عبد الظل - الفصل 1996
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1996 : العلف
كانت هناك العديد من المناوشات وبعض المعارك الكبيرة بين الجيشين من قبل، ولكن لم يكن هناك شيء بمثل هذا الحجم.
لم تحدث معركة بهذه العظمة والفظاعة في تاريخ البشرية… على الأقل ليس في تاريخ عالمهم.
ولكن مرة أخرى، هذا لم يكن عالمهم.
كانت الفيلق السابع في أخطر نقطة من ساحة المعركة – في قلب المركز تمامًا، يعمل كرأس الرمح لجيش الأغنية بأسره. ولم يكن الأعداء الذين واجهوهم مستيقظين شبابًا ممن أصبحوا حاملي التعويذة بعد سلسلة الكوابيس، بل كانوا النواة الصلبة لجيش السيف…
المحاربين المخضرمين من القوات العريقة للعشيرة الملكية.
فرسان فالور.
كانوا مثل جدار من الفولاذ لا يتزعزع ولا يُدفع للخلف، يصدون هجومًا شرسًا تلو الآخر. وكان الفرسان الصاعدون يقودون الفرسان المتدربين المستيقظين، محافظين على انضباط لا تشوبه شائبة وإرادة لا تُقهر للقوات النخبة.
وكانوا جميعًا يرتدون دروعًا ثقيلة من الفولاذ ويحملون ذكريات قوية كأسلحة، وكانت عباءاتهم القرمزية تبرز بشكلٍ لافت مقابل الخلفية البيضاء للعظام المبيضة. وقاتلت أصداءٌ قوية أمام التشكيلات – بعضها كجوائز مُنحت من التعويذة، وبعضها صُنع بأيدي سحرة فالور.
كانت رَين تركز على تدمير تلك الأصداء بينما تحاول تجاهل الفوضى المروعة للمعركة وصراخ الجنود المحتضرين الذي كان يغمرها كأغنيةٍ مفجعة.
‘اللعنة، اللعنة، اللعنة…’
ولكن كيف لها أن تجاهلها؟.
كانت الأرض المرتجفة مبللةً بالدماء، والجثث المحطمة متناثرةً هنا وهناك، فحدقت في السماء الساطعة بعيونٍ خاوية. كان معظمهم غرباءً عنها، ولكن بعضهم… كانت قد تعرفت عليهم على مدار الشهور التي قضتها تقاتل إلى جانبهم في قبر السَّامِيّ.
ذلك الرجل هناك… قد رأته ينجو من قبضة شجرةٍ وحشية وقاتلة في التجاويف. لقد نجا من الأدغال الرجسة فقط ليُقتل هنا، بسيفٍ بشري.
وتلك المرأة هناك — كانت مشهورةً في الفيلق السابع بعادتها في الغناء بصوت عالٍ في الحمامات، رغم افتقارها لأية موهبةٍ موسيقية. لم تتحدث رَين معها أبدًا، ولكنها سمعت غنائها المزعج مراتٍ كثيرة.
ولن تغني تلك المرأة مجددًا…
‘سحقا!’
صارةً على أسنانها، ورعبٍ يملأ قلبها وغضبٌ عارم في الوقت ذاته، حاولت رَين أن تصوب من خلال دموعها التي حجبت رؤيتها وأطلقت السهم.
…وبالطبع، لم تكن هناك العديد من الجثث متناثرةً على الأرض. ليس لأن القتلى كانوا قلة، ولكن ببساطة لأن الموتى لم يبقوا طويلاً في ميدان المعركة المقيت هذا.
وفي اللحظة التي اخترق سهم رَين عنق أحد الأصداء الهائجة، تحركت المغنية الميتة ببطءٍ ووقفت على قدميها. اختفت ذكرياتها، و تلطخ قميصها بالدماء، كاشفًا عن جرحٍ مروّع. ومع ذلك، لم تبدُ الشابة متأثرة بالألم.
وجهت نظرتها الخاوية نحو الخط المستقر للفرسان المدرعين بشدة، وتقدمت نحوهم بخطوات هادئة.
حولها، كان حجاجٌ آخرون يسيرون نحو العدو كذلك.
