عبد الظل - الفصل 154
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
عبد الظل ١٥٤. ضوء السبعة
صمت الجميع. حتى جيمّا نفسه بدا مندهشًا قليلا من هذا الإعلان. الشخص الوحيد الذي لم يتفاعل مع الأمر برمته كان كاستر، الذي دخل القاعة الكبرى قبل وقت قليل وكان يقف الآن بجوار أحد الجدران، ويشاهد نيفيس بتعبير معقد.
كان سماع اسمها الكامل صادمًا لسببين مختلفين تمامًا ولكن متساويين في نفس التأثير الضخم.
أولاً، هي لم تطلق على نفسها اسمًا بشريًا، بل اسم حقيقي. في تاريخ الحضارة الإنسانية بأكمله، تمكن عدد قليل فقط من المستيقظين من اكتساب اسم حقيقي في أول كابوس لهم. وغني عن القول، بالتأكيد لم يكن هناك أي منهم بين آلاف النائمين المحاصرين على الشاطئ المنسي.
جونالوج نفسه لم يكن لديه واحد.
ولكن نيفيس فعلت.
…وصني كذلك بالطبع، لكن لم يكن يعرف أحد بذلك.
ثانيًا، أعلنت عن نفسها أنها وريثة، وليست أي وريثة، بل من عشيرة اللهب الخالد الأسطورية. عشيرة كانت مسؤولة عن دفع الجنس البشري بأكمله إلى الأمام ليس لمرة واحدة، بل لمرتين– من خلال المساعدة في التغلب على الكابوس الثاني، ثم الثالث.
كان الجمع بين هذه الحقائق كافيًا لإحداث انفجار مجازي في وسط المدينة المظلمة. إن كان ذلك صحيحًا، فقد يمكن اعتبار وجودها كالمسيح هنا على الشاطئ المنسي.
فجأة، لم يبدو الهدوء الذي تجرأت على إظهاره أثناء تحدي مرشد الطريق غريبًا.
بدأت النظرات المذهولة في عيون جميع النائمين المجتمعين في القاعة الكبرى ببطء تفسح الطريق إلى توهج خفي، ضعيف، ومتردد.
كان الأمر كما لو أن بذرة أمل صغيرة قد زرعت فجأة في التربة الميتة لأرواحهم البائسة الخالية من الضوء.
إما عن طريق الصدفة أو عن قصد، اختارت نيفيس تلك اللحظة بالتحديد لاستدعاء درعها. أحاطت بها شرارات عديدة من الضوء في دوامة من الإشراق الخافت، وعندما اختفت، ظهر درع أبيض وأسود مذهل على جسدها الرشيق.
التصقت عيون الجميع على الفور على الرمز الموجود باللوحة الصدرية. عليها، تم نقش سبعة نجوم لامعة بشكل معقد في المعدن الأبيض الغريب.
“هذ–هذا الرمز!”
“رمز النجوم المضيئة!”
كحال صني، كان العديد من سكان القلعة الساطعة على دراية برمز النجوم السبعة. لم يكن منقوشًا فحسب في رداء التمثال العملاق الذي يقف أمام سور المدينة، بل كان موجودًا أيضًا في كثير من المنحوتات الحجرية التي زينت جدران القلعة القديمة.
يبدو أنه يمثل الأبطال السبعة الذين أقسموا ذات مرة على هزيمة الظلام الذي يلتهم هذه الأرض الملعونة… وإعادة شعبها إلى النور مرة أخرى.
شعر صني بعرق بارد يتصبب أسفل عموده الفقري.
‘ما… ما الذي تفعله؟ هل كل ذلك محض صدفة أم أن نيفيس قد خططت لكل شيء؟ ألا تدرك كيف سيكون رد فعل هؤلاء الحمقي على مثل هذه المسرحية؟ إذا فهموا الفكرة الخاطئة وبدأوا في التحدث عنها كأنها منقذ سماوي، فسرعان ما سيطرق جونالوج على أبوابنا’!’
ماذا قالت نيف؟ أن يتبعاها فقط ويحاولا أن يبدوا فاضلان؟
حدق صني في ظهرها، مذهول. كيف سيفعل ذلك حتى؟ لم تكن هناك قطرة واحدة من الفضيلة في جسده بالكامل!
