عبد الظل - الفصل 2315
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2315 : جيشٌ من ثلاثة
بينما كان كاي بعيدًا ليستعيد قاتلة – ونأمل ألّا تقتله أثناء ذلك – كان صني مشغولًا هو الآخر.
كان يصنع قوسًا لكاي، يُجسّده من الظلال. قد يظن المرء أن صنع قوس مهمة بسيطة. كلّ ما يحتاجه صني هو تجسيد قضيب طويل ورفيع وجعله مرنًا، ثم شدّ وتر عليه. بالطبع، التلاعب بالبنية الداخلية للظلال المتجسدة لمنحها مستوى مناسبًا من المرونة يتطلب مستوى معقدًا من إتقان مظهر الظل – لكن كان صني قادرًا تمامًا على القيام بذلك.
في السابق، لم يكن بالكاد قادرًا على التحكم بشكل الظلال الظاهري، لكنه الآن يستطيع تشكيلها إلى أي شيء يرغب به تقريبًا.
ومع ذلك، هناك فرقٌ بين صنع قوس وحسب، وصنع قوس يليق برامٍ متسامٍ.
ولم يكن الأمر متعلقًا حتى بسحر القوس. قبل ذلك، كانت بنية القوس نفسه تتطلب تفكيرًا دقيقًا – لقد درس صني تلك الحرفة الغامضة في الماضي، وغطس فيها أعمق حين كان يصنع أقواسًا لكلٍّ من رَين وقاتلة.
فعلى سبيل المثال، هناك الاختيار بين قوس معكوف تقليدي، وقوس مركّب أكثر تطورًا. الأقواس المركّبة توفّر قوة وراحة أكبر، لكن كان صني قد تجنّب صنعها في الماضي بسبب مدى صعوبتها في الصيانة والعناية ضمن ظروف الميدان.
فالسلاح لا يجب أن يكون قاتلًا فحسب، بل يجب أن يكون موثوقًا أيضًا. وهذا مهمّ بشكل خاص في عالم الأحلام، حيث يكون المحيط نفسه عدوًّا في كثير من الأحيان.
كانت هذه اعتبارات صني في السابق، لكنه الآن، بعد أن امتلك معرفة حول كيف تؤثّر طبيعة السلاح على قدرته في حمل الإرادة، بدأ يشتبه أيضًا في أن استخدام قوس مركب سيكون عائقًا أمام رامٍ متسامٍ.
لكن حتى وإن رغب في صنع قوس معكوف، وهو أبسط بكثير من حيث البنية، وبالتالي أكثر إخلاصًا لنقل إرادة الرامي، فالأمر لم يكن بسيطًا أيضًا.
وذلك لأنه، في رأيه، القوس المعكوف الجيد يجب أن يكون قوسًا مركّبًا. بدلًا من قطعة خشب واحدة، يجب أن يتكوّن من طبقات من مواد مختلفة، كلها مُلصقة معًا لتحقيق أفضل النتائج.
تبدأ أبسط تركيبة بنواة خشبية، بخشب أكثر ليونة للأجزاء القابلة للانحناء من الأطراف، وخشب أكثر صلابة لنهاياتها. ثم تُلصق صفائح رقيقة من القرن، الذي يخزّن الطاقة بشكل أفضل عند ضغطه، إلى الجهة الداخلية للقوس. وأخيرًا، تُلصق أوتار حيوانية، ذات مرونة أعلى من الخشب، على الجهة الخارجية من القوس.
يسمح كلّ هذا بتخزين طاقة أكبر عند شد القوس، وإطلاق تلك الطاقة بطريقة أكثر فعالية عند تحرير الوتر، مما يؤدي إلى طلقات أقوى وأكثر فتكًا.
لذا، كان على صني أن يتلاعب بالظلال المتجسدة بعناية ليمنحها خصائص تشبه أنواعًا مختلفة من الخشب والقرن والأوتار… في الواقع، بما أنه لم يكن مضطرًا لتقييد نفسه بمواد موجودة طبيعيًا، كان يستطيع التلاعب بهذه الخصائص للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة.
ولحسن الحظ، كان قد أجرى أبحاثه مسبقًا حين صنع قوسًا للقاتلة. كما أن لديه فكرة جيدة عن مدى قوة كاي تحديدًا — وبالتالي، كان قادرًا على صنع سلاح قوي فعلًا لصديقه.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك أمر كيفية تجسيد الظلال. جعلها دائمة سيكون أسهل، لأنه لن يضطر إلى الحفاظ على شكلها بوعي أو بشكل مستمر… لكن في هذه الحالة، سيكون القوس أضعف بكثير، في مرتبة ما بين الصاعدة والمتسامية. لذا، قرر صني أن يُبقي التجسيد مستدامًا بنفسه.
وبذلك، سيكون كاي يستخدم سلاحًا يبدو فائقًا — وهو شيء سيحتاجه بشدة عمّا قريب، بلا شك.
