عبد الظل - الفصل 1915
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1915 : التوازن المكسور
اندفع رجس بشع نحو جندي يصرخ، ولكن اخترق سهمٌ عينه وأطاح به أرضًا. وبينما تدحرج الوحش الضخم على الطحلب الأحمر، تسلق وحش آخر فوق جثته الميتة.
“امسكوه!”
تراجعت رَين خطوة مرتجفة إلى الخلف، واضعةً سهمًا اخر على الوتر. وبينما كانت تشد عضلاتها لتسحب قوس فريسة الوحش، انطلق اثنان من محاربي الفيلق السابع المستيقظين إلى الأمام، وأمسكوا بالجندي، وجرّوه نحو الكتيبة المتداعية.
كان الرجل قد فقد ساقيه وينزف بغزارة، بينما غطت صرخاته الفظيعة أصوات المعركة المروعة. كان على وشك النزيف حتى الموت تقريبًا – لولا فلور، التي سمح لها جانبها بوقف النزيف وتسريع الشفاء.
ألقوا الجندي المحتضر خلف الخط المتراخي للطلائع القتالية، وسقطت فلور على ركبتيها بجانبه على الفور، ممددة يديها الملطختين بالدماء لعلاج جروحه الفظيعة.
كانت الفتاة الرقيقة قد فقدت مظهرها المعتاد اللطيف وبريقها، وبدت جادة ومنهكة. كان ثوبها الحريري الجميل ملطخًا بالدماء، وشعرها الأحمر مبللًا بالعرق. وكانت تصر على أسنانها، مما جعل وجهها الفاتح يبدو أكثر شحوبًا.
لم يكن لدى رَين وقت لرؤية ما إذا كانت صديقتها بخير. فبالكاد تمكنت من التصويب قبل أن تطلق الوتر، ثم تعثرت خطوة أخرى إلى الخلف.
وفي كل مكان حولهم، كانت القوة الأستكشافية لجيش الأغنية تغرق في موجة لا تنتهي على ما يبدو من الرجسات. ولم يكن هناك نهاية لهم، كانت الجثث البشعة تتراكم، مكونة جدارًا مروعًا حول الفيلق البشري الذي يقاوم بعناد.
على الأقل، ابطأهم هذا الجدار من اللحم النازف لمخلوقات الكابوس. كانت المعركة هائلة بشكل لا يمكن تصوره. وكان هناك عدد لا يحصى من المحاربين المستيقظين، وأكثر من ألف سيد، وثلاثة وعشرون قديسًا يقاتلون أسراب مخلوقات الكابوس الهائجة تحت توهج السماء الغارقة بالغيوم.
اهتزت الأرض تحتهم، وتشبع الهواء برائحة الدماء التي لا تُطاق من حولهم، احترقت الأدغال البشعة المحيطة بهم، وأرتفعت أعمدة سوداء من الدخان فوق ساحة المعركة الفوضوية.
كانت تمار وراي في المقدمة، يصمدون في وجه سيل مخلوقات الكابوس كجزء من الخط الأول. كانت رَين تستخدم قوسها المسحور ومهاراتها الرائعة في الرماية لدعمهما، بينما كانت فلور تؤدي دور الطبيبة الميدانية.
كان الوضع خطيرًا.
كانت القوة الاستكشافية بقيادة السيدة سيشان قد قطعت كل الطريق عبر سهل الترقوة، ووصلت إلى الشق العظيم الذي يؤدي إلى محيط القلعة المفترضة. كانت المسيرة كابوسًا محمومًا من المعارك الدامية والمذابح المروعة، ولكنهم وصلوا إلى وجهتهم بسهولة نسبية.
تم دفع الأدغال إلى الخلف وحرقها، وتم القضاء على سكانها. تم تشييد سلسلة من الحصون المحصنة على طول الطريق، محيطة بالشقوق الأصغر في سهل العظام، وكانت حامياتها مكلفة بصد العدوى القرمزية.
بدأ الجنود يعتادون على التهديد المميت الذي تمثله السماء، ولذلك أصبح عدد أقل منهم يفقدون حياتهم عندما ينقشع حجاب السُحُب. كما كان الأبطال المتسامون من نطاق الأغنية يتعلمون كيفية التعامل مع العدوى القرمزية بشكل أفضل أيضًا.
كان الشق العظيم خلفهم الآن، شاسعًا مثل وادٍ، بأوتار قرمزية بارزةً منه مثل تلالٍ منتفخة. وكانت التجاويف المروعة بعيدةً في الأعماق السحيقة، تكتظ بالأهوال القديمة ومخلوقات الكابوس الشرسة لدرجة أن حتى القديسين لم يكونوا في مأمن من أنيابها ومخالبها…
كان المخطط أن يقيم الجيش معسكرًا بالقرب من حافة الشق بينما تغامر قوات الغزو النخبة في ظلام التجاويف لقهر القلعة. ولكن للأسف، حدث تعقيد في ذلك المخطط.
ذلك لأن حشدًا هائلًا وغير مفهوم من مخلوقات الكابوس ظهر فجأة من الأدغال واندفع نحو القوة الاستكشافية مثل مدٍ جارف، مهددًا بابتلاع الجيش بأكمله.
لم يكن أحد يعرف من أين أتت هذه الرجسات بهذا العدد الكبير ولماذا. ولكن بالنظر إلى الخلف، كان ظهورها منطقيًا – فـقبر السَّامِيّ لم يكن مجرد مكان، بل كان أيضًا نظامًا بيئيًا غريبًا وغامضًا. وكان كل شيء هنا متصلًا.
