عبد الظل - الفصل 2282
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2282 : مستكشف الظلام
بعيدًا، كان جبل من الحجارة السوداء المحطّمة يعلو فوق بحر الغبار كشاهد قبر عملاق. وكانت الأرض من حول الشاهد مغطاةً بعظامٍ لا تُحصى أتت من مخلوقات الكابوس التي هلكت هناك… أما العظام البشرية، فكانت مدفونة على مسافة، محفوظةً من عوامل الطبيعة بواسطة تلة.
وتواجد تمثال حجري عملاق جاثيًا على الأرض، لا يتحرك، ممسكًا برأسه المقطوع بكلتا يديه العملاقتين برفق.
كانت هذه أنقاض البرج القرمزي.
وتواجد صني – أحد تجسيداته – في قلب هذه الأنقاض، جالسًا على حافة بئر عميقة، مع تعبير متأمل يشوب وجهه.
في قاع ذلك البئر العميق، كانت هناك بركة شاسعة من الماء الأسود. وكان سطحها ساكنًا تمامًا ومستوٍ، كمرآة مُروِّعة من الظلام الخالص. انتشرت تموجات خفيفة على سطح محيط الظلام السجين بين حينٍ وحين، كما لو أنه يحاول الانفلات من حدود البركة والتحرر.
كان ذلك هو البحر المظلم.
ذات مرة، منذ وقتٍ طويل، بدا البحر المظلم كقوةٍ من قوى الطبيعة – شيء شاسع إلى حد لا يُتصوّر ومدمّر بشكل يفوق الإدراك، لدرجة أن صني لم يكن يستطيع حتى تخيل مواجهته. بالكاد استطاع النجاة من معارك ضد الزبالين الذين اختبأوا من البحر وتغذوا على الهدايا المرعبة التي تركها خلفه، بينما كانت مواجهة الكائنات التي تسكن في تلك المياه المظلمة حكمًا بالإعدام.
لكن الأمور اختلفت الآن.
الآن، عرف صني أن البحر المظلم لم يكن مجرد بحر… بل كان ‘عملاقًا’ عظيمًا – كائنًا دنسًا وُلد من الظلام التي كانت تسكن في الكيان المشع الذي سقط ذات يوم في هذه الأرض… قبل أن تُدعى الشاطئ المنسي.
كان ذلك الكائن المشع على الأرجح من النفيليم – أو ربما ملاكًا – جُرح في إحدى معارك الحرب العظمى بين السَاميين والشَيَاطِين. وسكان الأرض التي سقط فيها قتلوه، وأطلقوا لعنة الظلام على كامل عالمهم. وأصبحت تلك اللعنة لاحقًا البحر المظلم.
وفي جميع الأحوال، أصبح البحر المظلم ‘عملاقًا’ عظيمًا الآن… وأصبح صني ذاته ‘عملاقًا’ فائقًا.
والأغرب من ذلك…
أنهما متساويان.
كانت فكرة غريبة.
ولكن، مهما كانت غرابة فكرة أن يكون مساويًا للبحر المظلم، الذي كان يومًا رمزًا للموت الحتمي الذي لا مهرب منه… كان صني يعلم أنه قادر على قتله.
لكنه فقط… لم يكن متأكدًا من الكيفية.
كان هناك عدد لا يُحصى من مخلوقات الكابوس التي تسكن البحر المختوم – وقتلها جميعًا سيزيد بشكل كبير من قدرة فيلق الظل على خوض المعارك البحرية. لكن لم تكن تلك الرجسات هي ‘العملاق’ العظيم نفسه.
في الحقيقة، كان صني يشعر بوجود سبع كتل عظيمة من الظلام مختبئة في الأعماق المنيعة. لم يكن يعرف ما هي، لكن العثور عليها وتدميرها على الأرجح سيؤدي إلى موت البحر المظلم.
كان يتأمل فكرة أن يغوص في الماء الأسود ويجرّب حظه…
لكن شيئًا واحدًا كان يمنعه.
‘اللعنات’.
فالمشكلة لم تكن في البحر المظلم ذاته. المشكلة… كانت في الختم الذي يسجنه تحت أطلال البرج القرمزي.
حتى لو تمكّن صني من تدمير ‘العملاق’ العظيم، فسوف ينتهي به المطاف مسجونًا في قاع البئر عديم القاع بدلًا منه – على الأقل أحد تجسيداته.
لذا، عليه إما أن يكون مستعدًا للتضحية بأحد تجسيداته، أو أن يفك السحر الذي استخدمه الأبطال السبعة للشاطئ المنسي قبل أن يغوص في أعماق البحر المظلم لتدميره.
