عبد الظل - الفصل 2300
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2300 : المتدرب الأول
كانت مضايقة كاي ممتعة. أشعرته بالدفء والألفة، لدرجة أن صني تمكن، ولو مؤقتًا، من نسيان أنه قد نُسي. شعر وكأنه استعاد صديقه من جديد…
لكن في الوقت ذاته، كان الأمر مريرًا بعض الشيء. تمامًا مثل مرارة التواجد مع إيفي وجيت… وكاسي أيضًا، وإن بدرجة أقل.
وبرغم أن الحلاوة كانت تخفي المرارة في معظم الأوقات، إلا أن الشيء نفسه حدث مع نيفيس.
مختبئًا في ظل كاي، بدأ صني يتأمل في وجوده الغريب. هل كان يهم حقًا إن تذكره من يحبهم أم لا؟.
كان ما يزال معهم. كان ما يزال موجودًا ليحمي ويساعد من أراد حمايتهم. بعض العلاقات الجديدة التي بناها معهم لم تكن أقل عمقًا مما كانت عليه من قبل… تقريبًا.
لكن بدا كل شيءٍ يشعره بعدم الاكتمال.
وبرغم أن صني أراد إنكار ذلك، إلا أنه لم يكن قادرًا على إغلاق عينيه أمام الحقيقة.
ربما كان شخصٌ أكثر تنويرًا سيكتفي بمجرد أن يكون إلى جانبهم، لكن كان صني جشعًا. وجشعه لم يعرف حدًا. أراد أن يُعرف، أن يُتذكر… وأن يُحَب.
ومع ذلك، كانت الحقيقة القاسية منقوشة في قلبه، مهما حاول خداع نفسه.
كانت تمامًا كما أدركها هناك، على ساحة المعركة المتهالكة في قبر السَّامِيّ، حين علم أن عبادة البشر له، ومحبتهم له، ستكون سبب هلاكهم.
لا أحد يمكنه أن يحبه بحق… لأنه لا أحد يمكنه أن يعرفه بحق.
‘آه. لماذا دخلتُ في هذه الحالة الكئيبة فجأةً؟’
في الواقع، صني لم يكن يشعر بالمرارة في معظم الوقت. لم يشعر أنه دخيل عندما كان يمضي الوقت مع رَين أو ينسج الخطط المعقدة مع كاسي. لم يشعر أن المودة التي كانت نيفيس تكنها له كانت زائفة… حتى وإن لم تكن بعمق ما يشعر به هو نحوها. لا يزال هو أول رجل، والوحيد، في قلبها.
لم تكن حياته عديمة القدر محزنة على الإطلاق.
لذلك، كان من الغريب أن يجد نفسه فجأة يغرق في دوامة من الأفكار السلبية.
لكن، في الحقيقة، صني كان يعرف السبب.
كان ذلك بسبب ما أخبرته به يوريس عن التبجل. لأنه، ولأول مرة منذ زمن طويل، اضطر إلى مواجهة حتمية القرار الذي سيضطر إلى اتخاذه.
إما أن يستعيد قدره… أو يرفضه.
إما الارتباط بأحدهم… أو البقاء حرًا من الجميع.
‘الحرية… مكانٌ موحش، كما يبدو.’
“بلا شمس؟”
لاحظ صني متأخرًا أن كاي قد وصل بالفعل إلى فوهة البركان العظيم. خرج من الظلال، وشعر بحرارة ملتهبة تلامس جلده، ولوّح بيده في محاولة لتبديد الدخان الخانق الذي أحاط بهما.
استطاع أن يتذوق الرماد على لسانه.
عبس صني، واستحضر عباءة اليشم وأخفى وجهه خلف الخوذة.
“إذًا، كانت هناك اضطرابات زلزالية تأتي من الأسفل؟”
استدعى كاي درعه العاجي.
“نعم. لقد قيل لي إنك قادر على استشعار ما يجري في أعماق البركان. أوه… وقيل لي أيضًا إن عليّ مرافقتك في مهمة سرية. لكنني سأشعر براحة أكبر إن تأكدنا أولًا من سلامة المدينة.”
أومأ صني.
“بالفعل يمكنني إدراك الأمور من مسافات بعيدة. لنقترب من الفتحة الرئيسية أولًا.”
وبينما كانا ينزلان أعمق داخل الفوهة، سأله:
“أليس بمقدورك الرؤية عبر الأشياء؟ لماذا لم تتفحص أعماق البركان بنفسك إذًا؟”
تردد كاي لبضعة لحظات.
“فعلت. لكنني توقفت… خشيت أن ما يسكن هناك قد يشعر بي أراقبه.”
رغم أن معظم وجهه كان مغطًى بالخِوذة، إلا أن صني استطاع أن يميز ابتسامة كاي.
“رجاءً لا تسيء فهمي… أنا مستعد لمواجهة ذلك الكائن وتدميره. لكن تدميره من دون التسبب بثوران أو زلزال قد يلحق الضرر بالمدينة قد يكون أمرًا صعبًا. وجود فائق بالقرب بدا لي كإجراء احترازي حكيم.”
