عبد الظل - الفصل 1859
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1859 : لم يُقل
بعيدًا، وبعيدًا عن المتناول، كانت مساحة شاسعة من المياه المتدفقة تتلألأ تحت السماء المرصعة بالنجوم. وكانت الغيوم السوداء تتدفق مثل رايات ممزقة، بفعل الرياح العاتية.
كانت الأمواج الهائلة ترتفع وتهبط، كل منها أطول من جدار قلعة. وكانت آلاف الصواعق تتفرع وتومض وهي تضرب سطح المياه الهائجة.
وفي وسط هذا المشهد، كانت سفينة عملاقة تخوض حربًا ضد العاصفة، مضاءةً بستار البرق الذي يربط بين صواريها العديدة والنجوم.
كانت السفينة تمتد على الأقل كيلومترًا من الميناء إلى جانبها الآخر، لكنها بدت ضيقة بسبب طولها الكبير. وكان هيكلها العتيق مصنوعًا من الخشب، ولكنه بلا طبقات – وكأن السفينة بأكملها قد أُنشئت عن طريق حفر تجويف داخل غصن يمتد لأكثر من عشرات الكيلومترات من طرف إلى آخر.
ولكن، إذا كان هناك شجرة ذات أغصان بهذه الضخامة، فإن قطع أحدها لم يكن ليكون مهمة سهلة. وصنع سفينة منها لم يكن ليكون مهمة للبشر أيضًا.
كانت السفينة العملاقة بمثابة مدينة في حد ذاتها. فقد كانت تحتوي على عشرات الطوابق والقصور الجميلة والباغودا الشاهقين المبنيين على سطحها، وأسرار عظيمة مختبئة في مخازنها الشاسعة. وكانت تحتوي على بساتين برية، وجداول متدفقة، وبحيرات عميقة.
وأشخاص.
كانت هذه هي ‘حديقة الليل’، القلعة العظيمة لبيت الليل.
رغم قوة العاصفة الشديدة، التي كانت ستدمر أي سفينة أخرى، كانت ‘حديقة الليل’ تشق طريقها عبر المياه الهائجة بسهولة مذهلة لا يمكن إيقافها. وكانت الأمواج الهائلة تتكسر بفعل قوسها الفخور وتتحطم بلا حول ولا قوة أمام هيكلها غير القابل للتدمير. وكان البرق المتشعب يضرب صواريها ويتم امتصاصه، مما يعزز السفينة العتيقة.
وكانت الرجسات المروعة التي تصعد من أعماق لا يمكن قياسها من وقت لآخر لمهاجمة السفينة العظيمة، قد أصبحت أجزاءً من هيكلها الحي.
حتى في منطقة عالم أحلام غريبة وقاتلة مثل بحر العاصفة، كان الناس الذين يسكنون حديقة الليل في أمان نسبي.
ولكن الليلة…
سُفكت الدماء البشرية على سطحها، وتتدفقت مثل النهر.
وكان الدم يُمتص من السفينة العتيقة أيضًا.
“ما… ماذا تفعل…؟”
بالقرب من مقدمة السفينة، كان رجل عجوز يزحف عبر سطح السفينة، تاركًا خلفه أثرًا دمويًا. كان صوته مليئًا بالألم والارتباك وعدم التصديق الحزين.
كان هناك رجل أصغر سنًا منه يتبعه بخطوات بطيئة، ممسكًا بسكين ملطخة بالدماء في يده.
لم يكن هناك أي عاطفة على وجه الرجل الأصغر، ولا رحمة في عينيه.
هز كتفيه.
“لم يكن عليك أن تكون عنيدًا، أيها العجوز. كان يمكن تجنب كل هذا.”
خلفه، مزقت صرخة يائسة عواء العاصفة، ثم توقفت فجأة. كانت هناك صرخات أخرى على مسافات أبعد، بعضها مليء بالخوف، وبعضها بالغضب.
ولكن مع كل دقيقة، كانت تقل أكثر فأكثر.
صر الرجل العجوز على أسنانه.
“لقد فقدت عقلك!”
تنهد قاتله، ثم مسح وجهه بيده الملطخة بالدماء. للحظة، بدا متعبًا بشكل لا يصدق، ووجدت شرارة من بعض العواطف غير المعروفة طريقها أخيرًا إلى عينيه.
“هل فعلت؟، آه، سأعترف… قد يكون لقولك بعض القيمة.”
بهذا، انحنى، وأمسك الرجل العجوز من كاحله، وجرّه إلى الخلف بينما يرفع السكين.