“آه. اللعنة.”
حتى بعد أن درس البئر لمدّة عام كامل، لم تكن لديه أدنى فكرة عن كيفية إنشاء ذلك الختم. لم يكن نسجًا ولا سحرًا رونياً… وكان متأكدًا إلى حد كبير من أنه ليس تشكيلًا أيضًا – فالتشكيل سحر لحظي، بعد كل شيء. لا يدوم، أو على الأقل ليس من المفترض أن يدوم.
لكن، بالطبع، هناك استثناءات لكل شيء. شقيقته نفسها كانت واحدة من تلك الاستثناءات. لكن صني لم يكن يعتقد أن الأبطال السبعة كانوا مُشَكِلين.
استعرض كل ما يعرفه عن إنشاء البرج القرمزي… وهو ليس بالكثير، صراحةً.
كل ما يعرفه هو أن تضحية بشرية هائلة قد استُخدمت في إنشائه، مما أدى إلى ولادة شمس صناعية. وفي الوقت نفسه، تم ختم لعنة الظلام تحت البرج.
وكان يعتقد أيضًا أن أحد الأبطال السبعة – البَنَاء – كان من كبار معجبي نيذر. كانت هناك دلائل على محاولاته تقليد شيطان المصير في كل أنحاء المدينة المظلمة… كان الفارس الأسود في الكاتدرائية المدمّرة أحد تلك المحاولات الباهتة، على سبيل المثال – وكان صني متأكدًا إلى حد كبير من أن ذلك الطاغوت اللعين كان نتيجة لمحاولات البناء إنشاء نسخته الخاصة من القديسين الحجريين.
أما التمثال الجبار للبناء، الراكع خلفه الآن، فكان محاولة أخرى – وإن كانت أكثر طموحًا بكثير.
ولهذا السبب بالتحديد، عاملت القديسة كلًا من الفارس الأسود والتمثال الضخم بازدراء.
‘إذًا… ما نوع السحر الذي استخدموه لإنشاء الختم؟’
لم تكن هناك إجابة، حتى الآن.
وهذا يعني أن صني لا يستطيع قتل البحر المظلم، في الوقت الراهن.
‘يا له من أمرٍ محبط!’
لماذا كان قتل ‘عملاق’ عظيم واحد أمرًا صعبًا إلى هذا الحد؟ لو كان صني لا يزال [مقدّرًا]، لكان على الأرجح قد تعثّر وسقط وجهًا لوجه مباشرةً في حلّ هذا اللغز.
لم يكن بوسعه حتى طلب مساعدة كاسي، لأنه لا توجد رونيات لتدرسها.
هزّ رأسه، وألقى نظرة أخيرة في أعماق البئر، ثم وقف.
“اعتبر نفسك محظوظًا. سأعود إليك يومًا ما.”
ولم يُجِب البحر المظلم.
سَخر صني، ثم تراجع خطوة إلى الخلف… واختفى.
ولحظةً بعد ذلك، أصبح في مكان بعيد تمامًا. بدقة أكثر، كان في أقصى الشرق، في قلب الهاوية العظيمة الواقعة بين المدينة المظلمة وتل الرماد.
أما أنقاض البرج القرمزي، فكانت إلى الغرب من المدينة المظلمة. حين تقدم جيش الحالمين لمحاصرته في الماضي، استغرقهم الأمر أسبوعًا كاملًا للوصول إلى البرج المهيب – أما الآن، فيمكنه قطع تلك المسافة في لحظة، دون حتى أن ينفق الكثير من الجوهر.
“حسنًا… التالي على جدول الأعمال…”
هنا وهناك في قاع الهاوية العملاقة، تواجد عظام مخلوقات بحرية وحشية ممددة كجبال من العاج القذر.
لكن، كلما اقتربت من مركز الهاوية، تحوّلت الأرض إلى زجاج أسود، وفي قلبها تمامًا، كانت هناك فتحة مستديرة مشؤومة تقود إلى أعماق الأرض.
من هناك كان البحر المظلم يخرج ليلًا، ومنه كان ينسحب فجرًا – كانت هناك كهوف هائلة تحت الشاطئ المنسي، يمكن الوصول إليها عبر عدة شقوق هائلة مماثلة على سطحه.
وكان لدى صني نظرية مفادها أن أحد مداخل العالم السفلي مخبأ في مكان ما داخل تلك الكهوف.
ولهذا كان يستكشفها بتأنٍ في الآونة الأخيرة.
ثم تحوّل إلى ظل، وهبط إلى أعماق الظلام.
ترجمة آمون