توقف كاي، ثم سأل بحذر:
“أما بخصوص تلك المهمة التي سنقوم بها… هل يمكنني الاستفسار عن طبيعتها؟ ولماذا تحتاج إلى مساعدتي فيها تحديدًا؟”
ابتسم صني بخفوت.
“سنبحث عن شيء ما في قصر اليشم. لستُ متأكدًا تمامًا مما هو هذا الشيء، لكن استرجاعه سيشمل على الأرجح بعض المخاطر.”
ثم صمت للحظة، قبل أن يضيف بهدوء:
“أما عن سبب حاجتي لمساعدتك شخصيًا – حسنًا، أولًا وقبل كل شيء، أنا لستُ كليّ القدرة. قد أحتاج إلى المساعدة. والأهم من ذلك… إنها فرصة لنقضي وقتًا معًا.”
رمش كاي بضع مرات.
“وهل… هل نحتاج نحن الاثنان لقضاء الوقت معًا؟”
ضحك صني بخفوت.
“يعتمد ذلك عليك في الحقيقة. فكّر بالأمر كتدريب عملي.”
وقبل أن يتمكن كاي من طرح أي سؤال، شرح صني الأمر بمزيد من التفصيل:
“لا بد أنك تدرك الآن أن مجرد وجود اثنين من الفائقين لن يكون كافيًا لحماية البشرية عندما تحين الأزمة الحقيقية. نيفيس وأنا سنضطر لمحاولة التبجل عاجلًا وليس آجلًا… مما يعني أننا سنواجه الكابوس الخامس على الأرجح. ومع ذلك، لا يوجد أي ضمان بأننا سننجو. وحتى إن نجونا، فالتغلب عليه سيستغرق وقتًا طويلًا.”
أظلمت ملامحه.
“لكن الأمور سيئة بالفعل، وستزداد سوءًا في المستقبل. وبما أننا الفائقين الوحيدين الذين يدافعون عن البشرية حاليًا، لا يمكننا ببساطة التخلي عن مسؤولياتنا والاختفاء. لذا… لا بد أن يظهر فائقون جدد قبل أن نخوض تلك المحاولة لنصبح مقدسين.”
فكر كاي في كلماته بصمت، ثم سأل بصوت خافت:
“…أعتقد أنك تخبرني هذا لأني مرشح.”
أومأ صني.
“ومن غيرك؟ أنت، وجيت، وإيفي، وكاسي… وربما بعض الأخوات من عائلة سونغ أو مورغان، إن استطعنا معرفة مكانها. لكن أنتم الأربعة في المقدمة، إن كنتم راغبين طبعًا.”
ضحك كاي بهدوء.
“لا أظن أن لدينا خيارًا. أو بالأحرى، اتخذنا ذلك القرار منذ وقت طويل. لذا نعم… لا يمكنني التحدث نيابة عن الآخرين، لكنني مستعد. حتى لو قتلني ذلك.”
نظر صني إليه بنظرة طويلة.
“هذا رائع. لكن الفكرة هي أن نتأكد من أن ذلك لن يقتلك. ولهذا السبب، تحصل على مغامرة حصرية مع أوسم فائق في العالم.”
ابتسم كاي.
“لا أحد منا قد رأى ذلك الذي على القمر بعد، لذا من الناحية التقنية، لا نعرف من هو الأوسم.”
نظر إليه صني بنظرة مروعة وكأن كاي ارتكب خيانة كبرى.
“اسمع. أعلم أننا أعز الأصدقاء… لكن كانت تلك خيانةً عميقة…”
ارتبك كاي قليلًا، ثم تمتم بنبرة مكتومة:
“إنه يعلم… أنه يؤمن بأنه يعلم حقًا؟ هل هو محصن ضد عيبي؟!”
ضحك صني.
وسرعان ما وصلا إلى حافة فتحة عميقة يغمرها الدخان. في مكانٍ ما في الأسفل، صبغ توهّجٌ غاضب العالم باللون الأحمر. أغمض صني عينيه للحظة، ومدّ حاسه الظل إلى الأسفل… أبعد فأبعد، في أعماق الأرض.
وسرعان ما تغيرت تعابيره بشكلٍ طفيف.
“هناك مخلوقٌ في الأسفل، بلا شك. لكنه ليس فظيعًا جدًا… يبدو كأنه طاغية فاسد. القضاء عليه بهدوء يجب ألا يكون مشكلة.”
تردد لبضع لحظات، ثم تنهد.
“يشعرني الأمر وكأنه تراجع بالمستوى، في الحقيقة. المرة الأخيرة التي غصت فيها في بركان… كنت أعانق عملاقًا فاسدًا.”
حدق فيه كاي بصمت.
وفي النهاية، أجبر نفسه على القول بصعوبة:
“أوه. أ… آمل أنك قطّعت ذلك المخلوق، يا بلا شمس.”
هز صني رأسه.
“قطّعته؟ لا، ليس هذا…”
ثم تمدّد، كما لو كان يستعد للقفز.
“ذاك… قد قضمته بأسناني حتى موته.”
ثم تاركًا كاي مذهولًا، قفز صني إلى الهاوية المظلمة.
ترجمة آمون