“…ولكن مجددًا، من لم يفعل؟”
نظر إليه الرجل العجوز برعب.
ارتجفت شفتاه.
“أ-أنت!… لست ابني!”
تجمد الرجل الأصغر للحظة، ثم ضحك فجأة.
اختفت لمحة العاطفة من عينيه، ولم يبق سوى البرودة المروعة.
“نعم، لقد سمعت هذا من قبل…”
وسقط السكين كحد نصل المقصلة.
استمرت العاصفة.
***
[استيقظ، صني!]
لم يستطع صني إلا أن يرتجف، وقد اجتاحه شعور قوي بالديجافو.
كان هناك صوت في رأسه، يأمره بالاستيقاظ… لحسن الحظ، لم يكن صوت تعويذة الكابوس. كان صوت كاسي، ولكن في تلك اللحظة، بدا الصوتان بشكل مخيف متشابهين.
‘لماذا هي…’
شعر بالارتباك للحظة، لكنه تذكر أن ليس الجميع على دراية حقيقية بالطبيعة الغريبة لوجوده. كان جسده الأصلي في قبر السَّامِيّ نائمًا، لذا من المرجح أن كاسي افترضت أنها بحاجة إلى إيقاظه.
لكن تجسداه الاثنان نادرًا ما كانا ينامان – لذا لم يكن هناك حاجة لأن تزعج نفسها بذلك.
[ماذا هناك؟]
كان هناك لحظات من الصمت، كما لو أن كاسي كانت مشوشة. ثم ردت، بإحساس من العجلة في صوتها:
[عليك العودة إلى المعسكر.]
وقف صني في القاعة العظيمة للمعبد عديم الاسم عابسًا.
حتى التجسد المختبئ في ظل رَين كان مضطربًا للحظة أيضًا.
متى كانت آخر مرة فقدت فيها كاسي رباطة جأشها بهذه الطريقة؟.
لم يستطع أن يتذكر.
[عمَّ تتحدثين؟، أنا في المعسكر.]
أجابت على الفور تقريبًا:
[يجب أن يعود لورد الظلال. هناك شيء غريب يحدث.]
نظر صني إلى بوابات المعبد.
كان الطريق طويلًا من الحافة الجنوبية لعظمة صدر السَّامِيّ الميت إلى الطرف الشرقي من الترقوة. كان يمكنها أن يقطعه بسرعة نسبية عن طريق إساءة استخدام خطوة الظل، لكن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً، وسيستنزف احتياطياته من الجوهر.
ومع ذلك، كاسي لم تكن لتطلب منه العودة بدون سبب.
[ما الذي يحدث بالضبط؟]
كان هناك لحظة من الصمت، ثم أجابت بصوت متوتر:
[بيت الليل يتحرك. استدعى الملك نيفيس ومورغان. سأخبرك بالمزيد حالما أعرفه، لذا أسرع… لا، انتظر…]
ترددت كاسي قليلاً.
[لا يوجد وقت. عد إلى NQSC. سألتقطك وأعيدك إلى المعسكر. سيكون ذلك أسرع.]
رفعت صني حاجبه خلف القناع.
‘إذاً، قرروا أخيرًا أن يتحركوا. كنت أتساءل متى سيفعلون.’
كان لديه شك بأن بيت الليل لن يبقى على الهامش في الحرب رغم جهودهم المستميتة للمطالبة بالحياد… شك قوي بما يكفي ليُسمى يقينًا. كان يعلم أن شيئًا من هذا القبيل سيحدث منذ ذلك الصدام مع سائر الجلود خارج قلب الغراب.
كانتا كاسي ونيفيس تعلمان ذلك أيضًا. في الواقع، كانتا قد حسبتا هذا الاحتمال في خططهما. في نهاية المطاف، لم يكن يهمهما كثيرًا أي جانب يكتسب ميزة في الحرب — لأنه، في النهاية، كان يجب تدمير الجانبين.
لكن كاسي ما زالت تبدو متوترة.
لماذا؟.
فجأة، ندم على حذره. ربما كان يجب أن يحاول التسلل إلى جناح القيادة لجيش الأغنية، أو يضغط على رَين لمشاركة الأسرار العسكرية مع معلمها الذي لا يهتم عادةً.
‘هناك طريقة واحدة فقط لمعرفة ذلك.’
في الواقع، كانت هناك طرق عديدة لمعرفة ذلك. لكن هذا لم يكن هنا ولا هناك.
بعبوس عميق، وصل صني إلى روحه وسحب الحبل.
ترجمة أمون