عندما بدأ جيش السيف حملته لغزو سهل الترقوة من الشرق، دمروا وأحرقوا مساحات شاسعة من الأدغال القرمزية. وأخلّ تقدمهم بتوازن النظام البيئي، مما دفع عددًا لا يحصى من مخلوقات الكابوس نحو الغرب – والذي بدوره أجبر المزيد من الرجسات على التحرك، مكونًا تدفقًا مرعبًا من الوحوش.
كان الجيش الذي تقوده السيدة سيشان الآن مهددًا بالدفن تحت هذا الانهيار الوحشي.
كانت الأسباب وتوقيتها مميتة ونحسًا بالنسبة لمحاربي الأغنية لدرجة أن رَين لم تستطع إلا أن تعتقد أن الشخص المسؤول عن جيش السيف قد عرف بطريقة ما أن هذا سيحدث، وتسبب به عن عمد. كم يجب أن يكون المرء خبيثًا ليستغل الفوضى المطلقة لمصلحته؟.
على أية حال، كان جيش الأغنية محاصرًا الآن، مع ظهورهم مضغوطة على حافة الشق العظيم، ولا يوجد مكان للتراجع ولا خيار سوى القتال.
وهذا ما كانوا يفعلونه لساعات طويلة، يقتلون عددًا لا يحصى من الرجسات… ومع ذلك، لم يكن هناك نهاية لها.
والأسوأ من ذلك، أن مخلوقات الكابوس المروعة كانت تتسلق من التجاويف لتهاجم الجزء الخلفي من التشكيل القتالي أيضًا — كل منها أقوى بكثير من تلك التي تهاجم من الأمام. وبسبب ذلك، انقسم تركيز قديسي الأغنية، وتلقى الخط الأمامي دعمًا أقل بكثير مما يحتاجه من الأبطال المتسامين.
كانت السيدة سيشان في الخلف أيضًا، تمسك بالمفترسات القديمة للتجاويف بينما كان جيشها يتم ابتلاعه ببطء بواسطة هذا السيل من مخلوقات الكابوس. كان الفيلق السابع يُقاد حاليًا من قبل حاشيتها الشخصية، أخوات الدم.
وفي اللحظة التي كانت رَين تفكر في ذلك، ظهرت واحدة منهن في الأفق.
انقض شبح سريع لامرأة جميلة ذات قوام رشيق من مكان ما من الأعلى، وغاص في حشد مخلوقات الكابوس مثل بقعة من اللون الأحمر. وتدفقت الدماء مثل الأنهار، ورفرف ثوبها القرمزي بينما كانت تشق طريقها عبر سيل الرجسات، ممزقةً إياهم بيدين بدتا عاريتين.
ورغم أن أخوات الدم كنّ مجرد سيدات، إلا أن كل واحدة منهن كانت تساوي فوجًا من الصاعدين في المعركة. ومع انضمام هذه المرأة وحدها إلى المعركة، خف الضغط على جزء رَين من الخط الأمامي بشكل كبير، وتمكنت أخيرًا من التقاط أنفاسها.
‘آه… أنا متعبة…’
كانت أخوات الدم باردات وغير قابلات للوصول، وعادةً ما يكن منعزلات، مما جعلهن يبدون غامضات بعض الشيء. ولهذا، كانت هناك العديد من الشائعات الغريبة التي تحوم حولهن — ولكن رَين لم تكن تهتم بتلك الشائعات مطلقًا.
بالنسبة لها، كانت هؤلاء الأخوات الأكبر سنًا مثالًا للأناقة والبرودة. وفي تلك اللحظة بالتحديد، كانت مستعدة للركوع لتقديم التبجيل لهن وتقديم الثناء اللامتناهي.
مستغلة فترة الهدوء المؤقتة في هجوم الرجسات، تحركت ببطء نحو فلور وربتت على كتف الفتاة الرقيقة.
‘فلور… أعيدي شحن طاقتي، من فضلكِ…’
حتى لياقتها التي تبدو لا تنفد كمستيقظة كانت تُختبر بشدة بفعل المطالب المرهقة لهذه المعركة. بينما كانت قدرة فلور الخاملة يمكن أن تخفف من التعب.
وهذا كان بالضبط ما تحتاجه رَين بعد أن سحبت وتر قوسها المسحور والثقيل مرات عديدة.
نظرت إليها فلور، وأجبرت نفسها على الابتسام، ورفعت يدها.
في اللحظة التالية، شعرت رَين كما لو أنها استنشقت نفس ثانٍ. بالطبع، كان الأمر أشبه بنفس سادس أو سابع بالفعل… على أي حال، شعرت بجسدها منتعشًا، وامتلأت أطرافها بالقوة الجديدة.
ابتسمت لها.
“شكرًا.”
ثم وضعت سهمًا آخر على الوتر وسحبت القوس مرة أخرى، باحثةً بسرعة عن فريسة جديدة. كانت قد جرحت وشلت وقتلت العديد من مخلوقات الكابوس بالفعل…
ولكن ما أرعبها هو أنه بغض النظر عن عدد ما قتلوا منهم، لم يكن يبدو أن هناك أي نقص في هذه المخلوقات الفظيعة التي لا تزال تتوق لتذوق دمائهم…
ترجمة أمون