في هذه الأثناء، تمكن جيمّا أخيرًا من تمالك نفسه وألقى نظرة مُفكرة نحو نجمة التغيير. في السابق، لم يكن في عينيه سوى الإهمال والتجاهل، أما الآن، فهناك تلميح من الحذر المظلم فيهما.
ابتسم قائد الصيادين ببطء.
“آه، في تلك الحالة، تشرفت بلقائك. علي القول، إنه اسم رائع للغاية. يجعل المرء يتساءل من أين حصلتِ عليه.”
كان من السهل فهم المعنى الخفي وراء تلك الكلمات. كان جيما يُلمح أن نيفيس كانت تكذب.
يبدو أن هذا التلميح قد أزال حجابًا عن أعين الجميع. سرعان ما فقد معظم الناس تعبيراتهم الكئيبة، ونظروا إليها مرة أخرى إما بحزن أو بترقب مظلم. والآن فقط، كانت هناك تلميحات من السخرية والازدراء على بعض وجوههم.
ومع ذلك… كان العديد منهم لا يزالون يحدقون فيها بتعابير مليئة بالإيمان المتردد والخائف.
لم تتفاعل نجمة التغيير مع أي من ذلك بأي شكل من الأشكال، ظلت ببساطة هادئة وغير مبالية:
كما لو كانت موجودة بعيدًا عن أوساخ ويأس هذا العالم.
بعد وقت قصير، تم اقتياد أندل إلى القاعة الكبرى.
***
كان مرشد الطريق ذا طول متوسط وبنية متينة، مع عيون زرقاء خطرة وفك حاد. حلق رأسه من الجانبين، ونسج الشعر المتبقي في جديلة قصيرة. بد أنه أكبر قليلاً من بقية النائمين المجتمعين في القاعة الكبرى، باستثناء جيمّا. ربما كان عمر أندل حوالي أربعة وعشرين عامًا.
بدا وأنه مقاتل ماهر ومخضرم عديم الرحمة. مرشدين الطريق كانوا نخبة النخبة، وهو لم يكن أي استثناء. حتى أولئك الذين كرهوا أندل نظروا إليه بخوف واحترام، وتبجيل حتى.
عند دخوله القاعة، ألقى أندل نظرة مظلمة على نيفيس وسار نحو قاعدة الدرجات المؤدية إلى العرش الأبيض. هناك، توقف وانحنى، ليظهر احترامه لقائد الصيادين.
“أنا هنا.”
نظر اليه جيمّا بتعبير غاضب ومزعج، ثم تنهد.
“هل تعلم لماذا استدعيتك إلى هنا؟”
“سافلة ما تريد أن تتحداني؟ جيد. كنت حزينًا للغايةعند حصول هاروس على كل المتعة في المرة الماضية.”
ظهرت العديد من الهمسات الغاضبة من وسط الناس، ولكن لم يجرؤ أحد على الكشف عن كراهيته للقاتل المتغطرس علانيًا.
التوى جانب من فم جيمّا للأسفل. بقى صامتًا لبعض الوقت ثم قال بنبرة خطيرة:
“متعة؟ هل قلت متعة؟ حسنًا، أندل، إن كنت تفتقر إلى الإثارة في حياتك، كان عليك فقط أن تخبرني. ما رأيك في ذلك؟ بعدما تقتل تلك الفتاة، سأريك ما هي المتعة الحقيقية.”
وبهذا، أشار إلى الحراس أن القتال يمكنه أن يبدأ. عبس أندل قليلاً، ولكن بعد ذلك استدار بابتسامة مظلمة على شفتيه.
تم اصطاحب صني وكاسي إلى الجانب، حيث انضما إلى الحشد المتفرج من النائمين. في هذه المرحلة، كان هناك عدد كبير منهم بالفعل مجتمين في القاعة الكبرى.
نظر الجميع إلى مرشد الطريق المخيف ونيفيس بمزيج من التوتر والترقب. كان بعضهم هنا فقط لمشاهدة عرض مروع، منتظرين بإثارة تدفق الدماء. بالنسبة لهم، لا يهم من عاش ومن مات، ومع ذلك لم يكن يصدق أحد أن الفتاة من المستوطنة الخارجية كان لديها أي فرصة للنجاة في مبارزة ضد مرشد الطريق المخضرم.
