عبد الظل - الفصل 161
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
عبد الظل ١٦١. روبيكون
حدق فيه هاربر وتلك الابتسامة الخجولة المثيرة للشفقة مثبتة على شفتيه. في عينيه، كان هناك ود مزيف، قلق، ويأس. لسبب ما، شعر صني برغبة عنيفة في محو هذه الابتسامة من على وجهه.
‘هذا الحثالة…’
في حالته المضطربة، كان يواجه مشكلة في السيطرة على عواطفه. لابد أن شيئًا ما قد ظهر على وجهه، لأن هاربر قد رمش فجأة وتراجع خطوة إلى الوراء. ولكن في النهاية، انتصرت رغبته في العودة إلى القلعة على حذره. وأجبر نفسه على البقاء ساكنًا، تردد لبضع لحظات، وقال:
“أ… أردت أن أشكرك على دعوتي إلى منزلكم هذا الصبح.”
نظر صني إلى الشاب الهزيل. في شفق الغسق، كان وجهه الشاحب مخفيًا في الظلال العميقة. أجاب أخيرًا:
“أجل. يمكننا التحدث.”
‘فكر يا صني، فكر….’
لكن عقله كان يرفض الطاعة. كان معظمه منغمسًا في بحر الرعب البارد الذي جلبه كشف المستقبل. وما تبقى منه كان مشوشًا تمامًا.
رفع صني إحدى يديه وفرك وجهه.
‘إنه جاسوس. وهو هنا ليسهل على جونالوج قتلنا. ما الذي يجب القيام به؟’
في الصباح… نعم، قبل أن يتغير كل شيء، رأى صني هاربر يقدم تقاريره إلى أحد الحرس. أراد أن يضرب الشاب الجبان ويطرده من الكوخ… ولكن هذا سيكون قرارًا خاطئًا.
أفضل ما يجب فعله هو عدم فضح الجاسوس التعيس، ولكن التظاهر بالسذاجة وإطعامه بمعلومات كاذبة. نعم… كانت هذه الطريقة المثلى للتعامل مع الفئران. بصفته جاسوس طموح بنفسه، عرف صني هذه الأشياء جيدًا.
لكن هل سيكون قادرًا حتى على خداع هاربر؟بالصدفة البحتة، اختار المخبر الفاشل شخصًا مثاليًا كهدف له. لأن صني كان يعلم الكثير من الأسرار ولم يكن قادرًا على الكذب.
لكنه كان أيضًا سيد الخداع. لذا…
“بلا شمس؟”
جفل صني ونظر إلى الشاب الهزيل.
“آسف. آه… أنا ذهني مشغول قليلاً بعد صيد اليوم. هل أردت التحدث؟”
مطمئنًا، ابتسم هاربر مرة أخرى.
“كما ترى، أردت أن أشكرك على كل ما فعلته من أجلي ومن أجل كل الأشخاص الموجودين هنا في المستوطنة. قبل مغادرتي القلعة، أحضرت معي شيئًا مميزًا للغاية. فكرت في مشاركته معك!”
عبس صني
“شيئًا مميزًا؟”
‘يجب أن أعرف ما هي خطته بالضبط، وأطعمه بعض الحقائق الصغيرة مع الأكاذيب، ثم أبلغ نيف في الصباح. صـ–صحيح؟
وفي الوقت نفسه، كان هاربر يهز رأسه بحماس:
“إنها زجاجة خمر. كل شهر، يتم بيع عدد قليل من قبل الحرفيين الذين يعملون في الحديقة. الحصول على واحدة أمر صعب للغاية، لكنني كنت محظوظًا. أتريد أن تأتي وتجربها؟ كوخي قريب.”
تشتت انتباه صني لبضع لحظات، ثم أجبر نفسه على التركيز. ما الذي كان يتحدث عنه هاربر؟ حرفيون، خمر، محظوظًا…
“…لِمَ لا؟”
بإعطاءه إيماءة، أشار إلى الشاب أن يقود الطريق واتبعه.
عندما مروا بسكان الأحياء الفقيرة الآخرين في طريقهم إلى كوخ هاربر، لم يستطع صني سوى الشعور كأنه محاط بجثث سائرة.
كان معظم هؤلاء الناس موتى بالفعل، هم فقط لم يعرفوا ذلك بعد.
…لكنه فعل.
كان ثقل هذه المعرفة يسحقه ببطء.
