عبد الظل - الفصل 2287
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2287 : الإرادة للقتل
كانت القاتلة كائناً غريباً. كانت ظلاً تنير أعماقها المظلمة أنوارٌ فضية من جوهر الروح الخالص. لم تكن فائقة تماماً، لكنها أيضاً لم تكن متسامية تماماً – وبينما كانت تقاتل تحت راية صني المظلمة، لم تكن مخلصة له ولا متفانية في خدمته.
وكان فريستها، الطاغية العظيم الذي يسيطر على رقعة هائلة من السرب المروّع، مخلوقاً غريباً بدوره.
في الواقع، كان صني مقتنعاً في البداية أن الحريش السوداء لا تختلف عن حشد بلا عقل، لا يحكمه أحد ولا يقوده سوى غريزته الوحشية. ولم يخطر له وجود قوة موجهة خلفهم إلا بعد أن تكبّد عدّة هزائم ساحقة مؤخراً.
ومع ذلك، استغرق الأمر منه وقتاً طويلاً لاكتشاف الطغاة…
وذلك وقت طويل للغاية، بالنظر إلى مدى اقترابه من حالة العِلم الشامل حين تمتد حاسة ظله بعيداً جدًا وعلى نطاق شاسع.
وكما اتضح، فإن الطغاة العظام لقبيلة الحريش السوداء كانوا مخلوقات مراوغة. كان من الصعب حتى رؤية أشكالهم الضبابية، والأصعب من ذلك مباغتتهم – وذلك لأنهم أيضاً وُجدوا في حالة غموض متغيّر، منقسمين بين حالتين من الوجود.
لكن، وعلى عكس القاتلة، التي انقسم وجودها بين رتبتين، كانت ملكات الحريش وكأنهن يعشن في الفجوات العابرة بين لحظتين. على الأقل هذا ما استنتجه صني بعد فشله في قتلهن عدة مرات.
لم يكن هؤلاء الطغاة العظام موجودين في الحاضر، بل يبقون مختبئين دوماً في لحظة من الماضي وأخرى من المستقبل. ونظراً لاستحالة تدمير شيء غير موجود، فقد فشل صني في القضاء عليهم مرة تلو الأخرى.
كانت قدرة غريبة ومتناقضة، على أقل تقدير. لكنها أيضاً كانت من النوع غير المعقول الذي يتوقعه صني من كائنات من الرتبة العظيمة.
وبعيداً عن تمويه الزمن الدفاعي الذي رافق الزمن، كانت ملكات الحريش ضخمات، ومحصّنات بقشرة كيتينية منيعة مرعبة، قادرة على إنجاب فيض لا نهاية له من الرجسات الأدنى، وعادةً ما تكنّ محمية داخل أعشاشها الحصينة كالقلاع.
كان عددهن سبعاً، حسبما استطاع صني أن يحدد، وكان هدفه اليوم قتل واحدة على الأقل.
لم يكن التصدي لستة أسرابٍ مُبيدة سيكون أسهل بكثير من التصدي لسبعة، ومن المرجّح أن يتم ضم الحريش اليتامى ببساطة إلى جيوش الملكات الباقيات، مما يجعلهن أقوى. ومع ذلك، فستكون تلك لحظة حاسمة في حربه ضد قبيلة الحريش السوداء.
وذلك لأن إحدى تلك الملكات الوحشيات، ما إن تنضم إلى فيلق ظله، ستكون قادرة على بسط سيطرتها على آلاف الظلال الشبحية من ذريتها الساقطة التي كانت هناك بالفعل. وهكذا، فإن سربه المتنامي من الحريش الرجس سيصبح أشد فتكاً مرات عديدة على الفور.
لذا، فإن نيله الضرب المبرح من القاتلة وسقيها من دمه كان ثمنًا زهيدًا.
بينما كانت إحدى تجسيداته تشتت انتباه الطواغيت الذين يحرسون الملكات، كانت القاتلة تنصب كمينًا. لم يكن الأمر بسيطاً، إخفاء نفسها عن الطوفان اللامتناهي من مخلوقات الكابوس، وكثير منهم كانوا أقوياء جداً ويمتلكون حواساً لم يسمع بها البشر من قبل، لكنها نجحت في البقاء مخفية حتى تحت أنوفهم…
أو أياً كان ما تمتلكه هذه الحريش المروّعة بدلاً من الأنوف…
على أي حال، نهضت القاتلة من الظلال وأطلقت سهماً. لطالما كانت كائناً مرعب القوة، والآن، أصبحت قوتها معززة بصني أيضاً. الذي كان يشاركها حواسها، شاعرًا بدقة حركتها القاتلة، بتصميمها الهادئ الذي لا يرحم على القتل، وبفتك إرادتها الباردة.
