عبد الظل - الفصل 1795
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1795 : الغابة المحترقة
قبل أن يترك تمثال الفارس خلفه، تردد صني لفترة، ثم أظهر أحد تجسداته. وتولى السيطرة على هذا التجسد، وترك حبلًا على الحجر القديم.
كان لدى صني القدرة على امتلاك سبعة أجساد الآن، لكنه ما زال يمتلك روحًا واحدة فقط. ومع ذلك، كان كل من تجسداته قادرًا على امتلاك حبله الخاص. لم يكن متأكدًا مما إذا كان يرغب في العودة إلى الشاطئ المنسي، ولكن نظرًا لأن عبور الجبال الجوفاء مرة أخرى لم يكن يبدو أمرًا جذابًا، قرر أن يترك لنفسه طريقًا، تحسبًا لأي طارئ.
وبعد أن أنهى ذلك، اتجه صني شمالًا. راكبًا الكابوس، عبر الظلام الصامت بوتيرة محسوبة. وكانت حوافر جواده المظلم تصدر حفيفًا خفيفًا في الغبار الرمادي، ومع كل يوم، استمرت المسافة بينه وبين الأراضي البشرية البعيدة في الزيادة.
لم يسبق له أن زار الأجزاء الشمالية من الشاطئ المنسي من قبل، لذا كان كل شيء هنا جديدًا عليه. وبالرغم من ذلك، لم يكن هناك الكثير ليراه – في بعض الأحيان، ظهرت معالم غريبة على الأفق، ولكن لم ينجح أي منها في إثارة اهتمامه.
كانت هناك أنقاض متداعية، وعظام مخلوقات عملاقة قديمة، وهياكل سفن متعفنة. ترك كل ذلك خلفه، شاعراً بالهدوء وعدم الاكتراث، إذ لم يكن هناك شيء يجب عليه إنجازه ولا ضرورة ملحة تدفعه للمضي قدماً. فقد الوقت معناه بالنسبة له.
كان ينام عندما يشعر بالتعب ويأكل عندما يشعر بالجوع. بخلاف ذلك، لم يشغل صني باله بأي شيء.
بالطبع، كان لا يزال يجبر نفسه على الحفاظ على اليقظة. فقد تكون هناك مخلوقات كابوس لا تزال موجودة على الشاطئ المنسي، وحتى لو لم تكن هناك أي مخلوقات، فإنه لم يكن من الحكمة أن يتخلى عن عادة الانتباه الدائم لما حوله.
في النهاية، تغير المشهد من حوله.
أول ما لاحظه صني هو أن الغبار الذي يغطي الأرض أصبح أقل وأقل. ثم بدأت تظهر بقع من التربة الداكنة بشكل متزايد. كان ذلك يعني أن المتاهة المرجانية كانت أقل كثافة هنا في الماضي.
بعد بضعة أيام، بدأ يواجه تلالاً شاهقة. ازدادت أعدادها كلما اتجه شمالاً، ووقفت بترتيب غريب. بعد استكشاف إحدى التلال، اكتشف صني أنها كانت تلالًا مصطنعة. استطاع أن يشعر بوجود غرفة دفن شاسعة في مكان بعيد تحته.
كان تل دفن.
عندما صعد صني إلى قمة تل الدفن، نظر حوله وبدأ في العد. ولكن، كانت هناك الكثير منها لدرجة أنه استسلم بعد عد بضع مئات منها، ثم جلس ونظر إلى الظلام لفترة.
بعدها، دخل في الظلال ونزل إلى غرفة الدفن.
كان هناك تابوت محطم، طوله لا يقل عن عشرة أمتار. وُجدت بداخله عظام عملاق بلا اسم. وكانت بقايا درع خام تغطي العظام، لكن الزمن كان قد محى كل الأدلة عن هوية المدفون هنا ومن قام بدفنه.
لم يكن هناك شبح انتقامي ينتظر صني في غرفة الدفن. ومع ذلك، شعر فجأة بعرق بارد يتصبب على عموده الفقري. وواثقًا من شعوره بالخطر، ألقى نظرة أخيرة على التابوت واختفى في الظلال.
وبعد أن عاد إلى السطح، نظر صني إلى السماء السوداء اللامحدودة وامتطى جواده. وحتى الكابوس بدا متوترًا في محيط التل المشؤوم، لذلك لم يضيع وقتاً في المغادرة.
أثناء اتجاهه شمالاً، لم يستطع صني إلا أن يتذكر بوابة الكابوس قرب مدرسة رَين. كانت المخلوقات البشعة التي قاتلها ذلك اليوم تُسمى أشباح التلال. هل كانت، ربما، مرتبطة ببناة هذه التلال؟.