وفي داخل تشكيل العدو، كان قتلاهم من الفرسان الساقطون يقفون لمهاجمته من الداخل.
…ولكن كان فرسان فالور مجموعةً لا تعرف الرحمة. ما إن يُقتل أحدهم حتى يسحب الجنود في الصفوف الخلفية الجثة ويقومون إما بتدميرها أو إعاقتها قبل أن تتمكن من النهوض.
فقد كان جيش السيف يتعلم كيفية مقاومة سلطة الملكة أيضًا.
عندما شاهدت رَين المشهد المروع، بقيت ساكنةً لبضعة لحظات، بأنفاسٍ متقطعة. ومع عضلاتها التي تؤلمها من جهد سحب القوس الثقيل، وكانت تعاني من الحرارة التي لا تُحتمل. حتى مع وجود [قطعة المقاومة] التي تبردها، كانت الحرارة شديدة وضاغطة، والعرق يتصبب من جلدها ويُلسع عينيها.
وشعرت بأنها قذرة.
كان ضجيج المعركة يصم الآذان، ومشاهدها مرعبة.
للحظة واحدة ضاعت رَين وسط كل ذلك.
ثم تحرك ظلها، وهمس صوت مألوف في أذنها:
“استفيقي!”
ارتجفت وحاولت استعادة رباطة جأشها.
“استدعي سيفكِ. الأمور على وشك أن…”
وقبل أن يكمل معلمها… صني… كلامه، دوى صوت بوق عالٍ في القسم الذي يقاتل فيه الفيلق السابع. في البداية، فشلت رَين في استيعاب معنى الصوت المفاجئ، ولكنها سرعان ما ارتجفت.
‘إنهم الفرسان…’
كان يتم استدعاء فرسان فالور للتقدم.
كانت تقف حاليًا فوق عربة مقلوبة، محاطة بجنود زملاء. شاركت سنتوريا تمار في هجوم على تشكيل العدو قبل وقت قصير، ثم انسحبت للراحة وتضميد الجراح، بينما واصل أعضاء آخرون من الفيلق الهجوم المستميت.
ولكنهم لم يكونوا بعيدين عن خط المعركة.
إذا ألقى العدو بكل قوته في هجوم مضاد…
‘آه…’
طردت رَين قوسها واستدعت علامة الظلال على شكل تاتشي أسود.
كانت تمار قد نهضت بالفعل مستندةً على سيفها العملاق ذو الذراعين. بينما كانت فلور تعالج أحد الجنود، أمسك راي بها ودفعها إلى منطقة أكثر أمانًا.
اندفع جدار الفولاذ المكون من الفرسان المخيفين فجأة للأمام، مما جعل الأرض تهتز.
تكبدوا بضع خسائر أثناء إسقاط الحجاج، ثم اصطدموا بجنود الفيلق السابع بعد بضعة لحظات. وعلى الفور، تضاعفت وحشية وفوضوية المعركة عشر مرات، وتلاشى أي شكل من أشكال النظام في لحظة مروعة. مع تصاعد صوت التصادم المعدني، طاغيًا على صرخات البشر.
لم يمر وقت طويل حتى انكسر الخط الأمامي للفيلق ودُفع للخلف، واندفع الأعداء نحو تمار ومحاربيها المنهكين.
قفزت رَين من العربة، معتقدةً أنهم كانوا محظوظين.
على الأقل، لم يكن الأعداء الذين يواجهونهم هذه المرة هم فرسان فالور الذين لا يُقهرون. بدلًا من ذلك، بدوا وكأنهم ينتمون إلى إحدى العشائر التابعة… كانت عباءاتهم بيضاء بدلًا من قرمزية، وزين كثير منهم دروعهم بالريش.
اهتز العالم بينما تم إطلاق عدد لا يحصى من الجوانب وسادت الفوضى عبر ساحة المعركة، واستمرت السماء القاسية في صب إشعاعها وحرارتها على الجيشين العظيمين.
وبسيفها الممسوك بقوة، صرت رَين على أسنانها وتبعت تمار لمواجهة جنود جيش السيف.
…وبالطبع، تبعها ظلها أيضًا.
ترجمة آمون