عبد الظل - الفصل 2292
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2292 : مانحة الأسماء
كانت رَين تتوقع حقًا أن يتجلى جانبها خلال الحرب… وربما حتى في اللحظة الأخيرة، في أشد أوقات حاجتها – حتى تتمكن من قلب الموازين وإنقاذ الموقف بأكثر طريقة درامية ممكنة.
لكن، وبالنظر إلى الأمر بعد فوات الأوان، لم يكن بوسع ذلك أن يحدث بتلك الطريقة أبدًا.
لم تكن رَين متأكدة تمامًا من كيفية عمل العالم – لا أحد كان متأكدًا، حقًا – لكنها كانت تشعر أن هناك نوعًا من الشعر الخفي في مفترقات القدر الغامضة. يتناغم الناس واختياراتهم مع بعضهم البعض… وكانت الظروف الخارجة عن إرادتهم كذلك. لذا، يمكن القول إن الحياة كانت تشبه القصائد.
ليس جميعها بالطبع، أو على الأقل ليس بنفس الدرجة. لكن حياة أولئك الذين يملكون قوة هائلة أو تميزًا استثنائيًا عادةً ما كانت كذلك.
لم تكن رَين تملك قوة هائلة، ومع أنها كانت مميزة إلى حد ما، إلا أنها لم تذهب إلى حد وصف نفسها بالاستثنائية.
صحيحٌ أنها حققت شيئًا مدهشًا ذات مرة – لقد أصبحت مستيقظة دون الاعتماد على نِعَم تعويذة الكابوس القاسية – لكن معظم ذلك الإنجاز يعود إلى أخيها، لا إليها.
ومع ذلك، بدا أن هناك ميلاً شاعريًا في حياتها أيضًا.
وبينما كانت قصيدة حياتها تصف الحرب وسفك الدماء، لم يكن ذلك هو موضوعها.
وعيبها، تاج الأشواك، دليلٌ كافٍ على ذلك.
فما هو الموضوع إذن؟.
كانت ختامية الحرب العظمى أمرًا مربكًا لرَين. فبالكاد كانت قد استوعبت أنها إرث – أميرة قيد التكوين، لا تختلف عن تمار. ثم، في غمضة عين، خان أخاها الجميع ومات.
لذا، بدلًا من أن تصبح أميرة، أصبحت أخت خائن ميت… أكثر الأشرار إثارة للاشمئزاز في العالم، ولا أقل من ذلك.
لحسن الحظ، كانت رَين مجرد مستيقظة، لذا لم تشهد الأنسة نيفيس وهي تجهز على أخيها بنفسها — لم تكن رؤيتها حادة بما يكفي لذلك. في الواقع، لم تكن تعرف ما حدث إلا بعد ذلك بكثير، عندما دوَّى صوت كاسي فجأة في عقلها، يخبرها بألا تقلق.
عندها فقط علمت أن أخاها لا يزال حيًّا، وعندها فقط علمت أنه كان من المفترض أن يكون قد مات، بحسب ما عرفه الجميع. لذا، لم تتح لها الفرصة حتى للقلق عليه.
وما زاد حظها، أن لا أحد كان يعلم حقًا أن رَين – أو بالأحرى، راني من الفيلق الملكي السابع – كانت على أي صلة بلورد الظلال.
على أي حال، بدأ العالم يتغير بسرعة مروعة بعد ذلك. وعندما هدأت الأمور، قررت رَين البقاء في قبر السَّامِيّ للمشاركة في بناء الطريق عبر سهل عظمة الترقوة – الطريق الذي كان من المفترض أن يصل بين نطاقَي السيف والأغنية السابقين. وقد اتخذت هذا القرار فقط بدافع حبها لبناء الأشياء… وليس لأن الأمر كان بلا أهمية.
في الواقع، كان الأمر ذا أهمية عظيمة، وقد اتخذت هذا القرار بعد تفكير عميق وجاد فيما تريده من حياتها.
لقد سئمت رَين من الحرب، وسئمت من التدمير، وسئمت من رؤية الأشياء تُدمَّر.
لذا، عادت إلى دورها كعضو في طاقم بناء طرق – مع الفارق أنها هذه المرة لم تكن عاملة عادية، بل من نخبة المستيقظين.
