عبد الظل - الفصل 1769
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1769 : الأحلام القديمة والجديدة
لإخفاء إحراجها، غادرت نيفيس لغسل العرق وتغيير ملابسها. وعندما استعادت رباطة جأشها وعادت، كان شعرها ما زال يلمع بالرطوبة، أعطاها السيد بلا شمس نظرة غريبة وأشاح بوجهه.
كانت ستعتقد أنه غير مرتاح بسبب إصابته منها للتو… لولا حقيقة أنها شعرت برغبته المشتعلة بشدة في أعماق روحه.
لم يكن الساحر اللطيف غير مرتاح. كان يحاول فقط إخفاء تأثره بمظهرها… كان شوقه عادةً غامضًا ومكبوتًا، كأن شيئاً ما كان يحجبها عن إحساسها به. لكنها كانت تعلم أنه موجود.
أن تكون مدركًا لشيء كهذا سيجعل معظم الناس يشعرون بعدم الارتياح، أو على الأقل سيجعلهم يتصرفون كما لو كانوا غير مرتاحين. ومع ذلك، لم تمانع نيفيس كثيرًا في كلتا الحالتين.
مع تطور قدرتها على استشعار الشوق، اكتشفت أن البشر مخلوقات تقودهم رغباتهم، وأن هذا النوع من الشوق كان الأكثر شيوعًا والأكثر إخفاءً. كانت تلك صدمة صغيرة لها أن تعرف كم من الرجال شعروا بذلك سرًا في حضورها، لكنها سرعان ما تصالحت مع الأمر.
كانت هذه ببساطة طبيعة البشر. ما يهم ليس كيف يشعرون، بل كيف يختارون التصرف. كان بعضهم عبيدًا لرغباتهم، في حين كان بعضهم أسياد أنفسهم، يعيشون حياتهم بعقول صافية.
لم يكن السيد بلا شمس أبدًا غير لائق في تصرفاته، وكان يعاملها بأقصى درجات اللباقة. كان عقله واضحًا، وكانت نواياه نقية. لذا، لم تكن نيفيس مستاءةً على الإطلاق من النيران المشتعلة المخفية في روحه.
في الواقع، ولأول مرة، كانت سعيدة قليلاً بمعرفة أن شخصًا ما يشعر بهذه الطريقة تجاهها.
على الأقل لم تكن الوحيدة التي تشعر بالارتباك طوال الوقت!.
والآن بعد أن انتهى عرض السيف، كان هناك بعض الوقت المتبقي قبل البند التالي في جدولهم. تم إعداد الجدول من قبل كاسي، التي كانت مسؤولة عن الحفاظ على واجهة علاقتهم المزيفة والحفاظ على سرية صنع السيف، ولكنها لم تكن صارمة للغاية. لذا، كان لدى نيفيس والسيد بلا شمس بعض الحرية فيما يختارون القيام به.
اليوم، على سبيل المثال، كان قد أعد نزهة.
كانت لدى نيفيس فكرة غامضة أن النزهات عادةً ما تُقام في أماكن أجمل، ولكن بسبب صعوبة العثور على الخصوصية في باستيون، اضطروا لتناول الطعام هنا في القاعة العسكرية.
تنهدت بشوق.
‘ربما يجب أن أدعوه إلى جزيرة العاج في المرة القادمة، فهي هادئة هناك، والبحيرة جميلة.’
ولكن بعد ذلك، احمر وجهها قليلاً.
هل سيُعتبر ذلك دعوة لرجل إلى بيتها؟، إنها تعيش في جزيرة العاج، بعد كل شيء… فماذا سيظن؟.
وبماذا كانت تريده أن يظن؟.
بينما كانت نيفيس تفكر، نشر الساحر الجذاب مفرش طاولة جميل على المقعد ووضع عليه مجموعة متنوعة من الوجبات الخفيفة. كما كان هناك جرة من عصير الفاكهة الطازج وبعض الثلج للحفاظ على برودته.
مبتسمًا، أشار إلى الطعام.
“من فضلكِ استمتعي، سيدة نيفيس.”
كانت جائعة جدًا بعد التدريب الشاق على السيف، لذا كانت دعوته مرحب بها للغاية.
في الحقيقة، لم تكن نيفيس تولي اهتمامًا كبيرًا للطعام… ولكن كل ما كان يُعده السيد بلا شمس كان لذيذًا للغاية. كانت تستمتع بهذه الوجبات كثيرًا.
