عبد الظل - الفصل 583
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 583 : شبكة الأكاذيب
استغرق الأمر من ساني وقتًا طويلًا ليفهم ما الذي كان موردريت يفعله، ولماذا. لكنه في النهاية نجح، وتمكّن من توقّع ما كان ذلك الأمير المراوغ ينوي فعله… أو على الأقل تنبّأ به بدرجة كافية من اليقين ليُخاطر بحياته في هذا الوضع اليائس.
مثل الجميع، انخدع ساني في البداية. كان أوّل اكتشاف توصّل إليه يتعلق بالجريمة الوحشية التي قُتل فيها الحارسان… حينها أدرك أن موردريت لم يكن مجنونًا منحرفًا كما يظنّه الجميع.
لم تكن وحشيته البشعة نابعة من دافع سادي لا يمكن كبحه، أو خللٌ عقلي. بل كانت استراتيجية باردة ومحسوبة استخدمها الأمير لتقليص أعدائه، وكسر معنوياتهم، وجعل أرواحهم أكثر عرضة لهجماته. لقد حوّل الرعب نفسه إلى سلاح، وأحسن استخدامه.
ففي النهاية، يخشى الناس المجهول أكثر من أي شيء. وما الذي يمكن أن يكون مجهولًا أكثر من عقل مجنون قاتل مختل؟.
وبعد أن خطر هذا الاحتمال في ذهن ساني، أصبحت الخطوة التالية بسيطة… لكنها صعبة التنفيذ. كان عليه أن ينظر إلى نفسه بصدق ويعترف بأنه هو الآخر كان ضحية لهذه الأستراتيجية.
لقد تسلّل موردريت إلى أعماقه. كان ساني أكثر مقاومة للخداع والتلاعب من معظم الناس، لكنه في المقابل، كان أكثر ضعفًا أمام مكائد أمير اللاشيء. فعداوتهما شخصية، ولذلك كانت مشاعرها قوية ومدمّرة: الإذلال، السخط… الإحساس بالخيانة. ومثل هذه المشاعر هي عدو الوضوح.
لقد سمح ساني لعقله بأن يتغشّى بها، وبسببها، قد خاف.
لذا، كان عليه أن يفصل مشاعره عن إدراكه للواقع، مدركًا أن بعضها كان عائقًا حقيقيًا، وأن بعضها الآخر قد صُمّم عمدًا على يد موردريت لحجب الحقيقة.
وبمجرد أن فعل ذلك… كأنّ حجابًا قد سقط عن عينيه. وبدونه، اتّضحت له عدة أمور.
أوّلها كان أن موردريت لم يكن مخيفًا كما أراد للجميع أن يعتقدوا. نعم، كان قويًا بدرجة مذهلة بالنسبة لمستيقظ، وفتاكًا بالقدر ذاته… بدرجة جعلت ساني يظن أن الأمير يمتلك جانبًا ساميًا.
فإن كان هو ونيفيس يمتلكان واحدًا، فلمَ لا يكون موردريت أيضًا؟.
لم يكن يعلم عدد أنوية الروح التي يمتلكها موردريت، ولكن إذا كان جانبه مشابهًا لجانبيهما بالفعل… فقد أُتيح لموردريت وقتٌ أطول بكثير بصفته وريث عشيرة فالور السابق، ليجمع شظايا روح ويزداد قوة. وقد يكون هذا سببًا آخر لغرابة مستوى قوته.
على أي حال، لم يكن هذا مهمًا. لأن موردريت، مهما بلغت قوته، لم يكن قويًا بما يكفي ليقضي تمامًا على سجّانيه – وإلا لكانوا ماتوا بالفعل. في الواقع، اشتبه ساني في أن أمير اللاشيء كان في نفس الوضع الذي هو فيه.
سَيقدرُ ساني على مواجهة أحد الأسياد، وربما كليهما، بمساعدة كاسي والكثير من الحظ. وكان يملك فرصة في القتال ضد الضائعين الناجين.
لكنه لم يكن قادرًا على مواجهتهم جميعًا معًا… ولا موردريت أيضًا.
لم يكن من قبيل المصادفة أن الحراس قُتلوا على الطريقة الوحشية المعتادة، بينما اكتفى الأمير بقطع حناجر الحراس الجرحى ببساطة. لم يكن موردريت قد تخلّى عن همجيّته فجأة… بل ببساطة لم يكن يملك القدرة على فعل أمورٍ أكثر دون أن يُكشف أمره. لم يكن موردريت كلّي القدرة.
لكنه كان جيدًا… جيدًا جدًا.
أما الاكتشاف الثاني فقد أتى بفضل الأول، بعد أن قُتل الحارسان الجريحان، وأصبح رفاقهم المتبقون يتعطّشون لدماء ساني. في ذلك الوقت، فكّر للحظة في الهرب، رغم علمه بأن بيرس وويلث سيلحقان به لا محالة…
وكان هذا هو بيت القصيد. في تلك اللحظة، فهم ساني هدف موردريت الحقيقي. لم يكن الهدف هو عزل ساني، وفصله عن الضائعين، والسيطرة على جسده… لا، كان الأمير يريد فصل الضائعين عن بعضهم بمساعدة ساني… رغمًا عن إرادته. ليتمكّن من قتلهم، وهم متفرّقون.
