عبد الظل - الفصل 1966
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1966 : الزهرة الهشة
مرة أخرى، شعر صني بلمسة نيف الرقيقة، ودفء لطيف يغمر جسده، مزيلًا كل آلامه.
كان الشعور بالراحة ملموسًا ومنعشًا، مما جعله مشوشًا للحظة قصيرة.
بالطبع، كان يعكر صفو هذا الشعور معرفته بأن الألم الذي تحرر منه كان على الأقل مساويًا، وربما أقل بكثير، من الألم الذي تحملته نيفيس من أجله بالمقابل.
بينما خفت الإشراق الناعم الذي يلف يديها وتلاشى، دعمت نيفيس التجسد ونظرت إلى السيد بلا شمس، الذي كان لا يزال جالسًا على الطاولة.
كان تعبيرها قاتمًا بغرابة للحظة، ثم تحول إلى الجدية.
“…لا مزيد من هذا الهراء.”
رفع صني حاجبه بحيرة.
“ماذا تعنين؟”
بقيت نيفيس صامتة للحظة، ثم تنهدت بعمق وأطلقت التجسد.
ربتت على كتفه، ثم نهضت من الأرض وعادت إلى كرسيها.
“هراء تجنيبي للألم.”
أخذت نيفيس كوبًا مليئًا بالنبيذ العطري، وشربت منه بعمق، ثم وضعته بعناية.
“لو كنت مصابة وأتألم أمامك مباشرة، وكان لديك القدرة على إيقاف معاناتي، هل كنت ستتردد في مساعدتي بسبب بضعة لحظات عابرة من الألم؟”
هز صني رأسه.
“لا. أعني… رؤية شخص أهتم به يعاني ستكون مؤلمة جدًا بالنسبة لي على أي حال.”
أومأت نيفيس ببطء.
“بالضبط. لذا، لا تتردد أبدًا في طلب مساعدتي… إذا شئت.”
لم يقل صني شيئًا لفترة. ثم طرد التجسد وابتسم بمكر.
“…هل هذه طريقتكِ الملتوية في القول بأنك تهتمين بي، سيدة نيفيس؟”
سخرت.
“بجدية… كيف ينتهي بي الحال محاطة بهؤلاء الأشخاص فقط؟”
تنهدت نيفيس وهزت رأسها باستسلام.
“كلاكما أنت وكاسي. فهي لديها عادة مزعجة في كبت الأمور، والمعاناة في صمت، والتعامل معي كما لو كنت زهرة هشة. شاهدتها تنطوي على نفسها لمدة أربع سنوات كاملة، دون أن تعترف بما كان خطأً…”
لمعت عينا صني.
كان يعلم أن كاسي ربما كانت تستمع جيدًا إلى هذه المحادثة، ولكنه لم يستطع تحمل إغراء مشاركة مظالمه مع ضحية أخرى لطبيعة العرافة العمياء المتحفظة.
“أليس كذلك؟، إنها شديدة السرية!، من سيفكر بعقلانية في الاحتفاظ بالكثير من الأشياء لنفسه؟، لسنوات!، وبـ معلومات بالغة الاهمية أيضًا!”
بالطبع، كان يعلم أن كاسي قد انعزلت على نفسها في السنوات الأربع الأخيرة لأنها ببساطة لم تستطع جعل نيفيس – أو أي أحد، حقًا، باستثناء صني نفسه – يتذكر ما كانت تريد قوله.
وكان يعلم أيضًا أن عادة كاسي في الاحتفاظ بالأسرار قريبة من قلبها بسبب صدمة مشاهدة رؤاها تتحقق كنبوءات مؤلمة بأبشع الطرق — وكان صني شخصيًا مسؤولًا عن ترسيخ هذه الصدمة في قلبها، بعد كل شيء.
ولكن مع ذلك. هل هناك من يمكنه أن يفوت فرصة الشكوى من صديق أخر له يعرفه جيدًا؟.
لمعت عينا نيف بحماسة.
“صحيح!، لم تخبرني حتى أنك لورد الظلال!، يا لها من خساسة!”
فتح صني فمه ليوافق، ثم أغلقه وسعل.
“حسنًا، هذا… كان خطأي، في الواقع…”
نظرت إليه نيفيس بملامح مروعة، ولكنها لم تستطع الحفاظ على ذلك طويلاً وضحكت.
“أوه، أعلم.”
ثم خفضت رأسها ونظرت إليه بنظرة فضولية.
بدا وكأنها أرادت أن تسأله شيئًا، ولكنها في النهاية لم تفعل.
فقط حينها أدرك صني أنه كشف أكثر مما أراد. فقد كانت كلماته تشير إلى أنه يعرف كاسي لفترة طويلة جدًا.
لابد أن نيفيس لاحظت ذلك، لكنها قررت البقاء صامتة.
في هذه المرحلة، كان عليها أن تعرف أن هناك صلةً غريبة بينهما. ولكن ربما بسبب الحديث الذي دار بينهما ذات مرة في باستيون، لم تضغط عليه ليكشف الحقيقة.
كان صني ممتنًا لذلك، لأنه كان يعلم أنه لن يكون قادرًا على الإجابة.
