عبد الظل - الفصل 448
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
عبد الظل ٤٤٨. الإبرة الذهبية
حدق صني في الذراع المقطوعة للسَّامِيّ المجهول، ثم في العفن المروع والمدنس المنتشر منها. ثم، دعك وجهه لتعب.
‘…لماذا لا يكون أي شيء سهلاً على الإطلاق؟’
كان متأكدًا من أن قدره مرتبط بطريقة ما بتلك الذراع، مما يعني أنه سيتعين عليه الوصول إليها بطريقة ما. لكن صني كان متأكدًا أيضًا من عدم وجود مكافآت كافية في الكون كله لجعله يقترب من هذا العفن، ناهيك عن لمس شيء مصاب به.
كان لديه شعور بأن هذا الشيء كان بعيدًا تمامًا عن نطاقه.
في الواقع، كان يشك في أن كائنًا سَّامِيًّا قد قطع ذراعه بلا رحمة لأنه حتى شخص قوي مثله لم يكن لديه وسيلة لمقاومة هذا الفساد المنتشر.
ماذا كان من المفترض أن يفعل صني إذن؟
حسنًا…
محاولًا البقاء بعيدًا عن العفن قدر الإمكان، درسه لفترة قبل أن يتوصل إلى نتيجة غريبة… أو بالأحرى سؤال غريب.
إذا كان الفساد فظيعًا جدًا، فلماذا لم ينتشر عبر البرج بأكمله؟ لماذا تمكن من الزحف بضعة أمتار فقط خارج المجمرة الفضية ليحول جزءًا صغيرًا فقط من الطابق الثاني من الباغودا إلى لحمه؟
‘الغي ذلك. لماذا لم تصبح الجزيرة بأكملها قطعة عملاقة من الفحم الأسود الفاسد… أو أيًا كان هذا الشيء بـحق الجحيم؟’
لم يكن من الصعب تخمين الجواب. كان ذلك لأن العفن، تمامًا مثل أي شيء آخر داخل البرج، كان مختومًا بعيدًا عن الزمن لآلاف السنين.
والآن بعد أن كسر صني ذلك الختم…
تعمق عبوسه عندما نظر إلى المجمرة الفضية التي كانت متضخمة وأصبحت جزءًا من العفن المنتشر.
الآن، لم يكن هناك سوى احتمالين. كان الزمن سيلحق بالفساد الملتهم، وإما سيلتهم كل شيء ببطء… أو يتضور جوعًا ويموت.
هل يمكن لهذا الشيء الاستمرار لآلاف السنين دون أن يتغذى على شيء إلا الحجر البارد؟ هل كان بحاجة إلى أن يتغذى على الجسد والأرواح، أم أن أي شيء سيفي بالغرض؟
‘…أعتقد أنني سأكتشف ذلك.’
بالتركيز على رقعة العفن المروع، حاول صني قمع خوفه واتخذ خطوة إلى الأمام.
لا يبدو أن العفن كان ينتشر. ليس بعد، على الأقل.
وعلى أي حال، هو لن يقترب منه. لكنه كان يعلم أيضًا أنه إذا حدث الأسوأ، فلن يكون لديه أي أداة تحت تصرفه من شأنها أن تنقذه. إذا بدأ هذا الشيء في النمو، وينتشر ببطء عبر البرج السبجي بأكمله، ثم إلى الجزيرة بأكملها، فسوف يموت صني ببساطة. ربما يقفز إلى العدم ليتجنب أن يصبح جزءًا من ذلك… الشيء.
لم يكن هناك مكان آخر للتراجع إليه في السماء السفلى، بعد كل شيء. وكان يشك في أنه سيتمكن من العثور على جزيرة سرية ثانية في الفراغ…
لذلك، كان أمله الوحيد هو العثور على شيء داخل الباغودا يمكن أن ينقذه. كان عليه استكشاف المزيد من الطوابق…
بالإضافة، كان هناك احتمال أن يذبل العفن ويموت بسرعة. ليس أن صني سيراهن عليه، بالطبع.
بضغط ظهره على حجر السبج البارد، استبعد صني القديسة ودار حول الجدار الخارجي للقاعة الكبرى حتى وصل إلى الدرج المؤدي إلى الطابق الثالث. هناك، استدعى الشيطانة الصامتة مرة أخرى، وتردد قليلاً، ثم ترك أحد ظلاله ليراقب العفن المفترس.
بشعوره بالذعر غير العقلاني عند فكرة إدارة ظهره للمجمرة الفضية، صر صني على أسنانه، ثم صعد السلالم الحلزونية بحذر.
بمجرد أن اختفى الشيء الفظيع عن نظره، أطلق تنهيدة مرتاحة وأدرك أن جسده بالكامل كان مغطى بالعرق البارد. رفع صني يدًا مرتجفة، ومسح وجهه، ثم واصل الصعود إلى أعلى.
على الأقل، وجود القديسة بجانبه أعطاه القليل من الثقة. بدت الظل غير منزعجة تمامًا من المظهر المروع الذي تركاه وراءهما.
‘…أراهن أن فكرة الخوف لا تتلاءم حتى مع رأسها الحجري ذاك. هل لدى الظلال القدرة على الخوف؟’
لم يكن يعلم ما إذا كانت القديسة تشعر بالخوف أم لا، لكن يمكنه معرفة ذلك بالتأكيد مع الظل الكئيب. في الواقع، وراء مظهره الخارجي المتغطرس، كان جبانًا إلى حد ما. لقد كان متأكدًا من أن الوغد كان سيرتجف تمامًا لولا حقيقة أنه ملفوف حاليًا حول جسده.
