عبد الظل - الفصل 1796
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1796 : نهاية العالم
كان هناك حريش أسود لامع هجم عليه من تحت الحطام الميت. وكان جسده المدرع يبلغ طوله حوالي ثلاثة أمتار، بعرض جذع رجل بالغ. وبدلاً من زوج من الفكين، كان لديه فم بشري بشكل مخيف مليء بأنياب حادة تشبه الإبر.
كان الحريش وحشًا فاسدًا.
لم يتحرك صني من السرج واكتفى بإدارة رأسه بنظرة قاتمة. قبل أن يصل إليه المخلوق، ارتفعت مجسات مظلمة من سطح الشجرة السوداء الميتة وأحاطت به، وأسقطت الرجس. ثم تحركت المجسات مثل المناشير، وتحولت جوانبها السفلية إلى شفرات حادة.
وبعد بضعة نبضات قلب، تم تقطيع الحريش إلى عدة أجزاء دموية. حاول أن يقاوم بضعف، ثم هدأ.
قام صني بطرد الظلال ونظر إلى البقايا البشعة بذهول. ثم تنهد ونظر إلى الأعلى.
‘…هل من المفترض أن آكل هذا؟’
وقبل أن يقفز من السرج لحصد لحم الحريش وشظايا الروح، شعر بموجة من الظلال تتحرك في اتجاهه.
وسرعان ما عادت الغابة المكسورة إلى الحياة. بدا وكأن فيضانًا من الظلام يتدفق من تحت الجذوع القديمة، مندفعًا نحوه بسرعة هائلة. ملأت أصوات الهسهسة الصاخبة أذنيه.
لعن صني بصوت مكتوم.
لم يكن فيضان الظلام هو عودة ثانية للبحر المظلم – بل كانت هناك المزيد من الحريشات تزحف نحوه. الآلاف منها، على الأقل، جميعها من نفس الرتبة والفئة مثل الأول.
كان صني قويًا. كان قوياً حتى بشكل لا يصدق، مقارنةً بالقديس العادي. ومع ذلك، لم يكن يميل إلى قتال سرب من آلاف الوحوش الفاسدة.
وبعد طرد الكابوس، تحول إلى ظل وهرب. وبعد لحظات قليلة، اجتاح فيضان الحريشات بقايا شقيقها الساقط، وفي لحظة، اختفى اللحم الذي كان مترددًا في جمعه. لم يتبق حتى قطعة من الهيكل الأسود.
بينما كان ينزلق بعيدًا بخفاء، أطلق صني تنهيدة مريرة في داخله.
‘ليس مستغربًا.’
ليس مستغربًا أن أحدًا من النائمين في الشاطئ المنسي لم يتمكن من العثور على الخلاص بمحاولة الوصول إلى منطقة أخرى في عالم الأحلام. حتى لو تمكنوا بطريقة ما من عبور آلاف الكيلومترات من المتاهة القرمزية، متجنبين البحر المظلم في الليل، فإن الموت وحدة من كان ينتظرهم خلف الشعاب المرجانية.
كانت الجبال الجوفاء وصحراء الكابوس حكمًا بالإعدام. لكن هذه الغابة المحترقة لم تكن أفضل بكثير. كانت منطقة موت أخرى.
لم يكن لدى صني شك في أنه لا يوجد خلاص غرب الشاطئ المنسي أيضًا.
‘لا يهم.’
تركًا سرب الحريشات خلفه، واصل التحرك شمالًا.
***
استغرق صني وقتًا طويلاً لعبور الغابة المحترقة. وتم تذكيره بسرعة أنه في قاع السلسلة الغذائية – بعد ذلك اللقاء الأول مع سرب الوحوش الفاسدة، التقى بالعديد من مخلوقات الكابوس الأخرى، معظمها كانت أكثر قوة بكثير من الحريشات.
كان هناك الكثير من الرجسات العظيمة على أطراف الغابة… أما بالنسبة لأعماقها، فلم يجرؤ صني على المغامرة هناك، بل تحرك في دائرة واسعة.
تجنب بعض المخلوقات وقتل البعض الآخر. تم تجديد مخزونه من الطعام، ولكن جسده كان في حالة يرثى لها. لدرجة أنه اضطر إلى البقاء على شكل ظل لفترة، مستخدمًا أحد التجسدات كوعاء رئيسي لوعيه.
كانت تجسداته مستقلة عن بعضها البعض، لذلك إذا تعرض أحدها لجروح، فإنها لا تنعكس على الباقين. وبهذا الشكل، كان يستطيع التبديل بينها عندما تكون الحاجة ملحة، مما يتيح للجروح أن تشفى بينما تتولى التجسدات الجديدة القتال.
بهذه الطريقة، تمكن من النجاة من عبور الغابة المحترقة.
كانت هناك أيام يتحرك فيها، وأيام يستريح فيها، وأيام يختبئ فيها في الظلام، مستكشفًا الطريق أمامه بحذر شديد.
خلال أحد هذه الأيام، شهد صني شيئًا هزّه حتى النخاع.
بينما كان ظله يتسلق على بقايا أطول شجرة محترقة، تمكن فجأة من رؤية أعماق الغابة، حيث كانت هناك حفرة ضخمة في الأرض مغطاة بجذوع مكسورة.
