عبد الظل - الفصل 1991
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1991 : الوجه البشع للحرب
وقف صدى عملاق على السهل الأبيض القاحل، يتألق بنورٍ يكاد يعمي الأبصار بينما يعكس هيكله الفولاذي بريق السماء الغارقة بالغيوم. كان قويًا بما يكفي لسحق الحصون، ومتصلبًا ليصمد أمام ضربات المتسامين، شامخًا فوق العظام المُبيَّضة تحت الشمس مثل باهاموتٍ فولاذي.
امتلك هذا الوحش الهائل أربعة أرجل قوية، وظهرًا عريضًا، ورأسًا مسطحًا يرتكز على عنق طويل. ولكنه لم يُصنع بواسطة تعويذة الكابوس على هيئة رجس مخيف… بل صُنع يومًا ما على يد ملك السيوف – ربما لغرضٍ مهم، وربما بدافع الملل فقط.
ورغم ذلك، لم يكن هذا الصدى الضخم مناسبًا للمعارك الجادة إلا إذا كان الهدف التنمر على الضعفاء. فلم يكن سريعًا بما يكفي، وبالرغم من متانة هيكله، لم يكن مُحصنًا بما يكفي لتحمل المخاطر المروعة والعديدة لعالم الأحلام. في أفضل الأحوال، كان يمكن استخدامه كبرج حصار ضخم.
أما في الوقت الحاضر، فقد كان بمثابة معقلٍ متنقل لقيادة جيش السيف… ليس بسبب قوته أو متانة هيكله، بل فقط لأن ارتفاعه أتاح لملك السيوف وحاشيته نقطة مراقبة مثالية لمتابعة ساحات القتال.
استقر ذيل الصدى الطويل على الأرض، مما شكَّل جسرًا يمكن استخدامه للوصول إلى المساحة المسطحة لظهر المخلوق – وحتى أن هناك درابزين مثبتًا على جانبي المسار الصاعد لمنع الناس من السقوط.
وعلى ظهر هذا الوحش الفولاذي، أقيم مقر ميداني لجيش السيف مكوَّن من خيام ملونة وأجنحة قماشية… معظمها كان باللون الأسود أو القرمزي، بالطبع. هنا أقام الملك ومستشاروه المقربون عندما يكون الجيش في مسيرته، وهنا اجتمع الجنرالات لعقد مجالسهم. لم يكن هذا الترتيب مبهرًا مثل حصن فالور في المعسكر الرئيسي لجيش السيف، ولكنه كان أكثر راحةً مما يُتوقع في وسط حرب نشطة.
وفي النهاية، كان هناك مسار شديد الانحدار يمتد من ظهر الصدى الضخم إلى عنقه الطويل، لينتهي بمنصة مراقبة دائرية تعلو رأس المخلوق الفولاذي. صُممت أعمدة الدرابزين الزخرفية لتبدو كالتاج، ويمكن من هناك رؤية السهل الأبيض المُبيَّض للعظام في ما بدا مشهدًا مذهلًا.
وكان هذا هو المكان الذي وجد صني نفسه فيه في يوم صيفي حار، يخفي تعبيره الكئيب خلف قناع ويفر بينما يتأمل ساحة المعركة الكارثية.
حسنًا… كان كل يوم في قبر السَّامِيّ قاسيًا وحارًا بشكل خانق، لذا لم يكن هذا اليوم مختلفًا عن غيره.
تنهد.
‘لماذا كل حرب أشارك فيها تجري في منطقة ذات ظروف مناخية قاسية؟’
أولًا، البرد القارس في القارة القطبية الجنوبية، والآن الحر الخانق في قبر السَّامِيّ…
يا له من أمرٍ مؤسف حقًا.
‘من الأفضل للحرب القادمة التي سأشارك فيها أن تحدث في مكان ذو مناخ لطيف!’
أما البقية الذين تجمعوا على المنصة، فلم يشاركوا صني شعوره. كان الجميع يرتدون دروعًا ثقيلة – باستثناء نيفيس، التي التزمت بقرارها بعدم ارتداء أي درع وكانت ترتدي ملابس بيضاء بسيطة.
لم تكن هناك زوايا مظلمة على رأس الصدى الضخم ليختبئ فيها صني، لذا وجد بقعة شبه منعزلة ووقف هناك وحيدًا، متكئًا على الدرابزين وذراعيه متقاطعتان.
مع قناعه المخيف وسلوكه البارد، كانت هذه الوضعية كافية لإبعاد الآخرين عنه، وهو ما كان يناسبه تمامًا. تجمهر معظم الناس حول الملك على أي حال.
كان أنفيل واقفًا في مقدمة منصة المراقبة، يراقب المعركة بتعبير قاتم. وكانت عباءته القرمزية تتحرك قليلاً مع الرياح، وبدا تاجه الحديدي ثقيلاً بشكل خاص ذلك اليوم. لم يستطع صني أن يخمن ما الذي يفكر فيه السيادي لنطاق السيف، ولا حتى ما الذي يشعر به.
لم يكن أحد يتحدث في تلك اللحظة، إذ كانت الأبصار مخطوفة بالمشهد المروع للاشتباك بين جيشين عظيمين على السهل أدناهم.
كان مشهدًا رائعًا حقًا.
فقد شارك مئات الآلاف من المحاربين المستيقظين في المعركة، بالإضافة إلى آلاف من الأسياد. كما كان هناك عدد لا يُحصى من الأصداء، إلى جانب… حشد هائل من مخلوقات الكابوس المروعة التي سيطرت عليها سيدة الوحوش، والفيلق الشاحب من اللاموتى الذين بعثتهم ملكة الديدان.
امتد خط المعركة من الشرق إلى الغرب لأكثر من اثني عشر كيلومترًا، وكانت قوى رهيبة تمزق صفوف الجنود المنهكة المتشبثة بيأس. تم إطلاق العنان لعدد لا يحصى من الجوانب، واستهلكت ذكريات لا تُعد محيطات من الجوهر لإطلاق سلسلة من الأسحار. كان السهل العظمي يهتز بعنف، وبدا نسيج الواقع واهنًا وهشًا.
كان سهل العظام يشرب الدماء بشراهة، وفُقدت الكثير من الأرواح كل دقيقة.
…كان الأمر مروِّعًا.
هنا، فوق رأس الوحش الفولاذي الضخم، كان كل شيء تقريبًا يبدو مسالمًا. كان الضجيج الصاخب للمعركة يشبه همهمة المد البعيدة، ولم تصل القوى المدمرة التي أُطلقت في ساحة القتال إلى منصة المراقبة.
ومع ذلك، لم يكن الأشخاص المتجمعون هنا في سلام إطلاقًا.
إذا كان هناك شيء مفقود في ساحة المعركة… فهو القديسون. لم يُرسل أي من الجيشين أبطاله المتسامين إلى المعركة، لذا لم يكن بوسعهم سوى المشاهدة عن بعد وصر أسنانهم.
كان صني قد تخيل الحرب بأشكال كثيرة، ولكنه لم يتخيل قط أنها ستكون… مملة للغاية.
في البداية، كان قلقًا من أن يضطر إلى قتل عدد لا يُحصى من البشر بيديه العاريتين.
ولكن في الواقع، بالكاد أتيحت له الفرصة لإراقة الدماء بعد هجماته الأولى على قوافل الإمدادات لجيش الأغنية.
كل القتل وكل الموت كان يتم على يد الجنود العاديين مثل رَين، وكانوا هم من يدفعون الثمن البشع للحرب.
والتي كانت حقيقةً مخزية.
ترجمة آمون