عبد الظل - الفصل 1997
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1997 : التكلفة البشرية
اُستهلك الحجاج من قبل الموجة العارمة من المحاربين الفولاذيين، ولم يتمكنوا سوى من إسقاط طليعة أصداء عديمة المشاعر. كان هناك المزيد منهم في أجزاء أخرى من ساحة المعركة، ولكن هنا، في مركز الصدام الكارثي بين الجيشين العظيمين، كان فرسان فالور أذكياء وقساة بما يكفي لمنع اللاموتى من النهوض بكثرة.
اندفعت تشكيلات النخبة من جيش السيف كالأمواج الحديدية، لتصطدم بالفيلق السابع وتحطم خطه الهجومي. ومع ذلك، لم يدم الزخم طويلًا، فقد تباطأت قوات فالور حتى توقفت تمامًا، تاركةً إياهم في مستنقع قاتل.
ولكن لم يكن خصمهم هينًا أيضًا – فالفيالق الملكية السبعة تتألف من أفضل المحاربين في نطاق الأغنية، وكان الفيلق السابع هو الأكثر شراسة بينهم. ربما كان الوحيد الذي يتفوق عليه هو الفيلق الأول، الذي اختفى في ظلام محيط العمود الفقري ولم يكن حاضرًا في ساحة المعركة اليوم.
بعد تلقي الضربة الأولى، لم تنهر تشكيلات محاربي الأغنية المتكسرة، ولم يتملكهم الخوف. لم يفروا – بل هاجموا فرسان فالور وقواتهم المساندة كأسراب قاتلة، مشتعلة بعزيمة شرسة وغضب بدائي.
لم يكن هؤلاء الرجال والنساء مسحورين بوعد المجد ولا مخمورين بترنيمات الحرب الصاخبة. ومع ذلك، لم يكونوا مستعدين لتذوق مرارة الهزيمة أيضًا.
…تحولت مساحة واسعة من ساحة المعركة الجهنمية إلى جحيم أشد قسوة، حيث اشتبك الآلاف من المستيقظين الأقوياء ومئات الأسياد المخيفين في معركة طاحنة.
امتزجت أصوات الرعود الصاخبة، وصيحات البشر المفجوعة، وارتجافات الأرض الملطخة بالدماء في جوقة كابوسية من الدمار، وكأن العالم نفسه يحتضر – أو ربما يُبعث من جديد.
ربما كان السَامِي الميت لقبر السَّامِيّ هو الذي يُبعث، بينما كانت عظامه القديمة تُغرقها الدماء البشرية.
في كل الأحوال، بدا أن محاربي جيش السيف وجيش الأغنية قد نسوا أنفسهم، مستهلكين بضرورة المعركة العنيفة والمروعة. أُزيلت شكوكهم السابقة تحت تأثير الصدمة والرعب لساحة المعركة المروعة، وامتلأت عقولهم بالفراغ بسبب الأصوات الجنونية للدمار الكارثي.
لقد أصيب العالم بالجنون.
كانت رَين خائفة إلى درجة أنها لم تعد تشعر بالخوف بعد الآن. وكأن الجزء منها المسؤول عن إدراك الخوف قد احترق في النيران، ولم يبق في أعقابه سوى الرماد البارد.
والآن، كل ما شعرت به كان الغضب والاستياء.
لم تكن تعرف حتى ممَّ كانت غاضبة، أو من كانت تستاء منه.
في غياب الإجابة، لم تستطع رين سوى تركيز عقلها المضطرب على العدو الذي أمامها.
كانت تمار أول من اشتبك مع محاربي جيش السيف، قافزةً فوق خطهم القتالي المبعثر بمساعدة قدرة جانبها، مستغلةً الخطوة الثانية العائمة لتوقف اندفاعها فجأة، ثم تدور على ساق واحدة وتندفع نحو ظهورهم.
وحالما لامست قدمها الأرض، انطلق سيفها الضخم في قوس أفقي شرير، محطمًا درع أحدهم ومطيحًا به جانبًا.
