عبد الظل - الفصل 1756
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1756 : لم يتبقى سوى اللاشيء
مرة أخرى، تذكر صني المواجهة المروعة مع المخلوق الذي أتى إلى تل الرماد من الضباب. وتمامًا كما في المتاهة المظلمة على حافة العالم السفلي، نجا من تلك المواجهة بإبقاء عينيه مغلقة بناءً على نصيحة كاسي. ومع ذلك، كان المخلوق ماكرًا، محاولًا خداعهم لفتح أعينهم. كانت تلك واحدة من المرات القليلة جدًا التي واجه فيها صني رجسًا قادرًا على الكلام كالبشر…
لكن الآن، بالنظر إلى تلك الليلة المخيفة، لم يستطع صني إلا أن يشك فيما إذا كان المخلوق قد تحدث بالفعل. فراجع كل كلمة قالها المخلوق.
تجمدت تعابيره ببطء.
والآن بعد أن فكر في الأمر… أليس ذلك هو الحال؟، كل كلمة استخدمها الرجس كانت كلمات مما قالته نيفيس، كاسي، أو صني أنفسهم.
سرق مخلوق الضباب كلماتهم، تمامًا كما سرق صوت كاسي. مثل انعكاس ملتوي.
هل كان ذلك لأن مخلوقات اللاشيء لم تكن تمتلك أصواتًا خاصة بها؟، أم لسبب آخر، غير مفهوم؟.
على أي حال…
‘كيف تمكن شيطان الدرع من طرده، وإعادته إلى أعماق البحر المظلم؟’
كانت مخلوقات الكابوس التي تسكن البحر العابر على الشاطئ المنسي كلها على الأقل من الرتبة الفاسدة. ومع ذلك، كان خادم مفترس الروح المخلص مجرد شيطان مستيقظ. هل كان ذلك لأنه كان يخدم الشجرة، وتم تعزيزه بطريقة ما؟، أم لأن مفترس الروح هاجم الغازي بجانب حارسه؟، أم ببساطة لأن القتال ضد مخلوقات الضباب كان مختلفًا عن القتال ضد الرجسات الأخرى؟.
ربما كان شيطان الدرع قد أبقى عينيه مغلقتين أيضًا.
‘أنا أعرف مخلوقًا آخر يجعلني أرغب في إبقاء عيني مغلقة، أليس كذلك؟’
حسنًا، في الواقع، كان يعرف اثنين..
الأولى كانت العذاب. لكنه كان مهتمًا أكثر بالثاني… موردريت.
الأمير المزعوم لللاشيء، الذي يمكنه دخول روح الكائنات من خلال العيون. هل هذا اللقب… كان مجرد لقب ساخر اخترعه موردريت بسبب تخلي عائلته عنه، أم شيئًا ذا معنى أكبر بكثير؟.
بعد كل شيء، لم يتوقف الاتصال بينه وبين اللاشيء عند هذا الحد. ففي الكابوس الثاني، كان الجسد الأصلي الذي أُرسل إليه ينتمي إلى مخلوق ضبابي غامض. مخلوق ضبابي نزل من الجبال الجوفاء وأستهلك كل روح حية في شمال مملكة الأمل.
وخضع موردريت لنوع من التحول في برج الأبنوس أيضًا، مما جعل من المستحيل تقريبًا استشعاره من خلال العرافة. وبرج الأبنوس، كان ينتمي إلى نيذر… أمير العالم السفلي، الذي كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالضباب الأبيض واللاشيء، مرتديًا إياه كعباءة.
هل كان كل ذلك سلسلة من الصدف، أم أن موردريت كان يمتلك اتصالًا باللاشيء؟.
‘لا أستطيع أن أفهم ذلك الشخص.’
