عبد الظل - الفصل 2303
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2303 : قصر اليشم
كان قصر اليشم شاسعًا. لم يكن بحجم باستيون، التي كانت مدينة حجرية في حد ذاتها، ولكنه كان لا يزال معقدًا بما يكفي ليشبه متاهة ضخمة.
ومن المثير للاهتمام أن واجهته الخارجية قد تحولت في وقت ما إلى اللون الأسود تمامًا في مرحلة ما، بينما بقيت جدرانه الداخلية بيضاء نقية، وكأنها منحوتة من يشمٍ خالص لا تشوبه شائبة.
كان هناك عددٌ لا يُحصى من القاعات، والممرات، والغرف، والسلالم، والمداخل، جميعها مترابطة لتشكل متاهةً مترامية الأطراف. وما زاد الأمر ارباكًا أن بعض أجزاء القصر بدت وكأنها بُنيت لتناسب البشر، بينما أجزاءٌ أخرى ذات حجمٍ مهيب بوضوح، صُممت لكائناتٍ شاهقة الحجم.
ورغم أن القصر المذهل بقي خاليًا لآلاف السنين، إلا أنه لا يزال ينضح بشعور رقيق من الفخامة الراقية والجلال.
كانت هناك حدائق حجرية داخل الجدران السوداء لقلب الغراب، وعدد لا يحصى من التماثيل والزخارف المنحوتة المعقدة، وبرك مياه جليدية هائلة، بل وحتى ينابيع مياه حارة تغلي. وأكثر من ذلك، كان قصر اليشم يمتد عميقًا تحت الأرض – وبعيدًا في الأسفل، كانت أساساته تفتح على شبكة ضخمة من كهوف الجليد المخبأة داخل الجبل الوحيد.
وتلك هي الكهوف حيث المكان الذي احتفظت فيه ملكة الديدان بجيشها العظيم من الدمى الميتة.
اتخذ أقل من مئة مستيقظ من قصر اليشم موطنًا لهم خلال فترة حكم والدتها. ولاحقًا، أصبح يُعرف باسم قلب الغراب، حيث أصبح بمثابة قلعة عشيرة سونغ العظيمة – كان هناك عشرات الآلاف من المحاربين المستيقظين مرتبطين ببوابته آنذاك، مع العديد من الأسياد والقديسين الذين كانوا يعيشون تحت سقفه.
أما الآن، فهناك مئات الآلاف من المستيقظين المرتبطين بقصر اليشم، وعلى الرغم من أن خدم عشيرة سونغ قد تفرقوا لخدمة سيشان وأخواتها في قلاع مختلفة عبر المقاطعات الغربية من عالم الأحلام، فإن مرؤوسي كاي قد أخذوا مكانهم.
كان معظمهم من عازفي الليل، الذين تبعوا كاي منذ الحملة الجنوبية. أما البقية من فريقه فكانوا من المستيقظين المحليين، وعملاء حكوميين، ومبعوثين من عشيرة الشعلة الخالدة – بعضهم كان من خدم فالور في السابق – ومساعدين أرسلتهم بنات كي سونغ.
وكان هناك عدد قليل من أعضاء عشيرة الظل مختبئين بينهم أيضًا.
وقد تم تقسيم القصر تقريبًا إلى ثلاث مناطق. أصغرها تحيط بالبوابة وكانت مفتوحة للعامة. أما المنطقة الأكبر فكانت مخصصة لكاي ومرؤوسيه – كانت تتم صيانتها بعناية وتُدار جيدًا، مما يعطي شعورًا بالجمال والسكينة. وأخيرًا، كانت المنطقة الأكبر على الإطلاق غير مأهولة.
كان الجنود المستيقظون يقومون بدوريات فيها بانتظام، لكن بخلاف ذلك، نادرًا ما يُرى فيها أحد. كان معظم القصر المذهل خاليًا، مغمورًا في الصمت.
لم يكن صني يعلم ما الذي يبحث عنه، لكنه أدرك أن حاسة ظله ستكتشف أي شذوذ بسرعة.
لكن للأسف، كانت هناك بعض العقبات في طريقه.
“اللعنة. كنت أعلم ذلك…”
في أول مساء، وبعد أن أنهى كاي واجباته كوكيل الغرب، تناولا وجبة معًا. لكن كان صني في مزاج كئيب.
رمقه كاي بنظرة فضولية.
“ألا يروقك الطعام، يا صني؟”
هز صني رأسه.
“لا، الطعام جيد. لكن الأمر فقط أن هذا المكان يسبب لي المتاعب.”
صمت للحظات، ثم تنهد واتكأ إلى الخلف.
“أولًا، قدرتي المكانية بالكاد تعمل داخل هذه الجدران. ثانيًا، حواسي تُحجب بشيءٍ ما — كأن عليّ أن أقاتل كل هذا اليشم لأدرك ما يختبئ خلفه.”
