عبد الظل - الفصل 1893
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1893 : طفلة الظلام
ارتجف المعبد الموجود في وسط البحيرة المظلمة، وفي لحظة، أضاء شفق التجاويف الباهت بوميض بارد ومبهر.
انطلقت تيارات قوية من اللهب الأزرق الشبحية من النوافذ مُفرِطة النمو في الطابق العلوي من القلعة، ممتدة عشرات الأمتار في كل الاتجاهات مثل أشعة نجم ناري. تحولت الكروم والأغصان التي تغطي فتحات الرماة إلى رماد في الحال.
وللحظة عابرة، بدا العالم مجمدًا. ثم ظهرت شبكة من الشقوق المبهرة على الجدران القديمة، واختفى الجزء العلوي من القلعة في وهج هائل من الانفجار المدمر.
تفتحت زهرة ضخمة من اللهب الأزرق فوق البحيرة المظلمة. وتطايرت شظايا مشتعلة في كل الاتجاهات كالشظايا المعدنية، ودوى رعد مدوٍ عبر المياه المتلاطمة كصوتٍ هديرٍ. ومال برج القلعة الضخم ببطء، منهارًا في ألسنة اللهب، ثم سقط من ارتفاع شاهق.
ومع صعود كتلة اللهب المتصاعدة إلى الهواء، اشتعلت الأشجار والكروم المتغلغلة في الطوابق العليا المدمرة للقلعة. والتهمت النيران هذه الأشجار بشراهة، وانتشرت بسرعة إلى الأسفل.
في الأسفل، كانت القديسة تقف ثابتة بينما اهتزت بنية القلعة بأكملها. وأمامها، كانت قاتلة النور مغلفةً بدوامة من الظلام— وكان جسدها الرشيق مخفيًا داخل هذا السيل المظلم، وكأنها قد اندمجت معه.
ثم، تحرك شيء ما في الظلام.
تشكل الظلام فجأة، واضطرت القديسة إلى رفع رأسها للنظر إلى عدوها في عينيه.
حافظت ريفل على معظم ملامحها البشرية… وفقط جمالها من أصبح أكثر جاذبية. و إزداد طولها، حتى بلغ ما يقارب الأربعة أمتار. وبدا أن شعرها الأسود الغرابي قد نما أطول، وظهرت قرونٌ من السج منحوتة قليلاً على رأسها.
ونمى جناحان سوداوان، أشبه بجناحي الخفاش، من ظهرها، كل منهما مزين بشوكة حادة من حجر السج.
مع بشرتها العاجية الخالية من العيوب وعينيها المظلمتين، بدت كأنها شيطانة جميلة من الظلام… أو ربما ملاك ساقط.
في لحظة لاحقة، ومضت نظرتها المنومة بحدة مفاجئة، وانطلقت إلى الأمام. وازداد الصابر حجمًا أيضًا، متحولًا إلى ما يشبه الأوداتشي — أو ما يعادل الأوداتشي بالنسبة للسيف.
كان انعكاسها مغلفًا أيضًا بدوامة من الظلام.
اندفعت القديسة بصمت لمواجهة الهجوم.
اصطدم سيف ريفل بترسها، وكاد أن يجعل ذراعها تنثني تحت قوته. تحملت الفارسة الصامتة القوة المرعبة للضربة بعناد، ولكن كانت القوة المروعة كافية لتجعلها تتراجع بضعة خطوات. وفي نفس اللحظة، انطلق أحد جناحي ريفل إلى الأمام مثل ذيل عقرب، وومضت شوكة السج الحادة — أو ربما مخلب — فوق حافة الدرع الدائري، مخترقةً درع القديسة وصدرها.
لم يكن من السهل اختراق درع العقيق الخاص بالعالم السفلي، ولكن جناح قاتلة النور اخترقه بسهولة.
تراجع الجناح بالسرعة التي هاجم بها، مما حال دون أن تتمكن القديسة من قطعه بسيفها. ولكن كان الجناح الآخر قد بدأ بالانخفاض بالفعل ليطعنها من الجانب الآخر…
تدفق تيار من غبار الياقوت من الجرح المروع على صدرها، مما أدى إلى طلاء درع العقيق باللون الأحمر.