ما هو جانبه؟، ما هو عيبه؟، وماذا فعل أستيريون به، ولماذا دخل الكابوس الأول عندما كان طفلاً؟، ماذا حدث له في ذلك الكابوس؟، حمل موردريت نسب سَّامِيّ الحرب… سَّامِيّةالحياة، وكذلك التقدم، والتكنولوجيا، والحرف، والذكاء. السَّامِيّ الراعي للبشرية. جوهر جانبه يبدو مرتبطًا بالانعكاسات والمرايا، وهذا لم يبدو لصني شيئًا له علاقة بالحرب، بل كان مرتبطًا بالتكنولوجيا والحرف بشكل طفيف.
وبطبيعة الحال، لم يكن من الضروري أن يكون النسب والجانب مرتبطين بشكل مباشر. كان صني نفسه يحمل نسب ويفر، لكنه امتلك جانبًا مرتبطًا بإله الظل. حملت نيفيس نسب سَّامِيّ الشمس، لكن جانبها لم يكن مرتبطًا بأي سَّامِيّ على الإطلاق، بل بالنفيليم الأسطوري.
على أية حال، ما علاقة المرايا باللاشيء؟.
لم يرَ صني الصلة، ولكن لا بد من وجود واحدة.
‘سأطلب من اللعين في المرة القادمة التي أراه فيها. لا… صحيح. لن أراه أبدًا مرة أخرى.’
كان ذلك نوعًا ما مريحًا.
بعد التقاط أنفاسه – مجازيًا – تنهد صني واستمر في طريقه. ومع ذلك، هذه المرة، اتخذ احتياطات إضافية. أغلق عينيه وتقدم معتمدًا على لا شيء سوى إحساسه الهش بالظلال، متمسكًا بالظلال حيثما أمكنه.
كان اللاشيء ضاغطًا.
ولكن، في نفس الوقت… كان بشكل غريب شفاءً غريباً.
كان صني يعاني بسبب كونه بلا قدر. وكان يعاني لأن لا أحد يتذكره، ولكن هنا، بشكل ساخر، كانت حياته تعتمد على قدرته على تذكر نفسه — وفعل ذلك بقوة.
إذا لم يستطع أحد آخر أن يعترف بوجوده، فعليه أن يفعل ذلك بنفسه.
وكلما أكد صني وجوده، أصبح ألمه أقل حدة.
‘يا له من وضع منحرف وغريب’.
بينما كان يتحرك بحذر خلال الضباب، أظهر صني ابتسامة ملتوية.
ثم، تجمد في مكانه.
‘…هراء.’
كان قد اعتاد على الصمت المقفر للجبال الجوفاء لدرجة أن التغيير المفاجئ أصابه بالذعر.
اهتزت الأرض تحت قدميه.
مذعورًا، اندفع إلى أقرب نتوء صخري وذاب في الظلال التي ألقتها الحجارة المتدلية. بقي ثابتًا تمامًا، مراقبًا العالم بجدية.
كانت الأرض تهتز على فترات قصيرة، وكانت الهزات تزداد عنفًا مع كل دقيقة. أخيرًا، كُسر الصمت بصوت الصخور المتدحرجة بشكل صاخب على المنحدرات. كان الصوت يتردد في الضباب، ويتشوه بشكل غريب.
‘ما الذي…’
عندها حدث ما حدث.
نزل عمود مظلم ملتوي من السماء واصطدم بمنحدر الجبل ليس بعيدًا عنه. وبقي ثابتًا لبضعة لحظات، ثم انحنى، ثم ارتفع في الضباب — ليسقط مرة أخرى، على بعد عشرات الأمتار.
وعلى مسافة أبعد، اصطدم عمود آخر بالحجر. ثم آخر، وآخر، وآخر..
شعر صني فجأة بأنه صغير جدًا.
‘هذه… إنها أرجل.’
في اللحظة التالية، انطلق صوت لا يوصف عبر الضباب، معكرًا تدفقه. كان مشوهًا، وكأنه زئير صاخب لوليد حرب، أو نحيب حزين لوحش عملاق.
وكان النحيب مليئًا بالخوف والعذاب.
غطت ظلال هائلة المنطقة التي كان صني يختبئ فيها، ثم تدفقت سوائل داكنة من الأعلى. وسقطت شلالات هائلة تشبه الدم ثم تناثرت على الصخور، متحولة إلى أنهار جبلية.
