عبد الظل - الفصل 1940
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1940 : الجانب القبيح
لم تذهب ثقة أوروم سدى. في النهاية، نجحوا في عبور كل المساحة المستكشفة من عالم الأحلام أحياءً، حتى لو استغرقهم الأمر عدة أشهر.
كانت الرحلة مروعة ومليئةً برائحة الدماء، ومع ذلك، لم يضطرا هو والصغيرة كي لتحملها دون توقف. تنقلوا من قلعة إلى آخرى، متحركين ببطء نحو الشمال، ويأخذون استراحات عند وصولهم إلى معقل بشري جديد.
أحيانًا كانوا يبقون في القلعة، يستمتعون بكرم الضيافة المحلي للسكان، ويضمدون جراحهم ويستعيدون طاقتهم. وأحيانًا كانوا يستخدمون البوابات للعودة إلى عالم اليقظة، ويخرجون من كبسولات النوم، ويتركون عقولهم وأرواحهم المتعبة تستريح بالاستمتاع بعروض العصر الحديث الفاخرة.
خلال الرحلة، كان على أوروم إعادة تقييم رأيه في الأراضي البشرية الغربية في عالم الأحلام. نعم، كانت أقل حيوية وسكانًا من المقاطعات الشرقية، ولكن ما زال هناك عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين يستخدمون القلاع المنعزلة كملاذ مما توقع.
وكان ذلك منطقيًا، في نهاية الأمر. فقد كان عدد المستيقظين في العالم يتزايد كل عام، ولم يعد قابلًا للمقارنة بالأيام الأولى لتعويذة الكابوس التي يتذكرها.
في ذلك الوقت، كان عالم الأحلام غريبًا ومخيفًا، وكان لقاء بشري واحد فيه يُعتبر نعمة. ولكن الآن، كانت هناك مجتمعات بأكملها يعيش فيها مئات أو حتى آلاف المستيقظين. والكثير من هؤلاء المستيقظين لم يكونوا مضطرين حتى للقتال من أجل حياتهم كل يوم، بل يقدمون خدمات قيمة للمحاربين أو يعملون على صيانة وتحسين القلاع — حتى في الغرب.
كانت بعض القلاع هنا صغيرة وتتعرض للهجوم المستمر من الرجسات، ولكن كانت البعض الآخرى تشبه بلدات صغيرة، بجيوش قوية ولوردات أقوياء يقودون الناس نحو، إن لم يكن الازدهار، فعلى الأقل الاستقرار. الشيء الوحيد الذي كان مفقودًا هو شخص مثل واردين — شخص قوي بما يكفي ومؤثر بما يكفي لتوحيد المجموعات المتفرقة من المستيقظين المكافحين وبناء روابط بين معاقلهم، مما يسمح للبشر بالتعاون ودعم بعضهم البعض.
كانت الصغيرة كي تمتص حقيقة هذه الأرض الوحشية كالإسفنجة، وتراقب حياة المستيقظين المحليين بعينيها الجديتان والقاتمتين. لم تكن تتحدث كثيرًا، ولكن كلما اتجهوا شمالًا، كلما زاد شعور عينيها بالعزم.
وفي النهاية، اجتازوا سهول نهر القمر وظهرت لهم الجبال حيث تقف قلعة والدتها.
في ذلك اليوم، نظر أوروم إلى السماء ورأى رقائق داكنة من الرماد تتساقط منها كالثلج.
توقف قليلاً، ثم تنهد ونظر إلى الشابة الصامتة بجانبه.
في هذه الأشهر التي قضوها معًا، نمت الصغيرة كي من مبتدئة مستيقظة حديثة إلى محاربة متمرسة. ازدهرت الأساسات الممتازة للتقنيات القتالية التي علمتها إياها قلب الغراب، وأصبحت مهارة حقيقية. وقد صقلت تلك المهارة من خلال معارك لا حصر لها مع مخلوقات الكابوس، وخضعت شخصيتها لتغيير طفيف، مما منحها مزيدًا من الثقة.