أراد آخرون أن يشاهدوا أندل يُعاقب على جرائمه. لكن حتى هؤلاء الناس بدا أنهم يعتقدون أن نيف قد حُكم عليها بالموت. كانوا يأملون فقط أنها ستتمكن من جعل الوغد ينزف قليلاً قبل ذلك.
ربما كان صني، وكاسي، وكاستر فقط من يعرفون أن نتيجة هذه المعركة لم تكن سهلة التوقع كما يعتقد الجميع.
بعدم تضييع وقت، استدعى أندل أسلحته وسار نحو نجمة التغيير. في يديه، لمع سيفه المعقوف الخطير فجأة بتوهج شديد، ثم أصبحت حافته أكثر حدة من شفرة الحلاقة.
بارتعاش، أدرك صني أن حتى درع فيلق النجوم المضيئة لن يكون كافيًا لإيقاف مثل هذا النصل.
كانت حركات مرشد الطريق ناعمة ومضللة، تكشف سنوات من الخبرة التي قضاها في المعارك الدموية ضد كل من مخلوقات الكابوس والبشر. لم تترك الابتسامة المظلمة شفتيه أبدًا، وكانت هناك شهوة دموية تحترق في عينيه. بعد سنوات قضاها في صيد الوحوش، بدا مثل الوحش بنفسه.
ومع ذلك، كانت نيفيس تقف بهدوء وتشاهده يقترب، لم تحاول حتى استدعاء سيفها.
‘ماذا تفعل؟ هل تحاول تقليد هاروس؟’
عندما قصرت المسافة بينهما إلى عدة خطوات فقط، حبس الجميع أنفاسه. لوح أندل بسيفه واندفع إلى الأمام بسرعة مذهلة تكاد تكون غير إنسانية حتى. كانت دفعته قوية للغاية لدرجة أن الغبار تتطاير في الهواء من تحت نعل حذائه.
شد صني قبضتيه.
قبل جزء من الثانية فقط قبل أن تقطعها الشفرة المعززة، تفادت نيفيس الضربة فجأة وألقت ذراعيها في الهواء، واستدعت في نفس الوقت سيفها الطويل، مرت شرارات الضوء الأثيرية عبر شفرة سيف أندل المعقوف، وتشكلت في فولاذ فضي.”
اتسعت عيون مرشد الطريق.
..إلى الأبد.
بعدم وجود أي شيء يفصله عن لحم العدو، السيف الطويل الذي تشكل لتوه من العدم خلف السيف المعقوف قد ضرب رقبته، قاطعًا رأس أندل بإتقان عن كتفيه.
عندما كان يتصاعد الدم إلى الهواء من عنق مرشد الطريق، تدحرج رأسه على الأرض كالكرة المروعة وتوقف بالقرب من الدرجات المؤدية إلى عرش جونالوج الأبيض.
بدا الأمر وكأن كل الأكسجين في القاعة الكبرى قد تم سحبه فجأة.
في الصمت المميت، سقطت جثة أندل على الرخام الأبيض.
كان الجميع يحدقون في نيفيس في حالة عدم تصديق مطلق – النائمون والحراس وحتى جيمّا.
ليكون صادقًا، كان صني نفسه مذهولاً بعض الشيء. بالطبع، كان يتوقع أن نجمة التغيير ستفوز بالمبارزة. ولكن حتى هو لم يتوقع أنها ستقتل مرشد طريق حقيقي، أحد المحاربين الأكثر رعبًا في القلعة الساطعة، بضربة واحدة فقط.
باستبعادها سيفها بتعبير بارد على وجهها، مشيت نيفيس نحو الدرجات الرخامية، التقطت الرأس المقطوع من الشعر، ونظرت إلى قائد الصيادين.
ثم، بابتسامة مهذبة تدربت عليها كثيرًا، قالت:
“… أوه. تشرفت بلقائك أيضًا.”
ترجمة بواسطة: Laa Hisham