مختبئًا في الظلال، راقب صني المشهد المروع بصمت.
تدفق الضباب فوق أنهار الدماء الداكنة، وبينما كان يراقب… بدأت الدماء تتحول ببطء إلى شفافة، متحولةً بالفعل إلى خيوط من الضباب.
وبعد لحظات قليلة، اختفت الأنهار المتدفقة، وكل ما تبقى…
كان اللاشيء.
غادرت الأعمدة الشاهقة نطاق إحساسه، واختفى معها الظل الهائل الذي يضغط على صني.
أيا كان المخلوق الهائل، فقد تحرك.
وبعد حوالي دقيقة، اصطدم شيء ما بالأرض من مسافة بعيدة، مما تسبب في هزة عنيفة أخيرة.
تردد صني لفترة، ثم خرج من الظلال.
وقف بلا حراك لفترة، وهو ينظر في اتجاه المكان الذي ذهب إليه المخلوق الهائل.
في النهاية، صر على أسنانه وتبعه.
‘ما الذي أفعله بحق؟’
لم يكن متأكدًا من سبب رغبته في العثور على المكان الذي سقط فيه المخلوق، ولكن شيئًا ما كان يدفعه إلى الأمام. ربما كان الحاجة إلى معرفة نوع الأعداء الذين سيواجههم في هذا المكان الغامض. ربما كان فضولًا بسيطًا. وربما كان شيئًا يشبه نداء الفراغ، الرغبة المروعة في القفز إلى الهاوية الجاذبة. في مرحلة ما، ألتف صني نحو منحدر عمودي وبدأ في التسلق. لم يكن الضباب الأبيض متجانسًا — كان أكثر كثافة في بعض الأماكن وأقل في أخرى. عادةً، كلما اقترب المرء من قمة، كلما أصبح بإمكانه الرؤية أبعد.
استغرقه الأمر فترة لتسلق الجرف الشاهق خلسة. متبعًا حافته، وصل صني إلى حافة ضيقة ورأى وادي جبلي واسع.
كان مغطى بالضباب، لكنه لا يزال بإمكانه رؤية الشكل المرعب لمخلوق هائل ومروع يرقد في الضباب، يمتد جسمه الضخم بقدر ما يمكنه رؤيته. قام صني بتغيير منظوره، وأصبح شاحبًا عندما رأى محيطًا من الظلام الدنيء يتخلل روح المخلوق، وينتشر من سبعة أورام نامية.
‘ع… عملاق عظيم.’
شعر قلبه فجأة بالبرودة.
إن رؤية ‘عملاق’ عظيم كانت مرعبة بما فيه الكفاية. لكن، ما جعل صني يتوتر حقًا… كانت حقيقة أن لحم الرجس كان ممزقًا ومشوهًا بشكل رهيب، كما لو كان قد نجا بالكاد من صراع مخيف.
ما الذي يمكن أن يشوه ‘عملاقًا’ عظيمًا بهذه الدرجة من السوء؟.
كانت الجروح مروعة وبشعة بشكل لا يوصف، ومع ذلك، لم تبدو كافية لقتل كائن مثل هذا.
لكن…
لقد أضعفته.
أضعفت جسده، وأضعفت عقله، وأضعفت روحه… وأضعفت إرادته.
وكان ذلك خطيرًا جدًا في الجبال الجوفاء.
على الرغم من أن الرجس الذي لا يمكن تصوره كان لا يزال حيًا، إلا أن الضباب كان يتدفق بالفعل فوق شكله اللامتناهي.
مختبئًا في الظلال، ومذهولًا، بقي صني يراقب بلا حراك…
وبينما كان ‘العملاق’ العظيم يُلتهم من قبل اللاشيء، ويذوب ببطء إلى ضباب حليبي.
لم يمر وقت طويل حتى اختفى تمامًا. ومات بهذه البساطة.
لا، لم يمت حتى.
لقد تم محو ‘العملاق’ ببساطة، كما لو لم يكن موجودًا من قبل على الإطلاق.
ترجمة امون