عبد الظل - الفصل 1972
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1972 : محادثة خاصة
أخذت رَين رشفة من القهوة، لتخفي وجهها خلف الكوب المعدني.
فقد سمعت ذلك أيضاً!.
فالدندنة أتت من ظلها الخاص بعد كل شيء!.
‘ما الذي يفعله هذا الأحمق؟!’
شعرت بوخز في جسدها، فابتلعت القهوة الساخنة، وحاولت أن تجبر نفسها على الابتسام.
“حسنًا، على أي حال… سأقوم بجولة صغيرة… أقصد، سأذهب للاستحمام. شكرًا جزيلاً، فلور، كانت القهوة لذيذة!”
كان عليها أن تبتعد عن رفاقها بأسرع ما يمكن، تحسباً لأن يفكر معلمها في البدء بالتصفير أو الغناء فعلاً.
كانت رَين مذهولة تماماً. فقد كان حذرًا تماماً عندما يكون حول الآخرين… فما الذي جعله يرتكب مثل هذا الخطأ السخيف؟.
وضعت الكوب، ووقفت، وتثاءبت مرة أخرى، ثم اتجهت بعيدًا عن مجموعة خيامهم الصغيرة.
“انتظري، راني!، ألا تريدين تناول الإفطار؟”
لوحت بيدها مجيبة تمار بنبرة غير مبالية:
“لاحقًا!، لستُ جائعة جدًا.”
‘اللعنة…’
كانت تحتاج لمكان خاص للتحدث إلى معلمها. للأسف، كانت الخصوصية نادرة في معسكر جيش الأغنية المزدحم… ولكنها كانت تعرف مكانًا أو اثنين يمكنها الاختباء فيه.
في الواقع، كان العديد من الجنود يعرفون تلك الأماكن، حيث كان الجميع بحاجة إلى بعض الخصوصية من وقت لآخر، لأسباب مختلفة — بعضهم كان بريئًا كالرغبة في البقاء وحيدًا، وبعضهم الآخر كان بهدف أكثر شهوانية.
كان المكان الذي اختارته رَين خلف مستودع كبير تُخزَّن فيه مواد البناء، بالقرب من بوابة الأحلام الشاهقة. والآن وقد تم بناء جدران المعسكر، وأصبحت الملكة هنا، مما يجعل من الصعب على مخلوقات الكابوس تدميرها، أصبح قلة من الناس يزورون المستودع، ناهيك عن التجوال حوله.
كانت تعرف هذا المكان جيداً.
تسللت إلى مساحة ضيقة بين جدار المستودع وكومة مرتبة من الألواح الحجرية المكدسة خلفه، واستندت بظهرها على واحدة منها وأغمضت عينيها للحظة.
ثم نظرت إلى ظلها بغضب وهمست:
“مرحبًا!، ما كان ذاك؟!”
بقي ظلها صامتًا لفترة.
ثم أجاب بنبرة شاردة الذهن:
“هم؟، ما كان ماذا؟”
فتحت رَين فمها، فاقدة القدرة على الحديث للحظة.
“الدندنة!، لماذا بحق كنت تدندن قبل قليل؟”
خرج ظل ثانٍ من ظلها وخدش مؤخرة رأسه.
“…هل كنت أُدندن؟، أوه… عذرًا. لا بد أن السبب هو أنني في مزاج جيد حقًا.”
‘لقد فقد عقله تماماً!’
لم تكن رَين تعرف حتى ماذا تقول.
في تلك الأثناء، اتخذ معلمها شكلاً بشرياً، مستنداً على جدار المستودع المقابل لها. وبدا فعلاً في مزاج جيد بشكل غريب، مع ابتسامة خفيفة على شفتيه ونظرة ضائعة في عينيه.
لم تره رَين شخصيًا منذ فترة طويلة، ولذا كان لقاؤه مجدداً يدفئ قلبها، ولكنها حاولت الحفاظ على تعبير صارم.
لم يكن بإمكانه أن يكون مهملًا مرة أخرى!.
في تلك اللحظة، ألقى معلمها نظرة طويلة عليها.
“حسنًا. بما أننا هنا بالفعل، في الواقع أردت التحدث معكِ بشأن أمر ما.”
رفعت رَين حاجبها.
“حقاً؟، حسنًا… جيد.”
ابتسم.
“ماذا؟، هل اشتقتِ إليّ؟”
رفعت ذقنها قليلًا ونظرت إليه بازدراء.
“وكأنني سأفعل!”
…كانت تكذب. لقد اشتاقت إليه كثيراً في الواقع. فهما لم يلتقيا منذ وقت طويل، بعد كل شيء.
ضحك معلمها.
“يا للقسوة. إذاً لم تريدين رؤيتي حقاً…”
أطلق تنهيدة وهز رأسه بأسى.
“وها أنا ذا، متحمس جداً لأريكِ كل الذكريات الجديدة والرائعة التي صنعتها لكِ…”
لمعت عينا رَين. خطت خطوة إلى الأمام وأمسكت ذراعه، ونظرت إليه بنظرة مليئة بالولاء المطلق.
“معلمي!، تلميذتك اشتاقت إليك بشدة!، لقد عانى قلبي كثيراً لعدم قدرتي على رؤيتك لدرجة أنني لم أتمكن من النوم مطلقاً… فكنت أعدّ الأيام والساعات، وأجد العزاء في ذكرياتك ومدى لطفك وعظمتك…”
حدق فيها لثانية، ثم ضحك.