كان كوخ هاربر الصغير مثير للشفقة أكثر من بقية الأكواخ الأخرى في الأحياء الفقيرة. تم بناؤه بشكل فظ من قطع الخشب المتعفنة التي بها شقوق عديدة لتسمح للرياح الباردة بالدخول. في الداخل، لم يكن هناك سوى كومة من قش الأعشاب البحرية والتي كانت تعد بمثابة مرتبة واهية، وطاولة خشبية منخفضة. كان بإمكان صني أن يتفهم سبب رغبة النائم الهزيل في العودة إلى القلعة.
كان هناك باب على الأقل.
بمجرد دخوله، نظر هاربر حوله بإحراج ودعا صني للجلوس على الأرض أمام الطاولة. ثم، أخرج جرة زجاجية من تحت كومة الأعشاب البحرية ووضعها أمامه ككنز نادر. بإخراج سكين حديد ردئ من مكان ما، فتح هاربر ختم الشمع للجرة، ووضع السكين على الطاولة، ثم سكب سائلاً أبيض كالحليب في كوب طيني متكسر.
“تفضل!”
سلم الكأس إلى صني وابتسم.
أخذه صني وشم رائحة الخمر الغريبة. تذكر الكثير من الناس في الضواحي الذين افرطوا في شرب الخمور أو قتلوا أنفسهم بالمنشطات والمخدرات الرخيصة. لحسن الحظ، كان دائمًا قلقًا ليسمح لأي شيء بتغيير حالته العقلية. بالإضافة إلى ذلك، لفترة طويلة، لم يستطع أن يسمح لنفسه بالموت قبل إنجاز شيء معين.
لهذا السبب لم يكن صني على دراية كبير بالكحول.
بتقريب الكوب من شفتيه، حبس أنفاسه وابتلعه على مرة واحدة. انتشر الدفء اللطيف على الفور عبر جسده، حاملاً معه العزاء الحلو.
‘… أستطيع تفهم لماذا هو مغري.’
لم يكن سيئًا للغاية حقًا.
أعاد هاربر ملء الكأس على عجل وسأل:
“سمعت عن آخر عملية صيد. بحق السَّامِيّن ، لقد نجوت من مواجهة مع مرسول البرج! لا بد أن ذلك كان فظيعًا…”
ظل صني صامتًا لوهلة، ثم هز كتفيه.
“لقد وقفت فقط في الخلف.”
هز الشاب النحيف رأسه.
“ومع ذلك. أنت رائع! سمعت أنك كنت مع السيدة نجمة التغيير منذ البداية، ونجوتم أكثر من شهرين في المتاهة. أهذا صحيح؟”
كان ممثلاً سيئًا حقًا. حتى لو لم يكن يعرف صني أن هاربر كان جاسوسًا، لكان قد شعر بشيء غريب في هذه المرحلة. لكن كان من السهل التظاهر بعدم ملاحظة أي شيء.
‘ستخبرك الجرذان مثلي بكل شيء طالما أنك توليهم القليل من الاهتمام، هاه؟’
خديه محمران من الكحول، ابتسم صني ببطء:
“أوه… نعم! في الواقع، لولاي، لكانت قد ماتت منذ زمن طويل. هل تعرف كم مرة أنقذت حياتها؟”
كان هذا الجزء مخطط له بالكامل، بهدف خلق شعور زائف أن خطة هاربر في استخدام الغيرة لإرخاء لسانه قد نجحت. ومع ذلك، خرجت الكلمات التالية من فم صني من تلقاء نفسها.
بصر أسنانه، شحب وجهه فجأة وهمس:
“… ومن أجل ماذا؟ هاه؟ لـ… لأجل هذا؟ لم يكن من المفترض حدوث هذا. كيف له أن يحدث؟”
بعد ذلك، أمسك صني برأسه وأجبر ضحكة مظلمة على الخروج.
“هذا سيء… ما الذي أقوله؟”
بسوء فهم رعبه أنه كان علامة على أن الخمر قد أدى وظيفته، أصبح هاربر أكثر شجاعة قليلاً:
“لابد أنك قاتلت جنبًا إلى جنب مع السيدة نيفيس كثيرًا!”
خفص صني رأسه، ثم هز كتفيه.
“نعم.”