أخذت شطيرة وقضمت منها. كان الخبز طازجًا ومقرمشًا، وكان اللحم ذو قوامٍ رائع، وكانت تركيبة الخس والطماطم مثالية لجعل الشطيرة عصارية دون أن تصبح رطبة. أضافت الصلصة المنزلية نكهة كافية لجعل المكونات تتألق، دون أن تطغى على طعمها الطبيعي.
كانت لذيذة.
يمكنك معرفة الكثير عن الشخص من طهيه. وتذوقت نيفيس ما يكفي من الوجبات التي أعدها السيد بلا شمس لتخمين بعض الأمور أيضًا.
كانت عاداته متنوعة للغاية، مثل رجل تجول كثيرًا. كان هناك نوع من العفوية فيها ايضًا، مما يشير إلى أن مهاراته قد تطورت تدريجيًا عن طريق التجربة والخطأ، بدلاً من أن يتعلمها من معلمين ذوي خبرة في عشيرة إرث.
كانت هناك تأثيرات من باستيون ومناطق أخرى في نطاق السيف، والعملية الفعالة الشائعة بين قدامى المحاربين في الحملة الجنوبية، وحتى تلميحات من الشاطئ المنسي في طهيه – من المرجح أن الأخير التقطه من العمل في المطبخ مع أيكو.
كان طاهيًا موهوبًا جدًا. تذوقت نيفيس أطباقًا أعدت للطاولة الملكية من قبل طهاة مشهورين، ورغم أن طهي السيد بلا شمس لم يكن بنفس القدر من التعقيد، إلا أنها وجدت نفسها تفضل طهية البسيط على تلك الوجبات الفاخرة… بفارق كبير.
نظرت إليه، وانتهت من شطيرتها اللذيذة، ثم سألته بفضول:
“هل كنت دائمًا جيدًا في الطهي، يا سيد بلا شمس؟”
ابتسم وهز رأسه.
“لا، على الإطلاق. في الواقع، نشأت وأنا أتناول سوى المعجون الصناعي. وتذوقت الطعام الحقيقي فقط بعد أن أصبحت نائمًا، في الأكاديمية. ودعيني أخبركِ، سيدة نيفيس… كانت تلك صدمة كبيرة!”
شعرت نيفيس بالحزن للحظة. كم كانت خلفيته فقيرة، لكي يحصل على الطعام اللذيذ فقط بعد أن أصيب بتعويذة الكابوس؟، لم تكن تعرف ذلك عنه. أحلامه القديمة والجديدة.
والآن بعد أن فكرت نيفيس في الأمر، أدركت أنها تعرف القليل جدًا عن الساحر الشاب، رغم أنها قضت وقتًا معه في مناسبات عديدة.
ترددت لبضعة لحظات، ثم سألت:
“هل كان ذلك هو السبب في قرارك بفتح مطعم؟”
نظر إليها السيد بلا شمس بدهشة وبقي صامتًا قليلاً. بدا وكأنه يسترجع ذكرياته.
بعد فترة، ضحك مرة أخرى وهز رأسه.
“لا. كان حلمي الأصلي هو امتلاك متجر للذكريات. لا أتذكر في الواقع من أين أتتني فكرة فتح مطعم أيضًا… لابد أنها كانت في فترة سلسلة الكوابيس. فكرت فقط في أن إطعام الناس سيكون شعورًا جميلًا. وأيضًا سيكسبني بعض المال.”
شعرت نيفيس بالحيرة من تلك الإجابة.
لم يكن هناك شيء مخجل في امتلاك متجر للذكريات. كانت تؤمن بشدة أن واجب كل المستيقظين هو مقاومة تعويذة الكابوس، ولكن ذلك لم يعني أنه على الجميع أن يسفكوا الدماء في ساحة المعركة.
كان هناك من لديهم تصرفات غير مناسبة أو جوانب فائدة عملية يحافظون على المدن، يزرعون المحاصيل، ويزودون المحاربين بالمعدات، وكان عملهم لا يقل أهمية
لذا، كان السيد بلا شمس شخصًا ملتزمًا أيضًا. ساعدت الذكريات التي صنعها أولئك الأكثر تأهيلاً لساحة المعركة على هزيمة مخلوقات الكابوس والعودة إلى ديارهم أحياء.
ولكن… كانت نيفيس نفسها تحلم بشيء ثقيل وغير قابل للتحقيق. ألم يكن امتلاك متجر شيء بسيط جدًا ليكون حلمًا لشخص ما؟.