حركت القديسة ترسها بهدوء لصد شوكة السج. دفعتها الضربة مرة أخرى، وفي جزء من الثانية، نشرت ريفل جناحها الأول مع تراجع، لتضربه بحده على الظل.
كان حد جناحها أكثر حدة من السيف. صدته القديسة بسيفها، ولكنه ترك خدشًا عميقًا على قفازها الحديدي.
وكان سيف ريفل في الهواء بالفعل، متجهًا نحو فتحات خوذتها. كانت قدرتها على استخدام سلاحها وأجنحتها لخلق سيل سلس من الهجمات المرعبة غريبة ومثيرة للإعجاب، وأنيقة مثل رقصة وقاتلة مثل حضن الموت نفسه. تدفقت كل حركة بسلاسة إلى أخرى، مما يخلق عرضًا مظلمًا ومروعًا.
وخلفهم، كان الانعكاس قد أنهى تحوله بالفعل.
هاجمت المخلوقات الشيطانية القديسة في نفس الوقت، مطلقة هجومًا شرسًا كان ليبيد أي طاغوت متسامي آخر في لحظة.
ولكن الفارسة الحجرية الرشيقة التي تواجههم لم تكن مجرد طاغوتٍ عادي. كانت واحدة من القديسين الحجريين، أبناء العالم السفلي. وبفضل نعمة الظلال، كانت مرعبة للغاية لدرجة أنه لا يمكن هزيمتها بسهولة.
وفوق ذلك، في حين أن جانب ريفل كان يتصادم مع جانب سيدها، كانت القديسة نفسها تزدهر في الظلام العنصري الذي استدعته أميرة سونغ.
سرعان ما دُمّرت القاعة المظلمة بإعصارٍ من العقيق والفولاذ. وتحركت المخلوقات الثلاثة القوية في معركة قاتلة تحت السقف المنهار للغرفة القديمة بسرعة مذهلة، وكانت شدة قتالهم عظيمة لدرجة أن الخشب السحري المحيط بهم تأوه وارتجف، وكأن الظلام نفسه قد أرتجف خوفًا.
بقيت القديسة باردة وغير مبالية كعادتها، وعيونها الياقوتية تلمع بلهيبٍ قرمزي. وصمد ترسها المهترئ أمام ضربات لا حصر لها، وتذوق نصلها الداكن دم العدو في عدة مناسبات.
للأسف، كانت كل الجروح التي تمكنت من تسديدها إلى ريفل وانعكاسها سطحية وغير مهمة.
في المقابل، كان درعها الخاص ممزقًا بشكل مروع، مثقوبًا في عشرات الأماكن، وملطخًا بالغبار الياقوتي.
ومع ذلك، محاطة بالظلام الحقيقي، لم تكن القديسة لتستسلم لتلك الجروح المروعة. بل كانت تتعافى بسرعة مذهلة. كان الجرح العميق في صدرها قد أُغلق بالفعل، والباقي لم يكن بعيدًا عن الشفاء.
ومع ذلك… لم يكن بإمكانها الاستمرار على هذا المنوال لفترة طويلة. رغم البطء، كان أعداؤها يكتسبون التفوق. وكلما استمرت المعركة، كلما ضعفت، وزادت أفضلية أعدائها.
بدأت القاعة تمتلئ برائحة الدخان.
وباتخاذ قرار حاسم، أجهدت القديسة جسدها الممزق ودفعت مخلوقي الظلام بعيدًا للحظة.
لم يتحرك أي منهما لبرهة قصيرة، يجمعون قوتهم للهجوم التالي.
حدقت القديسة بصمت في الشيطانة الجميلة، ريفل…
ثم أسقطت ترسها المهترئ على الأرض.
تموج سلاحها وامتد، متحولًا إلى سيف عظيم ثقيل.
وكأنها كانت تتخلى عن كل تظاهر بالدفاع لصالح هجوم لا يرحم.
لصالح إرادة لا تقهر لرؤية أعدائها قتلى مهما كان الثمن. أشرقت ألسنة اللهب القرمزية المشتعلة خلف درع خوذتها المتصدع بنور بارد.
ترجمة أمون