وحدث أن جانبها قد انكشف فجأة عند الانتهاء من بناء الطريق بعد بضعة أشهر — لا في ساحة معركة، بل في وسط موقع بناء.
وكان ذلك مناسبًا تمامًا، خاصةً لشخص جعل عيبه كل خبراتها القتالية وسنوات التدريب المرير بلا معنى تقريبًا.
قضت رَين ساعات لا تُعدّ وهي تتساءل عمّا سيكون عليه جانبها، لكنه في النهاية… اتضح أنه غريب جدًا لدرجة أن لا أحد كان ليخمنه.
بصراحة، لم يكن الأمر مشابهًا لأي شيء آخر.
بصفتها مستيقظة، أصبحت رَين قادرة الآن على التحكم في قدرتين من قدرات الجانب. وكان لديها أيضًا مصدران للجوهر — جوهر الروح، وجوهر النفس.
أما قدرتها الخاملة، فكانت تُمكِّنها من… منح الأشياء أسماءً. أو بالأحرى، أسماء — لم تكن أسماءً حقيقية تمامًا، لكنها لم تكن عادية أيضًا. لأن هذه الأسماء كانت دائمة، وتمتلك قوة خاصة بها… قوة متواضعة، نظرًا لأنها مجرد مستيقظة، لكنها كانت قوة حقيقية بلا شك.
وكان منح الاسم يتطلب ضخًّا لمرة واحدة من جوهر الروح. وكلما زادت كمية الجوهر، زاد تأثير الاسم على الشيء المُسمّى، وعلى العالم من حوله.
كانت المشكلة أن رَين لم تعرف بعد كيف توسّع مخزونها من جوهر النفس. ومع ذلك، عندما اكتمل الطريق عبر قبر السَّامِيّ، كانت قد تمكّنت بطريقة ما من جمع قدر كبير منه – وأصبحت سماء بحر روحها، التي كانت في السابق واسعة وصافية، مغطاة تمامًا بغيوم عاصفة، وقطرات المطر تنهمر على سطح البحر الهائج برذاذ مستمر.
لذا، صبّت رَين كل ذلك الجوهر في الطريق المكتمل، ومنحته اسم طريق الظلال.
وعندما فعلت، انقشعت سماء بحر روحها، وأشرقت الشمس على المياه المتلألئة من جديد… وحدثت معجزة.
في السابق، كان أخاها قد أخذ قلعته معه – لكنه ترك خلفه شظية عالم الظل، أيا ما كانت. وكما شرح لها، كان يستطيع التحكم في الشظية قليلاً بوصفه فائقًا، لكن ليس بما يكفي ليستفيد منها حيث كان ذاهبًا.
امتدت قبة الظلام المنيعة في وسط سهل الترقوة، مغطية كرةً غير منتظمة يبلغ قطرها عشرات الكيلومترات. ولكن، عندما أعطت رَين الطريق اسماً، تحرّكت، وتمدّدت لتصبح خطًا رفيعًا يغلف معظم طول الطريق.
وهكذا ببساطة، أصبح طريق الظلال محصّنًا ضد الإشعاع القاسي القادم من الهاوية البيضاء فوق قبر السَّامِيّ.
وسقطت رَين فاقدةً الوعي من فرط استهلاكها لجوهر النفس، مما أثار جلبةً كبيرة بين أفراد عشيرة الظل المختبئين بين بنّائي الطرق لحمايتها.
على أية حال، فقد نجحت الخطة – للأسف، لم تتمكن رَين من تحقيق إنجاز بهذه العظمة مرةً أخرى.
وبعد بناء الطريق عبر قبر الساميّ، سافرت رَين إلى باستيون للمشاركة في بناء سد بوابة النهر وبدء دروسها في التشكيل.
لقد كانت تُجري تجارب دقيقة على الأسماء وتحاول فهم روحها بشكلٍ أعمق طوال الوقت. واكتشفت بعض الأمور المثيرة للاهتمام – على سبيل المثال، أن إعطاء الأسماء باستخدام اللغة الرونية التي استخدمتها تعويذة الكابوس كان أكثر كفاءة، ويستهلك كمية أقل من جوهر النفس لتحقيق نفس النتيجة.
