عبد الظل - الفصل 1767
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1767 : عقل لا يهدأ
وصل أول الزبائن، وانشغل التجسد في المطبخ. أما صني، فبقي على الشرفة يستمتع بالهواء النقي مع ابتسامة هادئة مرسومة على شفتيه. كانت أصوات المدينة الحيوية تملأ الجو وكأنها لحن مشرق.
وفي مرحلة ما، فتح الباب وخرجت أيكو، مرتدية بدلة عمل أنيقة وحقيبة جلدية على كتفها. تثاءبت الفتاة الصغيرة، ومدت ذراعيها، وتمتمت:
“سأذهب إلى القلعة، يا رئيس.”
نظر إليها صني بابتسامة لطيفة.
“أنتِ تنقلين الذكريات، كما تعلمين. ما القصة مع الحقيبة؟”
حدقت فيه أيكو بسخط.
“وماذا تعرف أنت؟، يجب على المرء أن يبدو في المظهر المناسب ليترك الانطباع الصحيح!، هذه أساسيات العمل!”
نظرت إليه بريبة.
“وبالحديث عن المظهر المناسب… تبدو مختلفاً اليوم يا رئيس، ما هذا… هل صففت شعرك؟”
رمش صني بعينيه.
“لم أفعل!”
أعطته أيكو إيماءة ساخرة.
“آها… بالتأكيد.”
وبعد ذلك، ابتسمت وركضت بعيدًا.
“استمتع مع الأميرة نيفيس، يا رئيس!، وقدم أداءً جيدًا!، نحن نكسب أموالاً حقيقية هنا، لذا لا تفسد الأمر علينا!”
استخدمت الفتاة الصغيرة قدرة جانبها للتزلج على الأحجار المرصوفة واختفت خلف الزاوية في لمح البصر. بقي صني واقفًا على الشرفة، مذهولًا.
“ماذا؟، ماذا تعني بـ’قدم أداءً جيدًا’؟، أنا دائماً أقدم أداءً جيدًا!، انتظر… هذا لا يبدو صحيحًا….”
في تلك اللحظة، شعر بحضور مألوف يضيء العالم. لم يكن على صني النظر ليعرف أن نيفيس كانت قريبة.
كان هناك صوت حفيف ريش، ثم ظهرت صورة ظلية نحيلة تقف على ضفاف البحيرة. كانت أجنحتها قد اختفت بالفعل، ولم يتبق سوى هالة جميلة تتلاشى ببطء وهي ترسم شكلها على الماء الهادئ.
كانت نيفيس ترتدي ملابس بيضاء، وكان شعرها الفضي مثبتًا بتاج الفجر.
تجمد صني، الذي كان يرتدي الأسود كالمعتاد، في مكانه.
‘الل-اللعنة… آمل ألا تكون قد سمعت ذلك…’
عندما لاحظته، ابتسمت نيفيس بخفة وسارت نحوه بخطوات هادئة.
“سيد بلا شمس، هل أنت مستعد؟”
كان يعلم أنها مشغولة جدًا في التحضير للحرب. ومع ذلك، فقد خصصت وقتًا بجدية للحفاظ على مواعيدهما في الأسابيع القليلة الماضية، ولم تبدُ متشتتة بأية قضايا أخرى عندما تكون برفقته، وأعطته اهتمامها الكامل.
كان لدى صني أمل خجول بأن نيفيس كانت تستمتع فعلاً بنزهاتهما، وتجد ملاذًا من عبء مسؤولياتها الساحقة في الوقت الذي يقضيانه معًا – مهما كان قصيرًا. كان من الممتع جدًا أن يكون حولها، وعلى الأقل كان يحاول أن يكون كذلك من أجلها.
بالطبع، كان من الأرجح بكثير أن نيفيس كانت تعامل لقاءاتهما كجزء من تحضيرات الحرب. فقد كان هناك هدف منها، حيث أن صني كان ساحرًا مستأجرًا عليه أن يصنع لها سيفًا ممتازًا، بعد كل شيء. لذا، فإن الاجتهاد الذي تعاملت به معه كان هو نفسه الذي تمنحه لمسؤولياتها الأخرى، لا أكثر ولا أقل.
على الرغم من أنه لن يعترف بذلك أبدًا، إلا أن الاحتمال الأخير كان يزعجه.
“سيد بلا شمس؟”
صمت صني للحظة، ثم قدم لها ابتسامة لطيفة.
“نعم، أنا مستعد.”
قدم لها ذراعه، وعندما لفت ذراعها حوله، التقط سلة النزهة.
كان قد أعد الطعام بداخلها بنفسه. كما اشترى سلة النزهة خصيصًا لهذه المناسبة، حيث لم يكن أي شيء في المتجر المبهر لطيفًا بما فيه الكفاية.
سار الاثنان معًا. كانت نيفيس هادئة، بينما كان صني يتظاهر باللامبالاة. وشكلا ثنائيًا مذهلاً، وكان المارة يحدقون فيهما بعيون واسعة… لكنه لم يكترث. بل، استمتع بنظراتهم.
‘هنا، هنا. انظروا أكثر!’
“تبدو في مزاج جيد.”