ابتسم كاي.
“آه. لقد مررتُ بذلك أيضًا. فلا أستطيع الرؤية من خلال جدران قصر اليشم على الإطلاق.”
التقط صني قطعة من اللحم الطري وعضّها بشراسة، ثم لوّح بما تبقى منها في الهواء.
“لكنني لستُ مندهشًا، حقًا. كما تعلم… ذا مرةٍ، شعرتُ بجوعٍ شديد، فتسللت داخل جسد وحش عظيم لأنتزع بعض اللحم. حصلت على اللحم، لكن أصبحت طريقة الخروج مشكلة – كانت بعض قدراتي مكبوتة، تمامًا كما هو الحال هنا. لأنني كنت داخل كائن حي. حسنًا… جثة كائن حي.”
تنهد كاي ورفع كأس النبيذ بيد مرتجفة.
“… إذًا كانت جثة وحش عظيم. الشكر للإلـه.”
تجاهل صني تعليقه وابتلع ما تبقى من اللحم.
“نحن نعلم أن آرييل كان يفضل أساليب بناء ومواد غير تقليدية. فمن يدري كيف أنشأ قصر اليشم؟ لا تحتوي جدرانه على أي فواصل. وكأن هذا الهيكل بأكمله قد صُبَّ بدلًا من أن يُبنى… أو نَمَا من الأرض. على أي حال، سيأخذ استكشافه وقتًا أكثر مما كنت آمل.”
ابتسم كاي.
“حسنًا، هناك الكثير لاستكشافه. أشياء جميلة كثيرة لرؤيتها، وكذلك أشياء تبعث على الرهبة. لم أحصل على وقت لرؤية معظم قصر اليشم بنفسي حتى الآن، لكن أحيانًا أتوقف لأنظر حولي وأفكر… كانت كائناتٌ عظيمة تسير في هذه الممرات ذات يوم. وقد أستراح السَامييين والشياطين في هذه الحديقة ذات يوم، تمامًا كما أرتاح أنا هنا الآن. أليس ذلك رائعًا؟”
حك صني مؤخرة رأسه.
“أجل، صحيح. لكنني معتاد على أمور كهذه: واحدة من تجسيداتي تعيش في برج الأمل، في النهاية. لقد احتككت بسَامٍ ذات مرة — أوه، وابتلعت جزءًا من شيطان أيضًا. أما بالنسبة للأشياء المذهلة، فعليك فعلًا أن تأتي وتستكشف عالم الظل معي ذات يوم. فالمنظر هناك يخطف الأنفاس… حرفيًا…”
ضحك.
وضحك كاي أيضًا، وإن كانت ضحكته قد بدت مكتومةً بعض الشيء.
“أجل… ربما علي أن أفعل…”
توقف لبضعة لحظات، ثم سأل بحذر:
“إذن، “فكم من الوقت تعتقد أنك ستحتاجه لتجد ما تبحث عنه؟”
هز صني كتفيه.
“سأبدأ الاستكشاف بجدية ابتداءً من الغد. بعد ذلك، يعتمد كل شيءٍ على الحظ. لماذا تسأل؟”
هز كاي رأسه.
“لا شيء في الواقع. فقط… أنا أنتظر ضيوفًا خلال أيام. سيأتين الأخوات من عشيرة سونغ إلى قلب الغراب لأغراض عمل – اثنتان منهن على الأقل. هن لا يعرفن أن لورد الظلال لا يزال حيًا، لكن لا أعتقد أن تجنب أنظارهن سيكون أمرًا يزعجك.”
سعل صني.
“أكيد. لكن، فقط للاحتياط… هل سيشان قادمة؟”
رفع كاي حاجبه.
“أعتقد ذلك. لماذا تسأل؟”
عبس صني.
“تلك… حواسها حادة. سأكون حذرًا.”
بقي صامتًا لبرهة، ثم هز كتفيه.
“الآن بعد أن فكرت في الأمر، ربما لن أكون حذرًا. أعني، عشن الأخوات من عشيرة سونغ في قصر اليشم لفترة طويلة. فإذا كنا نريد العثور على ما نبحث عنه بسرعة، ألن يكون من الأفضل أن نطلب مساعدتهن؟”
تنهد كاي.
“هذا صحيح. ومع ذلك، لست واثقًا من أنهن سيساعدنك.”
ابتسم صني ابتسامةً ماكرة.
“لا تقلق بشأن ذلك. يمكنني أن أكون مقنعًا جدًا عندما أحتاج لذلك.”
وأشار إلى نفسه بفخر.
“هل تريد أن تعرف مدى قدرتي على الإقناع، يا عندليب؟ دون مبالغة، لكن في مرة من المرات، أقنعت رجلًا ميتًا بمساعدتي فقط لأنني وعدته بأن أقتله…”
-المؤلف- فصل واحد اليوم، ثلاثة غدا.
ترجمة آمون