تستطع رَين لومها.
كانت الفتاة ذات الشعر الأشقر تقاتل من أجل حياتها، في نهاية المطاف.
والاستسلام يعني الموت.
‘اللعنة…’
كانت عدوتها ماهرة للغاية في القتال اليدوي… أكثر من رَين للأسف. فقد أمضت رَين السنوات الأربع الماضية في مطاردة مخلوقات الكابوس، وليس في مصارعة البشر.
كان تدريبها شاملاً، ولكنه نظري إلى حد كبير.
أما فارسة الريشة، فيبدو أنها تمتلك ثروة من الخبرة العملية. وكانت تحمي نفسها من الإصابات الخطيرة بينما تسدد عقابًا مؤلمًا لرَين.
ثم كانت هناك تلك الصواعق اللاسعة…
الألم. كانت رَين غارقةً في الألم.
وكانت خائفة، مضطربة، ويائسة…
فهي أيضًا كانت تقاتل من أجل حياتها، بعد كل شيء.
تمكنت فارس الريشة من الالتفاف، وضغطت رَين على الأرض. صفعت ذراعي رَين وسددت ضربة ساحقة، ما أدى إلى كدمات – أو ربما كسر – أضلاعها بقبضة مدرعة.
وكان هناك المزيد من الألم.
حاولت رَين استخدام ساقيها لطرح الفتاة الشقراء المُهددة عن جسدها، ولكن استغلت عدوتها ببساطة الحركة، لتدور حولها وتثبت رقبتها في قبضة حديدية خانقة.
فجأة، لم تعد رَين قادرة على التنفس.
كافحت بيأس، محاولةً إبعاد ذراع فارسة الريشة عن حنجرتها. ولكنها كانت عديمة الجدوى. تأوهت عدوتها فقط وشدت الخناق أكثر، محاولةً سحق قصبتها الهوائية.
رغم أن رَين كانت أقوى، إلا أنها لم تتمكن من الإمساك بها جيدًا. كانت محاصرةً ومشلولة.
وأصبحت كل قوتها بلا فائدة.
‘لا…’
بدأت رؤيتها تضعف.
‘لا يمكنني أن أموت هنا…’
مرتبكة ومذهولة، نسيت كل شيء عن المعركة، الحرب، وحقيقة أن شقيقها لن يسمح لها بالموت.
وكل ما كانت تعرفه هو حاجتها اليائسة للتنفس… وللنجاة.
أرادت أن تطعن قاتلتها بإحدى سهامها المسحورة، ولكن استدعاء ذاكرة كان سيستغرق وقتًا طويلاً… أليس كذلك؟.
لحسن الحظ، لم يكن سلاح رَين ذاكرة.
على بعد خطوات قليلة، كان التاتشي الأسود الخاص بها ملقى على السطح الدموي للعظام القديمة. وعندما استدعت السلاح، تحرك التاتشي ثم ذاب، متحولاً إلى ظل صغير.
انزلق الظل عبر الأرض كأفعى صغيرة، ثم تسلق يدها الممدودة.
وبعد لحظة، تحول إلى خنجر أسود ذو نصل طويل ورفيع.
بالتفاف جسدها، جمعت رَين كل قوتها المتبقية وغرست الخنجر في فخذ فارسة الريشة.
صرخت الشابة بينما تدفقت الدماء على العظام القديمة.
ثم ضعف قبضتها للحظة وجيزة، واستغلت رَين تلك اللحظة القصيرة لتحرر نفسها.
استدارت، وانتزعت الخنجر من لحم عدوتها، ورفعته لتغرس النصل الأسود في حلق فارسة الريشة.
ثم، في اللحظة الأخيرة… ترددت رَين.
وذلك لأنها رأت وجه عدوتها بوضوح.
كانت فارس الريشة شابة – أكبر منها، ولكن ليس بكثير. تحت غبار المعركة، كان وجهها شاحبًا وجميلاً. وكان شعرها الذهبي الجميل الآن متشابكًا، مبللاً بالعرق والدماء.
كانت عيناها مفتوحتين على اتساعهما، ممتلئتين بالألم والخوف واليأس.
تمامًا مثل عيني رَين.
هل كان هذا هو الشخص الذي كان من المفترض أن تقتله؟.
بالطبع، كان كذلك.
فقد كانت حربًا، في نهاية المطاف.
إما أن تقتل أو تُقتل.
كانت رَين صيادة، ومحاربة، وجندية. كانت جندية في جيش الأغنية العظيم، وكانت فارسة الريشة عديمة الاسم جندية في نطاق السيف. كانت عدوة رَين، وستقتلها فورًا لو انعكست أدوارهما.
…ألن تفعل ذلك؟.
قد تكلف هذه اللحظة من التردد رَين حياتها إذا استمرت لفترة أطول. كانت العدوة قوية، مصممة، وقاتلة. كان يجب أن تموت.
إذًا لماذا…
لماذا شعرت رين بهذا القدر من الاشمئزاز عند فكرة قتل هذه الشابة الشاحبة المذعورة؟.
لماذا شعرت بالتردد في غرس الخنجر للأمام وسلب حياة فارس الريشة؟.
لماذا…
***
“ابقِ مكانكِ، إيلي!”
ضغطت سِيد على فيليز لتبقى على الأرض، مدركة أنها تتصرف بحماقة.
