عبد الظل - الفصل 1921
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1921 : جزء من الأساطير
هناك، أمامهم، انقسمت الأدغال كاشفةً عن مساحة شاسعة من العظام البيضاء. كانت مغمورة بالمياه تقريبًا، ولكن كانت المياه ضحلةً لدرجة أنها بالكاد تصل إلى سيقان البشر. والأكثر إثارة للدهشة، أن الفضاء المغمور كان خالياً تماماً من العدوى القرمزية — ولم يكن هناك أشجار، ولا كروم، ولا عشب، ولا طحالب…
وكأن الأدغال القديمة كانت تخشى الاقتراب أكثر من التلة المظلمة التي تعلو في قلب هذه المساحة الخاوية، مرتدةً عنها ومذعورة.
أما التلة نفسها فكانت شاهقة وغريبة الشكل، منحدراتها داكنة وقاحلة. من وقت لآخر، كانت تموجات غريبة تنبعث منها عبر المياه الضحلة، لتصل حتى حافة الأدغال. وكأن شيئاً هائلاً كان يتنفس في مكان ما خلف التلة، ووزن أنفاسه الثقيل يتردد صداه في العظام القديمة.
لم تكن رَين وفوجها على مسافة بعيدة من الشجرة الساقطة التي وقفت عليها السيدة سيشان، ولذا تمكنت رَين من رؤية ملامحها بوضوح.
في تلك اللحظة، التفتت القديسة الملكية، ناظرةً إلى أختها من الارتفاع الشاهق لجذع الشجرة القديم.
واقفة فوق حشود الفيلق السابع المتهالكة، بدت مثل سامية شريرة. كان جمالها غير البشري يخطف الأنفاس ويبعث على القشعريرة في آنٍ واحد — بدت الأميرة سيشان غريبة بشكل خفي بسبب بشرتها الرمادية الحريرية، وكان النصف السفلي من وجهها الجميل ملوثاً بالدم القرمزي، وكأنها كانت تمزق مخلوقات الكابوس العظيمة بأسنانها.
بدت كروح شريرة استُدعيت إلى العالم عبر تضحية دموية عظيمة.
… ورغم ذلك، شعرت رَين بالهدوء يغمرها عند رؤية الأميرة الرشيقة. غمر قلبها شعور مريح من الطمأنينة، وتلاشت مخاوفها.
كان الإحساس بالسلام والأمان مثل نسمة هواء منعشة في حرارة هذا الجحيم القاتم والمروع.
ومع ذلك، شعرت رَين باضطراب غريب.
لأنه، بالنسبة لها… لم يكن هذا الشعور بالهدوء يشبه الهدوء الشافي. بل كان أشبه بالاسترخاء الوهمي الذي يغرسه المفترسون القاتلون في فرائسهم قبل أن يغرسوا أنيابهم في لحم الضحية.
‘ومع ذلك، هذا المفترس في صفنا. هذا أمر جيد… أليس كذلك؟’
وفي تلك الأثناء، تحدثت السيدة سيشان إلى أختها بصوت لطيف وناعم:
“بماذا تشعرين، هيل؟”
ارتجفت مغنية الموت، التي كانت متكئة على الشجرة الساقطة برأسها المنحني، ونظرت إلى الأعلى. انزلق غطاء رأسها، كاشفاً عن شعرها الحلو ووجهها الجميل.
ولكن في تلك اللحظة، كان وجهها مشوهاً بتعبير مروع. كانت عيناها الجميلتان واسعتين، ومليئتين بالخوف.
“الموت… الموت قادم!، ستسيل دماؤنا مثل الأنهار، وسيتعفن لحمنا ويُنتَن، وستلتهم الغربان الجائعة أعيننا، وستصبح أحشاؤنا وليمة للديدان!، لن يكون هناك أمل، لا مهرب، ولا راحة، ولا خلاص… الموت قادم!، إنه هنا!”
عند سماع تلك النبوءة الفظيعة، ارتجفت رَين. حتى تمار قد شحبت، مشددةً قبضتها على مقبض سيفها الضخم بإحكام.
ولكن بدت السيدة سيشان غير متأثرة. ابتسمت وهزت رأسها بصبر.
“نعم، نعم. كنتِ تقولين ذلك منذ كنا في دار الأيتام. أنا متأكدة أننا سنموت يومًا ما، أنتِ وأنا… ولكن ماذا عن الآن؟، بماذا تشعرين الآن؟”
حدقت مغنية الموت في أختها لبضعة لحظات، وبدا وجهها قناعًا من الرعب. ثم فجأة، زفرت وهزت رأسها.
“آه، ذلك. حسنًا…”
عبست الأميرة الصغيرة وحكت مؤخرة رأسها بارتباك. وبعد لحظة، قالت بنبرة عفوية:
“أنه شيطان عظيم، على ما أعتقد.”