كانت نواة روحها أيضًا أكثر قوة الآن، مدعومة بمئات شظايا الروح. وكما أنها حصلت على العديد من الذكريات، ولم تعد المستيقظة المُجرَدة التي كانت عليها بعد سرقة إرثها من قبل أشخاص عديمي الضمير.
ومع ذلك…
لم يُعلّمها أوروم الدرس الأهم. الدرس الذي كان مترددًا في تعليمه لابنة صديقه الميت وراعيته، لكنه كان مضطرًا لذلك.
لا مكان للسذاجة والبراءة في عالم الأحلام.
تنهد.
“الصغيرة كي… سنصل إلى قصر اليشم قريبًا.”
أومأت، ثم ابتسمت قليلاً.
كانت ابتسامتها تبدو قاتمة قليلاً مع الرماد المتطاير حول وجهها الشاحب.
“أخيرًا.”
تردد أوروم للحظة.
“…ماذا تعتقدين أنه سيحدث عندما نصل؟، عندما وعد هؤلاء الناس بالتنازل عن مطالبتهم بقلعة والدتكِ، لم يكونوا بالضرورة صادقين… أنتِ تعلمين ذلك، أليس كذلك؟”
حدقت الشابة فيه بصمت، وكأنها لا تفهم السؤال.
ضغط على شفتيه.
“لقد أصبحتِ جيدة جدًا في قتال مخلوقات الكابوس، أيتها الصغيرة كي. وقمتِ بعمل رائع في النجاة حتى الآن. ولكن عليكِ أن تدركي شيئًا مهمًا… هنا في عالم الأحلام، الرجسات ليست الخطر الوحيد. يمكن للبشر أن يكونوا خطيرين مثل الرجسات، ويمكن أن يكونوا بنفس القدر من الوحشية. هل تفهمين ما أحاول قوله؟”
كان أوروم قد نضج في الفوضى أعقاب نزول تعويذة الكابوس، ولذلك كان يعرف جيدًا مدى بشاعة البشر وخستهم. أما الصغيرة كي، فقد نشأت في عالم تم فيه تحقيق قدر من الاستقرار النسبي — ولم تُتح لها الفرصة بعد لمشاهدة الجانب القبيح من البشرية.
وهو ما كان رحمة، من وجهة نظره.
فكرت الشابة في سؤاله لفترة، ثم أمالت رأسها قليلاً، وما زالت الحيرة واضحة في عينيها.
“بالطبع، أفهم.”
توقفت للحظة، ثم أضافت ببساطة:
“فأنا بشرية أيضًا.”
تنهد أوروم، ثم أومأ وتوجه غربًا.
“حسنًا. دعينا ننهي هذه الرحلة المروعة، إذًا.”
عبروا سهول نهر القمر وتسلقوا الجبال، وفي النهاية ظهر أمامهم جسر حجري هائل. وعلى الجانب الآخر منه، وقف قصرٌ جميل بدا وكأنه منحوت من السج، يحيط به سحاب من الرماد المتطاير.
هنا عاشت قلب الغراب، وقاتلت، وماتت.
كانت المناظر الطبيعية الكئيبة والجميلة، تمامًا مثلما كانت في ذهن أوروم.
ارتجف من البرد واتخذ خطوة للأمام.
“علينا عبور الجسر بأسرع ما يمكن.”
تبعته الصغيرة كي. وعندما وطأت أقدامهم الجسر وساروا عليه، مكافحين ضد الرياح العاتية، قالت فجأة:
“عمي أوري…”
نظر إليها بنظرة عابرة.
بقيت الشابة صامتة لبضعة لحظات، ثم قالت بهدوء:
“مهما حدث بمجرد أن نصل إلى القلعة، لا تتدخل. عليّ أن أتعامل مع الأمر بنفسي. عدني بذلك.”
تردد أوروم، ولكنه في النهاية أومأ.
“حسنًا. لن أفعل شيئًا.”
‘إلا إذا كنتِ في خطر.’
نظرت الشابة إلى القصر الداكن البعيد، والعزيمة الباردة تشتعل في عينيها.
فجأة، شعر أوروم بشعور مريب يقتحم قلبه.
لم يستطع تفسيره تمامًا، ولكنه أصبح متوترًا على أي حال.
ترجمة أمون