…ولكن في الوقت نفسه، كان يشعر بألم، لأنه كان يتمنى بشدة أن تسأله السؤال.
كان ذلك شيئًا غريبًا.
درست نيفيس وجهه قليلاً، ثم انحنت للخلف وأطلقت تنهيدة.
ثم رفعت حاجبها.
“إذًا… ما الأمر بشأن زيارة عالم الظل وتعرضك للسهام في القلب؟”
ضيّقت عينيها.
“…من تجرأ؟”
أمضى صني بعض الوقت في إخبار نيفيس عن الاختراق الذي حققه خلال معركته ضد ريفل، والتجارب التي أجراها لاحقًا، وزيارته القصيرة لعالم الظل.
استغرقت المحادثة وقتًا أطول مما توقع، لأنه كان عليه أن يكون حذرًا جدًا في كلماته. هناك أشياء يمكنه مشاركتها بحرية. وهناك أشياء كان عليه أن يبقيها غامضة لتجنب أن تنسى نيفيس كل ما قاله.
ورغم ذلك، في النهاية، فهمت معظم ما حدث.
ثم بدأ صني في التفاخر بالذكريات التي صنعها.
“…وهذه هي [القارورة الخضراء]. في جوهرها، إنها ذاكرة تخزين مكانية — ولكنها ليست ذاكرة بسيطة!، بالطبع، كان عليَّ أن أتحكم في وزنها أولاً وقبل كل شيء، مثل حقيبة الحجب. ولكن هذا ليس كل شيء. تمكنت أيضًا من نسج سحر يتيح لها تنقية الماء — بل يمكنها حتى إزالة الملح منه، وإن كان ببطء. والآن، هذا تسبب أخرى بمشكلة بحد ذاته — وهي كيف يمكن فصل الماء النقي والماء الملوث ونواتج التنقية، بما في ذلك الملح…”
لاحظ صني أن نيفيس كانت تنظر إليه بابتسامة مستمتعة، فتوقف.
“…ماذا؟”
هزّت نيفيس رأسها بخفة.
“لا شيء، صني. أنا فقط أرى جانبًا آخر من جوانبك العديدة. لا أعتقد أنني رأيتك متحمسًا هكذا من قبل.”
انزلقت نظرة صني إلى شفتيها، وبقيت هناك للحظة.
“أنا متأكد من أن هناك شيئًا آخر كنت أكثر حماسًا تجاهه.”
ضحكت نيفيس.
“أوه، نعم… شعرت بحماسك بوضوح تام…”
رمشت صني مرتين.
‘ما الذي يُفترض أن يعنيه ذلك؟’
ثم هز رأسه.
“حسنًا، أنتِ لستِ مخطئة. فنحن مختلفان، في نهاية المطاف.”
أمالت نيفيس رأسها قليلاً.
“مختلفان؟، كيف ذلك؟”
تردد صني للحظات، ناظرًا إلى القارورة المسحورة في يده. ثم قدم لها ابتسامة خافتة.
“لقد وُلدتِ في عائلة من المحاربين. وورثتِ فنون السيف من والدكِ، ويمثل حمل السيف شغفكِ ونداءكِ. أما أنا… فقد حملت السيف بدافع الضرورة فقط. وأصبحت جيدًا جدًا في استخدامه، صحيح. ولكن لو تُركت وحدي، كنت سأفضّل فعل شيء آخر. مثل إدارة متجر للذكريات، أو كتابة أبحاث أكاديمية، أو إدارة مطعم صغير.”
بدت نيفيس متفاجئة بكلماته.
“حقا؟”
مرة أخرى، بدا وكأنها أرادت أن تسأل أكثر، لكنها كتمت نفسها، شاعرة بأنه لن يجيب.
حاول صني تجاهل الصمت المحرج وأومأ برأسه.
“بالتأكيد. أنا لست شخصًا شجاعًا وفاضلًا بطبيعتي. إن كان هناك شيء، فطبيعتي الحقيقية نصفها جشع ونصفها استمتاع بالحياة. أوه، وهناك قليل من الحقد أيضًا.”
ابتسمت نيف بلطف.
“يبدو الأمر وكأنك أكثر تميزًا مما كنت أعتقد، إذن، يا سيد بلا شمس. لأنه يتطلب جهدًا أكبر بكثير لتصبح الشخص الذي أنت عليه الآن، بينما تتتعارض مع طبيعتك.”
تنهدت.
“هذا يجعلني أشعر بعدم الأمان بشأن مهارتي في فنون السيف. فبعد كل شيء، كما قلت، هو ليس فقط ندائي، بل إرثي أيضًا.”
تجمد صني للحظة عند سماع ذلك.
‘صحيح.’
إرثها…
أراد قضاء المزيد من الوقت مع نيفيس، ولكن كان هناك شيء أهم من لم شملهما.
تردد صني قليلًا، ثم صرف [القارورة الخضراء] وقال بتردد:
“بشأن هذا… أعتقد أنه يجب أن تتحدثي إلى كاسي قريبًا. فقد اكتشفنا شيئًا مهمًا. وأيضًا شيئًا قد يكون ذا قيمة كبيرة لكِ، ولكِ وحدك.”
ترجمة آمون