كان تجسيد أنواع الظلال المتنوعة بأشكال مناسبة ودمجها معًا مهمة دقيقة. عمل صني بدقة، مستخدمًا يديه الاثنتين لصنع السلاح، وفي الوقت نفسه استخدم أربع أيادٍ إضافية لنسج أوتار من جوهر الظل.
لم يكن بوسعه أن يسحر القوس بعد، لأنه لا يملك أي شظايا روح ليثبّت بها النسيج، لكن من المؤمّل أن تقع في يده بعضٌ منها قريبًا. أراد صني أن يكون مستعدًا عندما يحدث ذلك.
‘انظر إليّ… أَلستُ أرحم الطغاة؟ فمن غيري سيجلس على الأرض ويصنع أسلحة لجنوده بنفسه؟’
ضحك بخفوت.
لكن هذه كانت مجرد الخطوة الأولى. هنا، داخل لعبة آرييل، كان صني جنرالًا مسؤولًا عن جيش. جيش لا يتكوّن إلا من جنديين، لكنه يظلّ بداية.
سيُسلّح جنوده، ويُقوّيهم، ويقودهم لغزو رقعة اللعب كلها.
وبحلول الوقت الذي هبط فيه تنين مهيب ذو حراشف داكنة كظلمة منتصف الليل على منحدر البركان الثائر، حاملًا ظلًا جميلًا على ظهره، كان القوس شبه جاهز. قفزت القاتلة من ظهره برشاقة راقصة، وسارت نحو حيث كان صني جالسًا، واستعادت سهمها من الرماد بصمت.
كانت نظراتها باردةً كعادتها، مليئةً بالحقد الدفين.
وبمجرد أن استعاد كاي هيئته البشرية، ألقى له صني القوس.
“تفضل. شدّه.”
أمسك كاي القوس الأسود وحدّق فيه لبضعة لحظات، واتّسعت عيناه قليلًا.
“يا لها من هالة مرعبة…”
ثبت أحد طرفي القوس على الأرض، واستخدم ساقه لتثبيته، ثم ثنى القوس الطويل بسهولة ظاهرية، وقام بتركيبه بخفة وسلاسة في حركة واحدة.
بالطبع، في الحقيقة، لم يكن ثنيه بالأمر السهل أبدًا. عادةً ما يظن الناس أن الرماة أقل إثارة للإعجاب من السيافين من ناحية القوة البدنية، لكن الواقع كان عكس ذلك. فالرامي العادي كان عليه أن يكون أقوى بكثير من المقاتل قريب المدى، إذ إن سحب قوس قوي يتطلّب قوة هائلة — وكاي، رغم مظهره الأنيق المضلِّل، لم يكن يومًا مجرد رامي عادي.
‘متباهٍ.’
جعلت رؤية القدّيس الساحر يبدو هادئًا وغير مثقل وهو يركّب القوس الفائق، صني يكاد يندم على عدم جعله أقوى حتى. لكنه كان يعلم أن كاي لا يفعل شيئًا سوى استعراض تقنياته المثالية… كانت عضلاته المنحوتة مشدودة ومتوتّرة تحت الدرع العاجي، وعروقه منتفخة.
وكانت قطرة العرق التي انزلقت على وجه القدّيس الساحر دليلاً على ذلك.
هزّ صني رأسه ونظر إلى القاتلة.
“هيه. ما رأيك أن تشاركي هذا الشاب الوسيم ببعض السهام؟”
بدلًا من الرد، رفعت القاتلة السهم الذي كانت لا تزال تمسكه بيدها، ومررته بصمت على عنقها.
كانت رسالتها واضحة…
‘أسئمت من الحياة؟’
ضحك صني.
“حسناً، حسناً. يا الهـي !”
ثم مدّ يده إلى الظلال مرة أخرى، وشرع في صنع سهامًا مميتة. ولم يكن صنع سهمٍ جيد بالأمر السهل أيضًا. لكن لحسن الحظ، كان لدى صني الكثير من الخبرة في هذا المجال.
نظر إلى كاي وابتسم.
“أتعلم… ذات مرةٍ كنت أسقط في بحر مُلتهب. فرميت سهمًا، وركبت عليه للخروج. نجح الأمر كالسحر!”
كان يشير بالطبع إلى سقوطه في السماء السفلى، والمحاولة اليائسة لتجنّب الاحتراق في بحر اللهيب السامي، من خلال لفّ ظله حول سهم طائر واستخدام خطوة الظل للظهور بجانبه.
كان كاي يدرس قوسه الجديد بتعبير مُغرم. وانهار ذلك التعبير بسرعة.
نظر إلى صني بعينين مرتجفتين، وقال:
“انتظر، انتظر… كيف لهذا أن يكون حقيقيًا؟! فهو غير منطقي أصلاً!”
نظر إليه صني بلوم.
“لا تشكك في الحقيقة، يا عندليب. فالحقيقة ليست موجودة لتناسب أرائك، ولا يجب أن تكون منطقية. يكفي أن تكون… حقيقية.”
ترجمة آمون