كان عليها إنهاء الخادمة منذ وقت طويل.
كانت متهورة وتخاطر بحياتها، سامحةً للعاطفة بأن تعكر تفكيرها.
ومع ذلك، ومع ذلك…
“توقفي عن المقاومة، أيتها الفتاة الغبية!”
زمجرت سِيد.
نظرت فيليز إليها من الأرض. وعيناها كانتا ممتلئتين بمشاعر غريبة… هل كانت استياءً؟، تحديًا؟، استفزازًا؟.
وربما كلها.
ولكن كان هناك شيء آخر أيضًا، مخفيًا في أعماقها.
الخوف… الذعر. واليأس.
ومع ذلك، رغم كل شيء، لم تتوقف فيليز عن المقاومة.
أخيرًا، تلاشت الشرارات التي كانت تدور حول يدها، وتجسدت على هيئة سكين حادة مصنوعة بدقة كالنصل.
نصل قاتل.
تجمدت سِيد للحظة وجيزة، تحدق في صديقتها السابقة بذهول.
لم يعد هناك وقت للتردد، ولم يعد هناك خيار.
‘لا…’
…ثم دفعت خنجرها للأسفل.
شق النصل قماش الثوب القرمزي للخادمة، وانغرس في لحمها.
تسلل تحت أضلاعها، وقطع بعمق.
غسل الدم الحار يد سِيد، وشعرت بجسد إيلي يرتجف تحتها.
سقطت السكين من قبضة الخادمة الضعيفة.
وحل محل التحدي في عينيها عدم التصديق… والألم.
والحزن.
المشاعر نفسها التي شعرت بها سِيد، تائهة وسط هذه المعركة الكارثية والمروعة.
***
حدقت رَين في عيني فارسة الريشة، مدركة أن وقتها ينفد.
كانت عدوتها قد بدأت بالفعل في التعافي من الصدمة… مما يعني أنه في لحظات قليلة فقط ستختفي فرصتها في قتلها كالشبح.
كان من السهل جدًا، دفع الخنجر للأمام وسلب حياة الشابة.
ولم يكن هناك سبب لعدم القيام بذلك.
لأن رَين كانت جندية.
وقد تدربت جيدًا.
على جوهر القتال…
ولكن هل هذا ما كانت تريده رَين؟.
أن تكون قاتلة؟.
قبل الحرب… أرادت بناء الأشياء، لا أن تدمر. أن تضيف للعالم، لا أن تنتزع منه.
بدا الأمر بعيدًا جدًا، وكأنه حدث منذ زمن بعيد.
ومع ذلك، لا بد للمرء أن يكون حيًا ليبني أي شيء. وكان عليها أن تقتل لتبقى على قيد الحياة.
لم يكن هناك وقت للتردد، ولم يكن هناك خيار.
فهذه هي أبسط قواعد المنطق.
…ومع ذلك، وجدت رَين نفسها غير راغبة بذلك.
كانت مذهولة، متألمة، وبدأت بالكاد تتعافى من تجربة الاختناق حتى الموت تقريبًا. بالكاد تستطيع التفكير، ناهيك عن التفكير بوضوح، مما لم يكن أفضل حالة لاتخاذ قرارات مصيرية.
ولكن مرة اخرى، ربما كان هذا أفضل حال.
بعد تجريدها من كل المنطق، تُركت رَين وجهًا لوجه مع غرائزها العميقة والأكثر جوهرية.
مع ما جعلها… هي.
وما اكتشفته رَين هو أنها لا تريد أن تكون قاتلة، سفاحة، أو مدمرة.
شعرت فقط بالاشمئزاز من هذا الاحتمال.
حتى لو عنى ذلك أنها لن تصبح شيئًا آخر.
‘أنا آسفة…’
لقد اختارت الانضمام إلى الحرب بنفسها. ولكن في النهاية…
يبدو أن رَين لم تُخلق لتكون جندية.
بتنهيدة هادئة، أنزلت خنجرها ببطء.
وعندما فعلت، شعرت رَين بشيء عميق وجوهري يتغير بداخلها.
إلى الأبد.
بعد لحظة، اندفعت فارسة الريشة إلى الجانب، ممسكة بمقبض سيفها.
ولكن قبل أن تتمكن من رفعه… نظرتا كلتاهما إلى الأعلى.
هناك، فوقهما… بدا وكأن نجمًا مشرقًا يسقط من السماء.
هبطت الكتلة المتوهجة من الإشراق الأبيض نحو ساحة المعركة الملطخة بالدماء واصطدمت بها مع دوي يصم الآذان.
أحدثت صدمة عنيفة بقدومها، وألقت بمحاربي الجيشين العظيمين بعيدًا عن بعضهم.
وعندما هدأت الرياح بعد لحظات، شهقت رَين.
…كانت قديسة جميلة تقف وسط التراب والدماء في ساحة المعركة المروعة، وبدا إشراقها الأبيض النقي غير ملوث… وغير قابل للتلوث… بغبار العالم القرمزي الفاني.
أشرق جناحان ساحران في الهواء خلفها، واستقر شريط من المعدن اللامع على رأسها مثل التاج.
كانت عيناها مثل بحر من اللهب الأبيض.
لقد نزلت نجمة التغيير من الشعلة الخالدة إلى ساحة المعركة.
ترجمة آمون