بعد سماع ملاحظة نيفيس، أدرك صني أنه كانت هناك ابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه. فخفض نظره بخجل.
“آه… نعم. يبدو أن اليوم سيكون يومًا جميلًا. ألا تعتقدين ذلك، سيدة نيفيس؟”
راقبت وجهه لبضعة لحظات، ثم ابتسمت بخفة ونظرت بعيدًا.
“نعم، عليّ أن أوافقك. يبدو أنه كذلك.”
سارا مسافة قصيرة ووصلوا إلى قاعة عسكرية تم بناؤها حديثًا. كانت باستيون مليئة بالمحاربين المستيقظين، ولم يكن جميعهم يملكون عشيرة إرث ترعاهم، لذا كانوا بحاجة إلى مكان لممارسة وصقل مهاراتهم، وكذلك مدربين ذوي خبرة لإرشادهم.
بالنسبة إلى سيد مستقل، كان فتح مدرسة عسكرية وسيلة جيدة لكسب بعض المال – فقد كان معظم الصاعدين المخضرمين مشغولين بحماية مستوطنات البشر وإخضاع البرية في عالم الأحلام، لذا كان هناك دائمًا نقص في المدربين الجيدين.
عادةً، كان وضع سيد كافٍ لخلق سمعة جيدة للمدرسة العسكرية. وفي أي يوم أخر، كان سيكون هناك دزينة أو أكثر من المحاربين يتدربون في الداخل تحت إشراف المالك ومساعديه المستيقظين.
لكن اليوم، كانت القاعة التدريبية فارغة تمامًا. كانت نيفيس قد حجزت المبنى بأكمله، مما أزاح حتى المؤسس… كان لا بد أن تكون نزهتهم علنية، ولكن ما كانوا على وشك فعله كان يجب أن يبقى بعيدًا عن الأعين المتطفلة في نفس الوقت.
عند دخولهما، أومأت نيفيس برأسها إلى صني وقالت بهدوء:
“استرخِ، يا سيد بلا شمس. سأكون معك قريبًا.”
أومأ صني برأسه وتوجه إلى فناء القاعة العسكرية، الذي صُمم كحلبة رملية. جلس على مقعد المشاهدين، ووضع سلة النزهة بجانبه ثم نظر إلى السماء.
‘إنه يوم جميل حقًا…’
بعد فترة وجيزة، وبعد أن ارتدت ملابس التدريب… والتي بدت جذابة للغاية عليها على الرغم من أنها لم تُصمم لهذا الغرض… دخلت نيفيس إلى الحلبة. التقطت سيفًا من السبائك من على الرف، ووجهت بضع ضربات به، وأومأت برضا، ثم نظرت إلى صني.
“سأ… سأبدأ، إذن.”
أومأ برأسه.
“سأراقب”
توقفت نيفيس لبضع لحظات، ثم نظرت بعيدًا وسعلت.
“…راقب جيدًا.”
وبذلك، بدأت مجموعة من التمارين التدريبية. على الرغم من أنها كانت بطيئة وضعيفة بمقاييس المتساميين، إلا أنها كانت مليئة بالنية القوية. كان الأمر كما لو أن نيفيس كانت تؤدي رقصة بالسيف، تتقاتل في مبارزة ضد ظلها.
للحظة، اندمجت صورة رقصها بالسيف مع ذكرياته عن الجزيرة السوداء، حيث قضى الاثنان شهرًا سعيدًا خلال الكابوس الثالث. كان صني مفتونًا بممارستها لفنون السيف في ذلك الحين أيضًا.
ورغم ذلك، تغيرت تقنيتها بشكل كبير منذ الكابوس الثالث. كانت لا تزال تتسم بالسلاسة وتنوع الأستخدامات وعدم التوقع، لكنها أصبحت مختلفة وأكثر… كمالًا.
ما كانت نيفيس تُظهره له اليوم هو فنها القتالي الحقيقي الذي كانت تخفيه عن الجميع. لم يكن هناك عدو لتقاتله ولا بيئة لتطلق فيها العنان لجانبها، لكن كان لا يزال بإمكان صني استنتاج الكثير من خلال مشاهدة هذه الكاتات ‘1’ البسيطة.
كان هناك مشكلة واحدة، مع ذلك…
كان يجد صعوبة في التركيز على حركات سيفها.
بدلاً من ذلك، لم تستطع عينيه إلا أن تتبع حركات جسدها.
الخطوط الرشيقة، المرسومة بالنسيج الخفيف لبدلة التدريب. نعومة خطواتها، وجمالها المرن. قطرات العرق التي تلمع على بشرتها المرمرية…
‘آه، أنا في ورطة.’
استخدم صني كل قوة إرادته للحفاظ على تعابير وجهه محايدة. كان تحت ضغط رهيب!.
والأسوأ من ذلك كله… والأفضل من ذلك كله… أن اليوم ما زال في بدايته. كان أمامهما ساعات عديدة.
أخذ نفسًا مرتجفًا.
‘…لن أنزف الدماء من أنفي، أليس كذلك؟’
***
1: الكاتا هي حركات فنون دفاع يابانية، ومعناها الحرفي ‘شكل’.
ترجمة امون