ربما قرأ شيئًا على وجهها، فابتسم الساحر الجذاب
“قد يكون من الصعب على شخص ماهر مثلكِ أن يفهم، سيدة نيفيس. أنتِ بطلة مرموقة للإنسانية، بعد كل شيء… لكن معظم الناس لا يعتادون على أهوال تعويذة الكابوس. حتى لو كانوا محاربين متمرسين، فإنهم يفضلون العيش بهدوء بعيدًا عن الوحوش البغيضة والخطر المميت. قد يبدو الحلم بشيء بسيط غريبًا بالنسبة لكِ، لكن في الواقع، هذه الأشياء البسيطة هي ما يحلم به معظم الناس.”
نظرت إليه نيفيس بتفكير.
كان محقًا، بالطبع. كانت دائمًا مختلفة عن معظم الناس، وشعرت بالاغتراب نتيجة لذلك. كما أنها كانت تعرف أنها هي التي كانت غير طبيعية، وليس العكس.
للحظة، حاولت نيفيس تخيل ما سيكون عليه الحال لو كان لديها حلم بسيط. لو كانت حياتها مختلفة، ماذا كان سيشعر قلبها بالشوق لتحقيقه؟.
نظرت إلى ساحة التدريب.
هل كانت ستحلم بفتح مدرسة عسكرية مثل هذه وتكرس حياتها لممارسة فن السيف، ومشاركة أفكارها مع الطلاب والشعور بالبهجة كل يوم؟.
هل ستكرس حياتها للموسيقى؟، لم يكن العزف على آلة موسيقية من بين الدروس التي تعلمتها كجزء من إرثها، لذا لم تكن نيفيس تمتلك هذه المهارة. ولكنها غالبًا ما كانت تحلم بأداء الموسيقى عندما كانت طفلة.
هل من المفترض أن تكون الأحلام هكذا؟، استمتعت نيفيس بقطعة من فطيرة اللحم اللذيذة، ثم سألت بفضول حقيقي:
“كيف سيشعر الإنسان عندما يحقق حلمه؟”
لطالما كان حلمها بعيد المنال، ومُرهقًا. كان يستهلكها تمامًا، وكان أكبر بكثير من حياتها… ومع ذلك، لم تستطع أن تتخيل العيش بأي طريقة أخرى. بقي السيد بلا شمس صامتًا لفترة، ثم ابتسم بأسى.
“من يعرف؟، أنا بالتأكيد لا أعرف. بحلول الوقت الذي وجدت فيه نفسي في موقف يمكنني من فتح متجر، حدثت أشياء كثيرة. لقد تغيرتُ بنفسي، وتغيرت أحلامي أيضًا. ومع ذلك، أعتقد أن الأمر يعتمد على ما كنت تحلم به. كان حلمي القديم لطيفًا إلى حد ما، لذا فإن الحياة التي بنيتها بسببه هي أيضًا جميلة. إنها… هادئة.”
رفعت نيفيس حاجبها.
“ما هو حلمك الآن، إذن؟”
نظر إليها بتركيز وتردد لبضعة لحظات.
ثم، ضحك الساحر الجذاب.
“هذا… ليس لدي أحلام حقًا بعد الآن. لدي فقط أهداف. أن يكون لديك هدف أفضل بكثير من أن يكون لديك حلم، ألا تعتقدين ذلك؟”
تأملت نيفيس كلماته لبضعة لحظات، ثم سألت بنبرة محايدة:
“ما الفرق؟”
نظر السيد بلا شمس بعيدًا وتنهد.
“أود أن أقول إن الفرق يكمن في كيفية التعامل معه. الحلم هو شيء تريدين أن يحدث… بينما الهدف هو شيء ستجعلينه يحدث. الفرق هو في وجود العزم الكافي للإمساك بما تريدين، وعدم التخلي عنه أبدًا.”
بقي صامتًا لفترة، ثم أضاف بلمحة من الحزن في صوته اللطيف:
“ولكنني… لأكون صادقًا، تخليت عن بعض الأشياء في حياتي. لذا إذا كان هناك شيء أريده حقًا، فهو العودة والمحاولة مرة أخرى. لكن هذا ليس حلمًا. نظرًا لأنه في الماضي، فهو مجرد ندم.”
أفرغ الساحر الجذاب كأسه، ثم نظر إليها وابتسم.
“والآن بعد أن فكرت في الأمر، أعتقد أن لدي حلمًا.”
حدقت عيناه العقيقيان في عينيها، وهما تلمعان في ضوء الشمس.
“إنه أن أعيش حياتي دون أن أشعر بالندم مجددًا.”
ابتسمت نيفيس.
لقد كان حلمًا جيدًا.
ترجمة امون