كانت مغنية الموت غير مكترثة، ولكن كل جندي سمعها ارتجف.
وكذلك فعلت رَين.
‘جنون… هذا جنون!’
ما الذي تفعله هنا، في منطقة الموت، وهي تسمع عن الشياطين العظيمة؟، كانت مخلوقات الكابوس العظيمة شيئاً يعرف البشر بوجوده نظريًا، ولكنهم لم يكونوا مفترضين أن يواجهوها أبدًا. كانت هذه الأشياء جزءاً من الأساطير — نوع الأساطير التي كانت مخيفة جداً لدرجة لا تُروى في الظلام. كانت الرجسات العظيمة مرادفاً للموت قبل أن تُولَد رَين…
كانت المناطق في عالم الأحلام التي يعيشون فيها تُدعى مناطق الموت لسبب وجيه!.
ولكن الآن، القواعد والقوانين التي بدت غير قابلة للتغيير كانت تتغير بسرعة. كان هناك بشر فائقين في العالم، وأشخاص مثل رَين وجدوا أنفسهم فجأة يصطدمون بمخلوقات الكابوس العظيمة.
رأت بالفعل عددًا منها ميتة في الأدغال، ورأت لمحات من أخرى وهي تعيث فسادًا في أسراب الرجسات الأضعف.
ولكن على الأقل كانت تلك المخلوقات المروعة مجرد وحوش ومسوخ.
أما الشيطان… فالشيطان كانوا نوعًا مختلفًا تمامًا.
لأن الشياطين كانوا أذكياء، وكانوا يملكون إرادة خبيثة خاصة بهم.
‘اللـ… اللعنة…’
من بين الجميع، كانت السيدة سيشان الوحيدة التي بقيت هادئة.
استدارت بوجهها الملطخ بالدماء لتنظر مرة أخرى إلى التلة البعيدة، وبقيت صامتة لبضعة لحظات، ثم هزت رأسها.
“إذاً هو كذلك. حسنًا إذن… محاربو جيش الأغنية، استمعوا لأوامري!”
تحرك فستانها القرمزي مع الرياح وهي تتحدث بصوت عذب:
“حصنوا هذا الموقع واصمدوا. هيل، سيورد، سيريس — معي!، سنغزو هذه القلعة… باسم الملكة!”
تنهدت مغنية الموت مرة أخرى، وقامت بتعديل عباءتها الداكنة، ثم قفزت على الشجرة الساقطة. وفي نفس الوقت، قفزت السيدة سيشان إلى الأسفل — كان الجذع يبلغ ارتفاعه عدة أمتار حتى وهو مستلقٍ على جانبه، لذلك لم ترَ رَين لحظة هبوطها في الماء الضحل، ولكنها سمعت صوت ارتطام الماء.
بعد لحظات، انضم قديسان إلى بنات كي سونغ عند حافة المساحة الخالية — أحدهما كانت الهاربي الجميلة التي رَأتها رَين من قبل، والآخر كان الكلب ذو الرؤوس الثلاثة.
من معرفتها، كان كلاهما من أحفاد عشائر الإرث الأقل شأنًا، مثل تمار، وقد بلغا التسامي مع السيدة سيشان كأعضاء في فوجها.
وسرعان ما اختفى الأربعة القديسون في اتجاه التلة البعيدة.
وبعد لحظات قليلة…
بدأت التلة تتحرك فجأة، ببطء وهي تفرد أطرافها الهائلة.
حدقت رَين فيها برعب للحظة، ثم أجبرت نفسها على إبعاد نظرها وخفضت عينيها.
كما اتضح… لم يكن الشيطان العظيم مختبئًا خلف التلة. بل كانت التلة نفسها — وحشًا هائلًا كان نائمًا في وسط المساحة الشاسعة، والآن استيقظ على رائحة الأرواح المتسامية.
أخذت رَين نفسًا مرتجفًا وفكرت في القديسين الأربعة الشجعان.
‘…لعل سَّامِيّ الوحوش يساعدهم من خلف قبره.’
بدا أن عشيرة سونغ تربطها علاقة وثيقة بالوحوش والصيد، لذلك اعتقدت أن هذه الصلاة ستكون مناسبة.
فكرت رَين في الصلاة من أجل نفسها أيضًا.
كانت متأكدة تمامًا أنه إذا فشلت السيدة سيشان في غزو القلعة وهلكت، فإن باقي القوة الاستكشافية ستهلك كذلك.
‘حسنًا إذن…’
على الأقل كان لديها سَّامِيّها المظلم الشخصي لتصلي له.
-المؤلف- فصل واحد اليوم، ثلاثة غدا.
ترجمة امون