كما اكتشفت رَين أن تسمية شيء يمتلك بالفعل اسمًا حقيقيًا يبدو أمرًا مستحيلاً. وتعلّمت كيف تستخدم قدرتها المستيقظة بشكل أفضل أيضًا.
كانت قدرتها المستيقظة تُمكّنها من إسناد أوصافٍ للأشياء – ألقابًا، كما تُسمّى. بخلاف الأسماء، فإن هذه الألقاب لم تكن دائمة، ولا تستمر إلا طالما كانت تغذيها بجوهر روحها.
على سبيل المثال، يمكنها أن تُسند لقب ‘الدرع الذي لا يُدمّر’ الى درع، مما يجعله أكثر متانة بشكل هائل، إلى أن ينفد جوهرها.
وفي الواقع، بصفتها مستيقظة، يمكنها إسناد لقبين في نفس الوقت. وبالتالي، يمكنها تحويله إلى الدرع الذي لا يُدمّر والمغناطيسي، مما يجعل أسلحة الأعداء تلتصق بسطحه بعد فشلها في كسره.
بطبيعة الحال، كلما زادت قوة اللقب، زاد استهلاك الجوهر. فالوصف بـ”لا يُدمّر” كان أقوى، لكنه أيضًا أكثر تكلفة من وصفه بـ”المتين”.
في الواقع، هناك عوامل كثيرة تؤثر على مدى قوة اللقب وتكلفته.
أولًا، أحد هذه العوامل هو مدى تعارض اللقب مع طبيعة الشيء الذي يعززه مما يزيد أستهلاك الجوهر – فتعزيز درع ليصبح أكثر متانة أسهل بكثير من جعله هشًّا. كما أن إسناد الألقاب إلى الكائنات الحية كان دومًا أكثر استهلاكًا للجوهر…
ومع ذلك، لا تزال رَين قادرة على تحويل شخص يهاجمها إلى شخص غير قادر على الحركة إن أرادت، خصوصًا إن كانت تعرف اسمه – أو حتى أفضل، اسمه الحقيقي. على الأقل لبضعة لحظات، إذا لم يكن تصنيفه مرتفعًا للغاية.
في الواقع، كان إسناد الألقاب إلى أشياء تملك أسماءً حقيقية أو سبق أن تم تسميتها، يستهلك طاقةً أقل.
والعكس صحيحٌ أيضًا – استخدام الأسماء الحقيقية التي تعلّمتها كألقاب كان يستهلك جوهرًا أقل ويمنح نتائج أقوى بكثير من استخدام كلمات من اللغة البشرية.
على سبيل المثال، إن أسندت اسم الاحتراق الحقيقي إلى سيف عدو، فسيذوب بسهولة. أما إن أسندت إليه لقب المحترق فقط، فكل ما ستتمكن منه هو تسخينه بما يكفي ليُفلت من يد عدوه، في أفضل الأحوال.
بهذه الطريقة، كانت قدرتها المستيقظة أحيانًا أكثر نفعًا من استخدام التشكيل نفسه. فالمُشكِل يحتاج إلى نطق الأسماء وتوجيهها لأداء السحر – وبمجرد أن يسقط صوته في الصمت، تبدأ قوة سحره بالزوال. أما اللقب، فكان يستمر طالما أن جوهر رَين مستمر.
وبالفعل، كانت قادرة على الحفاظ على بعض الألقاب البسيطة إلى أجلٍ غير مسمّى، طالما اختارتها بحكمة.
بل إنها كانت قادرة على إسناد الألقاب إلى نفسها…
ارتشفت رَين القليل من كوكتيلها وابتسمت لتيل وتمار.
لم يكن أصدقاؤها يعلمون، لكنها لم تكن وعد السماء البعيدة في تلك اللحظة.
في الواقع، كانت وعد السماء البعيدة الرزينة والمستريحة جيدًا.
رغم أن اللقب الثاني كان يلتهم جوهرها بمعدّل مروّع…
ويبدو أن القوة الموحّدة لجانبها وقدراتها التشكيلية لم تكن كافية لمجاراة الرئيسة بيثاني.
ترجمة آمون