عبد الظل - الفصل 1761
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1761 : المطاردات القديمة
في الماضي، استغرق جيش الحالمين أيامًا عديدة من السير الشاق للوصول إلى البرج القرمزي من المدينة المظلمة. أما الآن، فقد كان صني يستطيع قطع تلك المسافة في أقل من دقيقة.
ومع ذلك، لم يكن مستعجلاً للمغادرة.
ترك خلفه الجبل الشاهق من الأنقاض، وعبر الجسر المحطم وعاد إلى الأرض المكسوة بالرماد. بقي واقفًا بلا حراك لفترة، ثم تنهد وانحنى ليزيل الغبار عن العظام القديمة.
… في النهاية، استغرق الأمر منه قرابة أسبوع للعثور على رفات كل حالم لقي حتفه في معركة البرج القرمزي. فقد كان هناك أربعمائة منهم، وكان عليه أن يكون حذرًا حتى لا يتلف العظام الهشة. لذلك استغرق الأمر بعض الوقت.
وضعهم معًا على الأرض، ثم استخدم ألواح الحجر الأسود المتعرجة من بقايا البرج العملاق لبناء جثوة حجرية ‘1’ فوق القبر الجماعي.
كان من المناسب إلى حد ما أن يدفن هؤلاء الشبان والشابات تحت بقايا البرج القرمزي المحطم، الذي ضحوا بحياتهم من أجل التغلب عليه.
كما جمع صني رفات كل مخلوق كابوسي سقط في المعركة، وكدسها بجانب الجثوة. كان جبل العظام البشعة يعلو فوق القبر الحجري، ويتجاوزه تمامًا في الحجم… شهادة مؤثرة على مدى رهبة الحالمين من المدينة المظلمة، ومدى شجاعتهم في القتال.
وقف أمام الجثوة لفترة من الزمن، ثم تنهد.
“لقد كنا أوغادًا أقوياء، أليس كذلك؟، يا رفاق… ارقدوا بسلام الآن. إن الآخرون بخير. معظمهم لا يزالون يتبعون نيفيس، لكنهم أصبحوا أسيادًا الآن. وسوف تصعد الخادمات المتبقيات قريبًا أيضًا – إن سيشان تعتني بهن، أوه، وإيفي وكاي قد أصبحوا قديسين بالفعل، هناك عدد قليل من المستقلين مثلي أيضًا… لقد هربنا جميعًا.”
لم يكن صني يعرف لماذا كان يقول ذلك. بدت كلماته جوفاء… لم يكن من محبي التحدث إلى الموتى، من الأساس. فما الفائدة؟.
هز رأسه، واقترب من الجثوة ونحت بضعة رونيات على سطح الحجر الأسود.
كانت الرونيات تقول:
[هنا يرقد الذين
أطفأوا الشمس
حالمو المدينة المظلمة
ناموا جيدًا
لقد أنتهى كابوسكم.]
تراجع صني عن اللوح الحجري الأسود بقلب مثقل، وبقي صامتًا لفترة، ثم تنهد واستدار بعيدًا.
أثناء سيره عبر بحر الغبار الرمادي، استدعى الكابوس وقفز على السرج.
وبدا صوته خشنا عندما حث الفحل على المضي قدمًا وقال:
“…دعنا نغادر من هنا.”
***
كان هناك شاب ذو جلد مرمري وشعر أسود غامق يركب في الظلام على جواده المظلم، وكان درعه المخيف مصنوعًا من العقيق المصقول. وأمامه، ارتفع جدار عظيم من الحجر الداكن إلى السماء المظلمة، حاجبًا العالم.
وصل صني إلى المدينة المظلمة.
انحنى على السرج، ناظرًا إلى الجدار الشاهق. المدينة، التي كانت مأهولة بالرجسات المخيفة، أصبحت الآن مسالمة وصامتة. ولم يشعر بأي حركة في شوارعها القديمة.
بعد أن تردد لفترة، خطا صني عبر الظلال وظهر على قمة الجدار. ونظر إلى الأسفل، ورأى مشهدًا مألوفًا.
على مسافة بعيدة، كانت أنقاض القلعة الساطعة الملتوية والمشوهة مغطاة بالرماد. أشعل الحالمون النار في القلعة القديمة قبل مغادرتهم، مدمرين ما صمد أمام قسوة الزمن.
كان يستطيع التعرف على العديد من المعالم الأخرى أيضًا. المنارة المهدمة، المكتبة المنهارة جزئيًا حيث عرف ذات مرة حقيقة الشاطئ المنسي، الساحة حيث سقطت القديسة وأشقاؤها ذات مرة، الكاتدرائية المدمرة…
حتى بعد كل هذه السنوات، كان صني يتذكر كل شارع مدمر في المدينة المظلمة حيث كان يصطاد. الأماكن التي نصب فيها الكمائن للرجسات، والأماكن التي تعرض فيها للكمائن منهم. كان هناك عدد لا يحصى من قطع الأنقاض هنا قد تبللت بدمه، وأكثر منها قد تبللت بدماء أعدائه.
كان مخلوق الكابوس الساقط يبدو وكأنه نهاية العالم حينها.