كان الطاغية العظيم وجوداً مروّعاً – فواحد فقط منهم يكفي لإبادة قارة كاملة في عالم اليقظة، محولًا مدنًا عظيمة إلى خراب، ويبتلع مئات الملايين من الأرواح البائسة في غضون أيام، إن لم تكن ساعات.
يُجسّد كل شيءٍ فيه السلطة الطاغية والرعب المحتوم.
يمكن لأجسادهم الشاهقة أن تسحق الجبال، ودروعهم التي لا تُخترق قادرة على صد حتى أشد الهجمات فتكاً.
ومع ذلك، فقد اخترق سهم القاتلة رأس ملكة الحريش بسهولة، كما لو أنه لم يواجه أي مقاومة.
وذلك لأن إرادتها كانت أقوى من إرادة الطاغية العظيم. لم تكن فقط أقوى، بل أيضاً أشد حدة، مصقولة إلى نصل نافذ بدلاً من أن تسقط كمطرقة.
‘أوه… إذًا يمكن فعلها بهذه الطريقة أيضاً…’
حتى في خضم المعركة، لم يُفوّت صني الفرصة لتعلّم درس جديد.
كان قد أتمّ فنّ معركته المتسامي بالفعل. لم تكن مهاراته في المبارزة تحتاج المزيد من الاختراقات – ومع ذلك، لا يزال من الممكن الارتقاء بفن المعركة المتسامي ككل إلى فن معركة فائق.
الفرق بين الاثنين بسيط. ففن المعركة الفائق يحتوي على بُعد جديد بالكامل – غير مرئي وتجريدي، لكنه مهم للغاية. إنه بُعد الإرادة.
ولكي يتقنه، كان على صني أن يتعلم كيف يُشبِع كل حركة وكل ضربة بإرادته، ويُحسن استخدامها بدقة ومهارة تماماً كما يستخدم سيفه. كان قد أحرز أول اختراق له خلال معركته ضد أنفيل، حين تعلّم من فن ملك السيوف الفائق، وحقق تقدماً كبيراً في إتقان إرادته خلال العام الماضي.
لكن لا يزال أمامه مجال للتحسن، ولا يوجد مثال أفضل من القاتلة.
فهي في النهاية قاتلة عريقة ومحترفة بإتقان فائق. لقد وُجدت منذ زمن أطول من صني، واصطادت كائنات أكثر منه بكثير، وصقلت إرادتها إلى نصل أشد فتكاً من إرادته.
وإلا، لما استطاعت البقاء آلاف السنين في عالم الظل، رافضةً الخضوع للموت.
‘مثير للاهتمام!’
اخترق السهم رأس ملكة الحريش، لكنه لم يقتل المخلوقة المروعة. في الواقع، الضرر الذي سبّبه كان أقل بكثير مما توقّعه صني.
فكّر لوهلة.
‘آه، هذا هو السبب. فهمت!’
في معركة بهذا المستوى من القوة، كانت الإرادة سلاحاً ودرعاً معاً، تؤدي دوراً لا يقل أهمية عن دور الأدوات الحقيقية. لكنها لا توجد بذاتها. تحتاج الإرادة إلى وسيط لكي تُعبّر عن نفسها، وهذا الوسيط، بطبيعة الحال، هو الفرد الذي تنتمي له الإرادة.
لكن الأمور كانت أعقد من ذلك…
يبدو أن الإرادة يجب أن تُعبّر عنها بشكل مباشر – فكلما قلّت الوسائط بين المصدر والهدف، واقترب موضع الاتصال، كان التأثير أقوى.
في هذه الحالة، كانت القاتلة هي مصدر الإرادة. وكان صني متورطاً أيضاً – ليس لأنه يعزّز جسدها، بل لأنه هو من صنع قوسها وسهمها، وترك فيهما بصمته من الإرادة.
ومع ذلك، فإن مجموع إرادتيهما، التي كان من المفترض أن يسحق إرادة ملكة الحريش، لم يُحدث سوى جرح خفيف في المخلوقة. وكان السبب أن القاتلة لم تُعبّر عن إرادتها بشكل مباشر – بل أوصلتها عبر مسافة بعيدة بواسطة السهم.
وكأن قوة إرادتها قد تشتّتت بفعل المسافة وتدخّل الوسيط.