في محاولة لإلهاء نفسه بهذه الأفكار، دخل صني إلى الطابق الثالث من البرج السبجي… وتجمد مذهولًا مما رآه هناك.
‘فـ… فهمت. لا انتظر. ما الذي أنظر إليه بـحق الجحيم؟’
كانت الغرفة التي وجد نفسه فيها أصغر من القاعات الثلاث السابقة التي استكشفها – ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الباغودا كان يضيق كلما ارتفع إلى أعلى، ولكن أيضًا لأن الطابق كان مقسمًا إلى عدة غرف.
وفي تلك الغرفة على وجه الخصوص، طفت العشرات من أذرع الدمى الخزفية في الهواء، كل منها على مستوى مختلف من التفكيك إلى أجزاء صغيرة.
كان الأمر كما لو أن شخصًا ما قد سرقهم من كومة الدمى المكسورة في الطابق تحت الأرض ثم أحضرهم إلى هنا… ليفعل ماذا بالضبط؟
حدق صني في حديقة الأذرع المفككة الطائرة، ثم اقترب أكثر. شعر كما لو كان في متحف تشريح غريب…
وكما تبين، كانت الدمى الخزفية أكثر تعقيدًا مما كان يعتقد. في حالتها المفككة، أظهرت أطرافها مدى تعقيد التصميم، وكم عدد الأجزاء المتحركة التي اُستخدمت لجعل كل منها وظيفية ومفصلة مثل ذراع الإنسان. بدت المفاصل، على وجه الخصوص، وكأنها أعجوبة هندسية… ناهيك عن النسيج الدقيق للغاية للخيط الماسي الموجود تحتها.
حتى آليات تكنولوجيا التعويذة لا يمكنها أن تتباهى بهذا المستوى من البراعة والتعقيد.
ولكن لماذا تم إحضار هذه الاذرع إلى هنا ليتم تفكيكها؟ من فعل ذلك؟ أمير العالم السفلي نفسه؟
لا يبدو الأمر كذلك… لماذا قد يحتاج إلى دراسة إبداعاته التي تخلص منها بنفسه؟
أصبح كل شيء أكثر وضوحًا عندما وصل صني إلى منصة حجرية في أقصى نهاية الغرفة ورأى ضوءًا ذهبيًا خافتًا ينبعث من جسم صغير ملقى عليها.
كان على سطح الطاولة أجزاء عديدة تم انتزاعها من الأذرع الخزفية المفككة، وبكَرة من الخيوط الماسية الجميلة… وإبرة طويلة وضيقة.
لقد كانت الإبرة هي التي أعطت إشعاعًا خافتًا وضعيفًا.
نظر صني إلى الإبرة، ثم نظر إلى الأذرع الخزفية الطافية، ولاحظ للمرة الأولى أن كل منها يفتقد جزءًا أو اثنين.
أخيرًا، ارتبطت أجزاء مختلفة من المعلومات في ذهنه، وشعر أنه فهم شيئًا ما حول ما حدث في البرج السبجي.
في وقت ما بعد أن غادر أمير العالم السفلي هذه الجزيرة المخفية – ربما بعد سنوات، أو ربما بعد آلاف السنين – تسلل ضيف غير مدعو إلى الباغودا الأسود مثل اللص، وتجاوز بطريقة ما البوابات المغلقة دون أن يفتحها أو يكسر الختم الذي كان يحافظ على هذا المكان من أن يدمره الزمن.
كان هذا اللص مخلوقًا سَّامِيًّا بحد ذاته… وكان قد أصيب أيضًا بجروح فظيعة. لقد تمزقت إحدى ذراعيه وأصيبت بالعفن المنتشر الذي لا يستطيع أحد، ولا حتى إلـه مثله، التخلص منه.
ولهذا السبب، قام اللص بقطع ذراعه المصابة بالتعفن من الكتف وألقاها في اللهب السَّامِيّ المشتعل في المجمرة الفضية في الطابق الثاني، ثم نزل إلى الطابق تحت الأرض لجمع الأطراف من الدمى الخزفية المكسورة. كان هذا هو الإلـه الذي حام حول الكومة وترك آثار الأقدام التي لاحظها صني في الغبار.
وفي النهاية، صعد اللص إلى الطابق الثالث وصنع لنفسه ذراعًا جديدة من أجزاء دمى أمير العالم السفلي المهملة… ثم خيطها في جسده بخيوط الماس بواسطة إبرة حادة.
…كانت تلك هي الإبرة التي كان صني يحدق فيها حاليًا، وكان الضوء السَّامِيّ فيها ينبعث من آثار بقايا دم اللص التي لا تزال متبقية على سطحها.
ولكن من كان اللص؟ ولماذا كان صني مرتبطًا مع ذراعه المقطوعة بخيط القدر الذهبي؟
تردد صني للحظات قليلة، ثم مد يده إلى الإبرة… لكنه تجمد فجأة.
الظل الذي تركه خلفه لمراقبة التعفن المروع قد لاحظ شيئًا ما.
اللحم الأسود المتقرح… كان يتغير.
ترجمة بواسطة: Laa Hisham