ابتسم صني بسخرية، وخطى خطوة نحو اللاشيء وقفز من الجدار العظيم للمدينة المظلمة. صفرت الرياح في أذنيه لبضعة ثوانٍ، ثم هبط على الأنقاض الحجرية. كان الصمت الذي يغلف الأنقاض قد انكسر للحظات بفرقعة مدوية من هبوطه.
كان رعب البرج القرمزي قد أباد معظم الكائنات الحية على الشاطئ المنسي لتغذية تحوله إلى ‘عملاق’ فاسد. في كل مكان وصلت إليه أشعة الشمس القاسية، لم يتبقَ سوى الموت.
لكن كان هناك العديد من الأماكن المظلمة في المدينة القديمة. داخل المباني المدمرة، سراديب الموتى، الأوكار المحفورة في الأنقاض… لم تكن الشمس قادرة على الوصول إلى هناك. وفوق ذلك، كانت الرجسات التي تسكن المدينة المظلمة أقوى بكثير من تلك الموجودة في المتاهة القرمزية. لذا، كان من المؤكد أن بعضها قد نجا من الإبادة
كان صني يناديهم، متمنيًا القضاء عليهم جميعًا بضربة واحدة.
…ومع ذلك، حتى بعد أن أحدث كل هذا الضجيج، لم يتحرك شيء في الأنقاض.
كان إحساسه بالظلال يغلف المدينة بأكملها، لكن صني لم يشعر بأي حركة على الإطلاق.
في حيرة من أمره، أزال الغبار عن عباءة العقيق الأسود وتوغل في متاهة الشوارع المدمرة.
قضى صني اليوم بأكمله يستكشف المدينة المظلمة. تجول في الأنقاض وتذكر الماضي بحنين. هنا أنقذ كاي من البئر… وهنا تعلم من إيفي كيف يقتل شرير الدم.
هنا كان الخندق حيث اختبأ بعد أن طعنه الفارس الأسود.
‘يا للحنين.’
بحلول نهاية اليوم، عرف صني لماذا لم يتبقَ أي مخلوق كابوس في المدينة المظلمة.
كان هناك الكثير من البقايا البشعة على الشوارع المدمرة… معظمها لم يظهر عليها أي علامة تلقي جرح، حيث تم تدمير أرواحهم من قبل الرعب القرمزي. لكن بعض العظام كانت تحتوي على شقوق وجروح عميقة، وأخرى كانت محترقة بواسطة اللهب.
‘…نيفيس.’
لابد أنها اتت إلى هنا بعد الهروب من البرج القرمزي اصطادت الرجسات الباقية، واحدة تلو الأخرى. لبناء نواة أخرى وجمع لحمهم للرحلة الطويلة القادمة.
تشكلت ابتسامة ملتوية على شفتيه.
‘إنها دقيقة للغاية…’
بعد حل اللغز، تجوّل في الأنقاض قليلاً حتى وصل في النهاية إلى بقايا القلعة الساطعة.
انهار المعقل القديم، وذاب الرخام الأبيض بفعل الحرارة الشديدة للنيران البيضاء. لم يكن يعلم لماذا أراد رؤية الأنقاض المحترقة… حدثت الكثير من الأشياء هنا، بين جدران القلعة.
ولكن الآن، كان كل شيء قد أُمحى بفعل النيران.
مثله تمامًا.
ضحك بخفة، ثم هزّ صني رأسه وتجوّل في بقايا المستوطنة الخارجية قليلاً. ركل الحجارة وتذكر الماضي، ثم توقف عند النزل حيث كانت نيفيس وكاسي تعيشان. الآن، كان خاليًا وهادئًا. بعد زيارة غرفته القديمة، غادر المستوطنة الخارجية ونزل عائدًا إلى المدينة.
وأخيرًا، وصل صني إلى الكاتدرائية المدمرة.
دخل القاعة الكبرى المهيبة، وتسلق العمود المقلوب الذي أسقطته القديسة ذات مرة على الفارس الأسود، وحدق في تمثال السَّامِيّةعديمة الأسم.
تفحص وجهها لبعض الوقت، ثم دخل عبر الظلال وظهر على الشرفة المخفية خلفها. وسرعان ما دخل غرفة مألوفة.
كانت أماكن المعيشة للكاهنة الشابة نظيفة ومرتبة، تمامًا كما تركها.
كانت الغرفة جميلة وواسعة. كانت الجدران الحجرية منقوشة بأنماط معقدة، مما خلق جوًا من القداسة والأناقة.
كان الأثاث مصنوعًا من الخشب المصقول الشاحب، مع عدة قطع غير متطابقة كان صني قد جمعها من المدينة المظلمة ذات مرة.
كان محاطًا بظلام مهدئ. لم يكن للغرفة نوافذ، ولكن كانت هناك آبار ضوء مخبأة بمهارة هنا وهناك… ونظام المرايا المبتكر الذي كان من المفترض أن يغمر الغرفة بأشعة الشمس قد تم تدميره منذ فترة طويلة…
وكذلك الشمس نفسها.
أغلق صني عينيه واستنشق بعمق.
ثم استحضر عباءة العقيق، وتوجه إلى السرير الواسع، تمدد عليه، ونام مبتسمًا برضا.
-المؤلف- فصل واحد اليوم، ثلاثة غدا.
ترجمة امون