كانت قد وضعت نفسها في خطر مميت بالطبع، لوحدها خلف خطوط العدو…
ولكن بعد لحظات، اصطدم جنودها بمقدمة تشكيل العدو. مهاجمين من كلا الجانبين، ارتبك فرسان الريشة للحظات.
كانت تلك الفرصة الوحيدة التي احتاجتها رَين ورفاقها، فاندفعوا نحو فرسان الريشة بعزيمة ملحة ومشتعلة.
تصادم الفولاذ بالفولاذ، ولكنه ذاق أيضًا طعم اللحم البشري. وتساقطت الدماء فوق السطح الأبيض النقي للعظام القديمة.
رفعت رَين سيف التاتشي الطويل، مجبرة يديها المرتجفتين على الثبات.
في مكانٍ قريب…
كانت نخبة عشيرة فالور تناضل بشدة للصمود أمام الهجوم الوحشي لمحاربي الأغنية. تصرفوا بدقة مذهلة وثبات لا يتزعزع، متمسكين بتشكيلهم رافضين التراجع، رغم أن الأرض تحتهم كانت غارقةً في الدماء بالفعل.
لم يكن العدو ليسمح لهم بالتراجع، على أي حال… وهناك خلفهم، كان اللاموتى يتحركون بالفعل، على استعداد للنهوض من جديد.
إذا كان من المقرر إنقاذهم، فكان عليهم أن يشقوا طريقًا دمويًا للخلاص بأيديهم.
وهكذا، صمدوا بقوة…
ولكن بعد لحظات قليلة، ظهرت شخصية سريعة ترتدي ثيابًا قرمزية بين جنود الأغنية، واندفعت نحو تشكيل الفرسان المدرعين.
كانت امرأة فاتنة لا ترتدي درعًا، وشعرها الأبنوسي يرفرف خلفها في مهب الرياح.
كانت بشرتها بيضاء كالجليد، وعيناها باردتان بالقدر نفسه. أما شفتيها القرمزيتين فكانتا مضغوطتين بإحكام على بعضهما البعض.
كانت واحدة من أخوات الدم اللواتي يتبعن الأميرة سِيشان… سيدة من نطاق الأغنية.
كانت تحمل خنجرًا حادًا ذو نصل مموج، واندفعت نحو محاربي جيش السيف لتدفعهم إلى الخلف. تحركت يدها النحيلة بسرعة غير إنسانية، فشقت عنق جندي، وأعمت آخر، واخترقت صدر ثالث.
تراجع الفرسان في حالة من الضباب الدموي، مما أحدث فجوة في تشكيلهم.
اندفعت أخت الدم للأمام، مستعدة لتوسيع تلك الفجوة…
ولكن فقط ليوقف نصل سيفٍ الكريس’1′ خاصتها.
وكانت تلك هي سِيد، أحدى حراس النار الذين أُرسلوا للقتال مع فرسان فالور، والتي دفعت السيدة العدوة للخلف ونظرت إليها بعبوس.
كان شعرها الأشقر المتسخ مبتلًا بالعرق، ودرعها الذاكرة كان قد دُمِّر بواسطة صدى شرس… مما كان مؤسفًا حقًا، إذ إن الدرع كان قد عُدل بشكل رائع بفضل الضيف الجذاب الذي زار جزيرتهم مؤخرًا.
ومع اتساع الفجوة في التشكيل، ونزول جنود الجيشين إلى معركة جنونية، تنهدت بمرارة وتحدثت بلمحة من الأسف:
“إيلي.”
كان صوتها قاتمًا.
“…كان ينبغي عليكِ الابتعاد عن هذه الحرب، أيتها الحمقاء.”
أخت الدم – الخادمة – أجبرت نفسها على ابتسامة مليئة بالتحدي.
“من الجيد أن أراكِ مجددًا، سِيد.”
ثم رفعت خنجرها الجميل، مستعدة للهجوم.
وبعد لحظة لاحقة، اشتبك العضوان السابقان في جيش الحالمين تحت السماء الرمادية القاسية، وكل منهما يسعى لإنهاء حياة الآخر.
***
1: الكريس هو خنجر شرق أسيوي متموج الشكل.
ترجمة آمون