وهذا لا يعني أنه لم يكن يخطط لجسد ساني أيضًا، بل يعني فقط أنه لم يكن يسعى إليه بعد.
وبعد أن أدرك ساني هدف موردريت المباشر، اتّضح له شيءٌ أخير.
…وهو أن القاتل كان بالفعل بين صفوفهم.
إلا أنه لم يكن يختبئ داخل ساني، كما اشتبه الضائعون، بل كان مختبئًا داخل أحدهم.
عذّب هذا اللغز ساني لفترة. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ فبيرس وويلث لم يكونا ساذجين. كان لديهما سبب وجيه للثقة بجنودهما… وذلك السبب كان أن أحدًا من الحراس لم يتعامل مع أي مرآة أو انعكاس منذ تدمير وعاء موردريت الأخير. كان الجميع حذرين، ويراقبون رفاقهم للحفاظ على سلامتهم أيضاً.
فكيف تمكن موردريت من التلبّس بأحدهم إذًا؟.
كانت الإجابة بسيطة، ومخيفة آنٍ واحد.
أدرك ساني ذلك حين تذكّر الحارس الذي أحضر لهما الطعام والماء في القفص، ثم فقد صوابه واقتلع عينيه بيديه.
…العينان.
فالعين مرآة الروح، في نهاية المطاف.
محبوسًا في غرفة صغيرة مع كاسي، لم يستطع ساني إلا أن يلاحظ انعكاس صورته في عينيها الجميلتين. حين رأى وجهه يحدّق إليه من أعماقهما، ارتجف…
لم يكن موردريت بحاجة إلى مرآة ليدخل روح أحدهم. فكل بشري في معبد الليل كان مرآةً بأرجل – لكنهم لم يكونوا يدرون ذلك. لم يكن الأمر مصادفة… بل كان مخطّطًا. فقد أخفى الأمير المنفي هذه الخاصية من قوّته عمدًا، ولم يستخدم سوى المرايا والانعكاسات المادية لامتلاك الأوعية، ليخلق انطباعًا زائفًا بأنها وسيلته الوحيدة.
لقد كان وحشًا ماكرًا بحق.
احتفظ ساني بهذا التخمين المروع لنفسه وبدأ يحاول استنتاج من هو القاتل الحقيقي من بين الضائعين. فكّر في بيرس وويلث، ثم فكّر في الحارس الجريح الوحيد الذي نجا آنذاك – فاختياره كوعاء سيكون خبيثًا بما يكفي لشيطان مثل موردريت.
لكن بعد ذلك، خطر له أن موردريت لم يختر ضحاياه عشوائيًا. كان يملك القدرة على قتل أشخاص داخل المعقل، بطريقة أكثر رعبًا بكثير… فلمَ استهدف الحراس أولًا؟.
كان أحد الحراس المقتولين وجهًا مألوفًا… الضائع الذي كان يمتلك جانبًا يتيح له رؤية ما لا يُرى، مثل ظل ساني المختبئ في الظلام.
أو اختراق حجاب التخفي الذي كانت تصنعه الحارسة التي كادت أن تقطع حنجرة ساني، ثم دعته لرؤية ويلث وبيرس، بل ورافقته هو وكاسي إلى الحمّام.
نعم… كان ساني شبه متأكد أن موردريت كان يختبئ في جسدها. بهذه الطريقة تمكّن من قتل الحارسين، ثم الجريحين لاحقًا، دون أن يُرى أو يُسمع. كانت الإجابة واضحة… فالحل الأبسط غالبًا ما يكون هو الصحيح، في النهاية.
وهكذا، توقّع ساني ما كان على وشك الحدوث.
كان موردريت يدفع بيرس وويلث نحو اتخاذ خطوة. ومع تناقص أعدادهم يومًا بعد يوم، ودون أي معلومات مؤكدة عن موعد وصول القديس كورماك، لم يكن أمام الأسياد سوى التحرّك. أوهمهم موردريت أنهم هم من يوقعون به في فخ، بينما هو في الحقيقة من كان يوقعهم فيه… إذ جعلهم يغادرون المعقل لأخذ ساني بعيدًا.
وفي غيابهم…
لم يعد هناك من يحمي الضائعين الناجيين من الوحش المختبئ بينهم.
رفعت ويلث رأسها فجأةً، وشحب وجهها. ثم ارتجفت شفتيها.
“لا…”
خفض ساني رأسه، وكتم ابتسامةً قاتمة.
في تلك اللحظة، أدرك الأسياد ما كان ساني يعرفه منذ وقت.
لكن الأوان كان قد فات.
فات… تمامًا ولا رجعة فيه.
{ترجمة نارو…}