… في اليوم التالي، رأى نور الشمس لأول مرة منذ وقت طويل، طويل جداً.
في البداية، لم يدرك صني حتى ما كان يحدث، معتقدًا أن هناك شيئًا خاطئًا في عينيه. لكنه فهم بعد ذلك أنه لم يكن يتخيل – كان الظلام الدامس للسماء الفارغة يتلاشى بالفعل.
مذهولًا، نزل عن جواده وجلس على الأرض، ينظر إلى الأفق الشرقي.
مع سطوع السماء، عادت الألوان ببطء إلى العالم. من الأسود، إلى الأزرق القاتم، إلى الأرجواني الشاحب. ثم أخيراً، اللون القرمزي الجميل الذي أفسح المجال للفجر الذهبي.
ظهرت الشمس فوق الأفق ككأس سَّامِيّ، منيرةً العالم.
‘كم هذا غريب.’
كان وجه صني مبللاً.
لم يكن يعرف حتى لماذا كان يبكي – لم يشعر بالحزن، أو السعادة، أو الرهبة بشكل خاص. كان مجرد شعور جميل أن يشهد شيئًا جميلاً. أن لا يكون ضائعًا في الظلام بعد الآن.
ربما كانت عيناه قد اعتادتا على الظلام الهادئ.
‘لقد غادرت الشاطئ المنسي.’
ابتسم.
كان صني متأكدًا تمامًا من أنه لم يسبق لأي إنسان آخر أن تجرأ على الذهاب إلى الشمال من قبل. لقد اكتشف منطقة جديدة من عالم الأحلام.
وهذا يعني أن هناك مخلوقات كابوس تنتظره في البرية غير المستكشفة. ومع ذلك، لم يشعر بالإحباط.
ففي نهاية الأمر، كان مخزونه من الطعام على وشك النفاد.
عندما أشرقت الشمس وتحولت السماء إلى اللون الرمادي، واصل صني طريقه. هذه المرة، كان حذرًا بشكل خاص، مدركًا أن هناك أهوالًا مجهولة يمكن أن تهاجمه في أي لحظة.
وسرعان ما ظهر خط داكن في الأفق. افترض صني أنه سلسلة جبال أخرى ستعترض طريقه، لكنه اكتشف أنه كان مخطئًا عندما اقترب أكثر.
جالسًا على سرجه، نظر صني إلى الأمام بوجه خالٍ من التعابير.
وأمامَه… كان هناك بحر من الأعمدة السوداء المسننة ترتفع نحو السماء، كل منها بعرض برج. كان الأمر وكأن عمالقة ميتين لا حصر لهم يحاولون الوصول إلى السماء بأصابع هيكلية ملتوية.
كانت الأعمدة… هي جذوع أشجار عظيمة متفحمة ومكسورة. كان ينظر إلى غابة مدمرة ذات أبعاد عملاقة.
كافح صني لتخيل مدى ارتفاع الأشجار قبل أن تنكسر وتسقط، ومدى اتساع تلك الغابة. كل ما كان يمكنه استنتاجه هو أن هذه الأرض كانت مخصصة للسَّامِيّن، وليست للبشر.
حثّ صني الكابوس على المضي قدمًا، ودخل ببطء إلى الغابة المحترقة. على الرغم من مرور آلاف السنين منذ أن التهمتها النيران، إلا أن الأشجار المتفحمة لم تتآكل أو تتفتت إلى غبار. كانت لا تزال سليمة، ولكنها مكسورة – وكأن شخصًا ما قد حطم كل واحدة منها أنتقامًا، حتى لا تبقى أي شجرة واقفة.
كانت الجذوع المكسورة تغطي الأرض، متشابكة في فوضى لا يمكن المرور من خلالها. وكان معظمها بعرض الطرق، مائلة بزاويا حادة أو تنحدر إلى الأعماق المظلمة للأشجار الميتة. لابد أن طبقة الأشجار المكسورة بسمك مئات الأمتار، ولم يكن هناك وسيلة لمعرفة ما يختبئ في الفجوات بين بقايا الأشجار القديمة المحترقة.
لم يكن لدى صني أي رغبة في اكتشاف ذلك، لذلك وجه الكابوس نحو أقرب جذع أفقي.
لم يكن التقدم سهلاً، حيث كان عليه أن يغير الاتجاهات كثيرًا، صعودًا ونزولًا أو القفز من شجرة ساقطة إلى أخرى.
وبعد بضع ساعات، واجه صني عدوه الأول.
ترجمة أمون