بعبارة أخرى، كان الهجوم ليحمل الإرادة الأعظم لو أن القاتلة ضربت بيديها العاريتين. واستخدامها لسيف كان ليكون فعالاً أيضاً، لأنها كانت ستمسكه بيدها، وتُمرّر إرادتها من خلاله.
ومع ذلك، فإن السلاح بعيد المدى كان وعاءً أدنى لإرادة المرء. كان القوس أفضل قليلاً من غيره من الأسلحة في هذا الصدد، لأنه على الأقل يجب أن يُسحب بيد الرامي نفسه، مستخدماً قوته الخاصة. أما النشاب فكان ليُظهر نتيجة أسوأ، والرصاصة كانت لتحمل إرادة قليلة جداً — إن وُجدت أصلاً.
لا عجب أن الأسلحة المعاصرة فقدت معظم فعاليتها عند استخدامها ضد مخلوقات الكابوس من الرتبة الساقطة فما فوق. ففي ذلك المستوى، كانت الإرادة تؤدي دوراً مهماً بالفعل… ولم تكن الهجمات غير الشخصية قادرة على اختراق درع الإرادة الكامنة التي تمتلكها تلك الكائنات.
أما السيف الذي يحمله محارب مستيقظ، فبوسعه ذلك.
صفر صني بإعجاب.
‘هذا مثير للاهتمام فعلاً. رغم أنه غير علمي تماماً، طبعاً.’
كان هناك أيضاً معضلة مثيرة للتأمل تتعلق بإرادته كلورد الظلال، والظلال المتجسدة، وقدرتها على توصيل إرادته.
لكن كان ذلك شيئاً عليه أن يتأمله لاحقاً…
فالآن، لا يزال هناك طاغية عظيم جريح عليهما قتله.
ورغم أن الأسلحة بعيدة المدى كانت أقل فاعلية في معركة بين كائنات فائقة القوة، فإن هذا لا يعني أنها عديمة الفائدة. بل فقط أن استخدامها يتطلب مهارة عظيمة من صاحبها – وهي مهارة كانت القاتلة تملكها بوفرة.
ولهذا اخترق سهمها رأس ملكة الحريش دون عناء يُذكر. ورغم أنه لم يُلحِق الكثير من الضرر… فلم يكن ذلك غايته أصلاً.
فالسهم الذي اختارته القاتلة لتبدأ به وابلها كان سهماً خاصاً، صنعه صني بينما كان مستلهَماً بذكرى [للظروف الطارئة] التي تعود إلى رَين – وشاح قادر على تثبيت موضعها في المكان، وكان الهدف منه إنقاذ حياتها إذا ما انقشع حجاب السُحب في قبر السَّامِيّ فجأة.
كان غرض السهم مشابهاً إلى حد كبير – تثبيت العدو في مكانه.
بالطبع، كانت ملكة الحريش قوية جداً، وتمتلك إرادة مرعبة، بحيث لم يكن بالإمكان إبطاؤها بذلك السحر لأكثر من لحظة. فقد تحرّرت من القيد السحري بعد لحظة فقط…
لكن في تلك اللحظة القصيرة، كانت الطاغية العظيمة مكشوفة تماماً، مُثبّتة ليس في المكان فحسب، بل في الزمن أيضاً، وبالتالي جُرّدت من تمويهها الزمني العجيب.
وفي تلك اللحظة القصيرة، انزلقت ثلاثة سهام أخرى بين شقوق القشرة الكيتينية المنِيعة للملكة.
وأحدثت هذه السهام ضرراً أكبر بكثير.
…في الواقع، كان الضرر الذي سبّبته كارثياً.
انفجر عنق الحريش الهائلة من الداخل، وتطايرت كتل من اللحم وشظايا القشرة الكيتينية المتشققة في الهواء. وانهمرت أنهار الدم كشلالات قرمزية، وارتجفت رجسات أدنى لا حصر لها، متحلّلة ومتفككة.
أطلقت ملكة الحريش صرخة هادرة مزّقت الأرض، واهتزّت وهي تعبّر عن ألمها وخوفها. أما الطواغيت العظماء الذين تحركوا للتعامل مع صني، فاندفعوا عائدين استجابةً لنداء أمّهم المذعورة…
ولكن كان الأوان قد فات.
لأن القاتلة كانت قد سحبت قوسها من جديد، وأطلقت سهماً آخر بالفعل.
السهم القاتل.
وفي اللحظة التالية تماماً، انقطع رأس الملكة الهائل عن عنقها… بقطعٍ نظيف.
ترجمة آمون