“هذا أفضل.”
ثم صمت.
انتظرت رَين لبضعة لحظات.
ولبضعة لحظات أخرى.
في النهاية، تحدثت:
“معلمي… ماذا عن تلك الذكريات؟”
ابتسم.
“بالتأكيد، سأعطيكِ إياها. ولكن… ليس هنا. هناك شيء آخر علينا فعله، لذا دعينا نذهب إلى مكان أكثر خصوصية!”
كانت رَين تريد أن تقول إنه لا يوجد فعلاً أماكن أكثر عزلة من هذا المكان في معسكر الجيش، وأن الخروج دون ملاحظة لن يكون سهلاً…
ولكن في تلك اللحظة، غاص معلمها في الظلال.
وسحبها معه.
وبعد لحظة، وجدت نفسها في مكان آخر، محاطة بالظلام ورائحة الأدغال الكثيفة والخانقة.
كان الأدغال القرمزية تمتد في كل مكان حولها. وهاجمت أنفها روائح لا حصر لها، وتعرضت أذنيها لهجوم لا يحصى من الأصوات. حفيف الأوراق، همهمة الحشرات البغيضة، وخطوات الوحوش المفترسة المروعة في البعيد…
كانوا في وسط الأدغال، محاطين بالظلام. وكان لهذا معنى واحد فقط…
اتسعت عينا رَين، وشعرت فجأة بالبرد. ووقف شعر جسدها.
“معلمي!، هل… هل أحضرتني إلى التجاويف؟!”
بالطبع، كانت تحافظ على صوتها هامساً وبالكاد يُسمع.
أومأ برأسه بهدوء، وكأن الأمر لا يستحق الذكر حتى.
“نعم. ولكن لا تقلقي… لا توجد مخلوقات كابوس ملعونة بالقرب من هنا. فقط العظماء.”
ارتجفت رَين.
‘أيها الوغد!، ماذا تعني بـ فقط العظماء؟!’
سحبها معه، وسار بين الأشجار العتيقة حتى وصلا إلى مساحة صغيرة مكشوفة. هناك… بطريقة ما… رأت كوخاً من الطوب مألوفاً.
كانت مذهولة لدرجة أنها لم تزعج نفسها بالتساؤل عمّا يفعله الكوخ في التجاويف.
هذه المرة، قادها إلى باب خلفي — كانت رَين واثقة من أنه لم يكن موجودًا آخر مرة رأت الكوخ، ولكنه الآن كان موجوداً بشكل لا يقبل الشك.
داخل الكوخ كان هناك حجرة واسعة مليئة بالظلام. وفي منتصف ذلك الظلام… كانت هناك كومة شاهقة من المواد.
كانت هناك قطع من العربات المحطمة، وأكوام من المواد الصوفية الثمينة، وأكياس من الدقيق والأرز، وصناديق مليئة بالسهام ذات رؤوس صُنعت من الفولاذ المسحور، وبراميل تحتوي على سوائل مجهولة، وألواح من الحجارة للبناء… وأكثر من ذلك بكثير.
وكان هناك رمز مألوف محفور على الصناديق الخشبية، أيضاً.
…شعار عشيرة سونغ الملكية.
تجمدت رَين في مكانها.
رفعت يدها المرتجفة وأشارت إلى كومة الإمدادات، وسألت بصوت خافت:
“معلمي… م-ما هذه؟”
ومع ذلك، كانت تعرف ما هي. كانت هذه قافلة الإمدادات الخاصة بجيش الأغنية… أو ما تبقى منها. نظر معلمها إلى الإمدادات ببساطة ورفع كتفيه بلا مبالاة.
“هذه؟، إنها الإمدادات المخصصة لجيش الأغنية، بالطبع.”
أومأت رَين.
‘صحيح.’
وكأن هذا يفسر شيئاً!.
كافحت للتحدث للحظة.
“ولكن ما الذي تفعله هنا؟”
تنهد معلمها.
“حسناً، أعتقدت أنه سيكون من العار إحراقها أو رميها في بحر الرماد. لذا استوليت عليها بدلاً من ذلك. آه، ولكن لا تخبري أحداً… رسمياً، كل هذه الإمدادات قد دُمرت…”
شعرت رَين كأنها على وشك فقدان صوابها. فأخذت نفساً عميقاً، ثم همست بصوت عالٍ:
“ولكن لماذا لديك هذه الإمدادات؟، كان لورد الظلال هو من هاجم القافلة!، ذاك الوغد المخيف!”
الوحش الذي لم تستطع حتى الأميرة ريفل التغلب عليه.
نظر إليها معلمها بتعبير مذهول.
ثم حك أنفه.
“…انتظري، ألم تكوني تعلمين؟”
ماذا كان من المفترض أن تعرفه؟، هزّت رَين رأسها بصمت.
سعل معلمها قليلاً.
“الأمر ببساطة… لأنني أنا لورد الظلال!”
لاحظ معلمها تعبير الدهشة الأخرق على وجهها، فابتسم بلطف.
“فكّري في الأمر… أي شخص سيدعي أنه لورد الظلال يكون بذلك يدعي أنه سيد عليّ. وحتى لو كان هناك أحمق مجنون بما يكفي لفعل شيء كهذا، لكنت على الأرجح أرسلته لزيارة عالم الظل بسرعة… لتأديبه…”
ترجمة آمون