وفي وسط تلك السهول الشاسعة كان هناك جذع محترق.
تركه مشهد ذلك الجذع عاجزًا عن الكلام.
كان حجمه لا يمكن تصوره حقًا. كان السطح الذي انفصل فيه الجذع عن الشجرة الضخمة شاسعًا بما يكفي ليعتبر هضبة. كان كل جذر متورم ومتفحم كجبل. وكانت التجاعيد في اللحاء المحترق مثل وديان عميقة، وكانت الظلال التي تسكنها كافية لابتلاع مدن بأكملها.
لم يستطع صني أن يتخيل ما الذي قد يدمر شجرة كهذه. عندما كانت كاملة، لا بد أن تاجها (قمتها) كان يلامس النجوم، ولا بد أن الشمس كانت تمر بين أغصانها، يتبعها القمر.
إذا كان هناك حقًا شجرة عالم، فإن هذه لا بد أن تكون جثتها.
وشخص ما قد أبادها تمامًا، مع المخلوقات الحية التي لا تُحصى والتي لا بد أنها عاشت على أغصانها العملاقة.
‘…أنا صغير جدًا.’
مخبأ بعيدًا، في شق مظلم بين جذعين ساقطين، ابتسم صني بمرارة.
كان بعيدًا جدًا عن تلك الشجرة غير المعقولة، وعن المخلوق الذي دمّرها، لدرجة أن التفكير في نفسه ضمن هذا السياق كان سخيفًا.
على الأقل في الوقت الحالي.
***
بعد ذلك بوقت قصير، واصل صني رحلته. شق طريقه بصعوبة عبر الغابة المحترقة، وفي النهاية تركها خلفه.
بحلول ذلك الوقت، لم تعد الشمس تشرق في الليل بعد الآن.
ولكن لم تكن السماء سوداء تمامًا. كانت مضاءة بعدد لا يُحصى من النجوم، وعلى الرغم من أن القمر لم يظهر، كان بإمكانه رؤية وهج شبحي في بعض الأحيان، كما لو كان مختبئًا خارج نطاق البصر.
تغير الطقس ببطء وأصبح أكثر قسوة. لم يكن صني غريبًا عن البرد، لكنه بدأ يواجه صعوبة بسيطة.
كان الجليد يلتهم الأرض ببطء. استمر صني في التحرك شمالًا، وفي مرحلة ما، لم يعد بإمكانه رؤية الأرض في قاع الشقوق العميقة في الجليد – بدلاً من ذلك، لم يكن هناك سوى الماء.
وبحلول هذا الوقت، شعر حقًا وكأنه يقترب من حافة العالم.
واصل صني رحلته، تغمره إثارة غريبة.
هل سيصل حقًا إلى حدود عالم الأحلام؟، كان هناك انحناء في الأفق هنا، لذا من المنطقي أن يكون هذا العالم الغريب كرويًا، تمامًا مثل الأرض. لذا، قد ينتهي به المطاف في دخول بحر العاصفة من الجنوب.
ومع ذلك، لم يكن المنطق يعمل دائمًا في عالم الأحلام. لذا، كان بإمكان صني بسهولة أن يتخيل أن العالم سينتهي فجأة، لينفتح على هاوية مظلمة لا نهاية لها. أو ربما على ضباب أبيض كثيف… الى اللاشيء.
كيف سيكون الشعور، أن يقف على حافة العالم وينظر إلى ما خلفه؟.
رغم المعاناة من البرد والرياح القاتلة، واصل صني التحرك شمالًا بعناد.
لم يكن هناك شيء حوله بعد الآن. لا أطلال، لا مخلوقات كابوس، ولا أي علامات على معارك قديمة. فقط الرياح، الجليد، والنجوم.
ولكن، في يوم من الأيام…
ظهر شيء فجأة في الأفق. شكل مختلف عن كل ما رآه من قبل، منظم وسلس بطريقة تدل على أنه ليس طبيعيًا بل مصطنعًا.
محتويًا فضوله بصعوبة، سار صني في ذلك الاتجاه.
اقترب أكثر فأكثر، حتى كشف الهيكل الغريب عن نفسه أخيرًا.
تعثر صني.
تجمد وجهه المتعب فجأة. واختفت كل علامات الإثارة عنه، واستبدلت بشعور عميق وقوي لم يكن رعبًا تمامًا ولا صدمة، ولكنه كان قريبًا من كليهما.
تمايل قليلاً.
“آآه….”
خرج زفير بطيء ببطء من شفتيه.
سقط صني على ركبتيه.
انهمرت الدموع من عينيه، وتحولت إلى قطرات من الجليد.
“هنا… إنه هنا.”
كان ذلك صحيحًا.
شقت ابتسامة مريرة وجهه الشاحب.
أمام صني، مختبئة في الجليد… كانت هناك مستوطنة صغيرة. كانت محاطة بجدار سميك، والذي كان الآن مكسورًا ومغطى بالثلوج.
كان هناك هيكل كبير يشبه القبة يرتفع فوق المستوطنة، مطليًا باللون الأبيض مقابل خلفية السماء المضاءة بالنجوم. كان يشبه بيضة عملاقة ناعمة تمامًا.
كان مرصدًا… مرصدًا قمريًا.
كانت منشأة LO49.
ترجمة أمون