تردد الشاب الهزيل بضع لحظات، ثم سأل بحذر:
“إذن… يجب أن تكون قد شاهدت قدرة جانبها؟”
اعرف قدرة عدوك، اعرف عيبهم، واعرف نقاط ضعفهم… هكذا تقتلهم. محدقًا في هاربر، تذكر صني فجأة معركته الأولى بعد لقاء نيفيس. في ذلك الوقت، سألته عما إذا كان قد قام بتشريح جثة زبال الدرع لمعرفة نقاط ضعفهم.
هذا ما كان يفعله الجبان النائم الآن. تشريحهم. على الرغم من أنهم لم يكونوا موتى… بعد.
“بالتأكيد. يمكن استخدامها للشفاء.”
لمعت عيون هاربر.
“اذن هي معالج! بالطبع، هذه القدرة تناسب السيدة نجمة التغيير جيدًا. الجميع يعلم أنها ملاك…”
‘جيد…’
لقد تحقق هدفه الأول. نجح صني في خلق سوء تفاهم، والذي دفع هاربر إلى الاعتقاد بأن جانب نيف كان يقتصر على الشفاء فقط. كان لابد من وجود جواسيس آخرون في الأحياء الفقيرة، بالطبع. مع تأكيدهم على هذا البيان من خلال تذكرهم كيف عالجت نيف الصيادين الجرحى اليوم، بلا شك سيصدق جونالوج ورجاله أن نجمة التغيير لم تمتلك قدرة هجومية.
من سيعتقد أبدًا أن اللهب خاصتها يمكنه أن يشفي ويدمر؟
وفي الوقت نفسه، كان هاربر يسكب المزيد من الخمر في الكأس.
“بالمناسبة، لطالما أردت السؤال. هل تعرف كيف تلقت السيدة نيفيس اسمها الحقيقي؟”
ربما بسبب حالته العقلية السيئة، أو بسبب الخمور، أو ربما ببساطة بسبب هفوة لحظية في الحكم، لم يفكر صني في كلماته التالية جيدًا قبل الإجابة:
“على الأرجح بنفس الطريقة التي حصلت بها على خاصتي.”
ثم، تجمد.
‘سحقا لك!’
كان منشغلاً جدًا في خلق صورة زائفة عن نيف في ذهن هاربر لدرجة أنه، للحظة، نسى إبقاء هويته الحقيقية سرًا.
‘أحمق! أحمق! أحمق!’
بدون أن يترك الشعور بالذعر يظهر على وجهه، حاول صني إنقاذ الموقف من خلال رمي رأسه للخلف والضحك، مما خلق انطباعًا أن بيانه الأخير كان مزحة.
لحسن الحظ، يبدو أن هاربر قد صدقه. ضحك أيضًا، ثم نظر إلى صني بشرارات فكاهية في عينيه.
ومع ذلك، فإن كلماته التالية قد أرسلت صني إلى أحضان باردة من الرعب. كان الأمر كما لو أن أبواب الجحيم انفتحت تحت قدميه مباشرة.
راغبًا في مواصلة المزحة، ابتسم الشاب الهزيل وقال مازحًا:
“أوه، بالطبع، بالطبع، لورد بلا شمس! ما هو اسمك الحقيقي إذن؟”
حدق صني فيه، الابتسامة مجمدة على وجهه.
‘فكر! فكر! كيف تخرج من هذا؟’
لكن لم يكن هناك مخرج، أو لم يستطع إيجاده على الاقل. لقد قُبض عليه.
ظهر الشعور المألوف بالضغط على عقله. ببطء، أصبح صني شاحبًا بدرجة مخيفة.
كان هاربر لا يزال يبتسم، منتظر الإجابة. وجهه كان نحيلاً، متعبًا، ومليئًا بالخوف والأمل البائس.
كان مجرد طفل ضعيف مثير للشفقة، بعد كل شيء.
تم استبدال الضغط بألم شديد، مما جعل جسد صني بالكامل يرتعش.
لماذا، لماذا كان عليه أن يسأل هذا السؤال؟!
لكن لقد فات الأوان. ما حدث لا يمكن تغييره.
كالوحش المحاصر، يمكن لصني التفكير في شيء واحد فقط…
شعر هاربر أخيرًا بأن هناك خطأ ما. اتسعت عيناه.
“صنـ…”
…كيفية النجاة.
قبل ثانية فقط من تجاوز الألم حدوده وإجباره على الإجابة، انحنى صني فجأة إلى الأمام، والتقط السكين الحديدي وطعنه في قلب الشاب المسكين.
ترجمة بواسطة: Laa Hisham