عبد الظل - الفصل 2269
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2269 : ليكن هناك نور
“سينجح الأمر هذهِ المرةَ بالتأكيد!”
حدق فريقٌ من المهندسين والعلماء والمستيقظين المرهقين في شابة ترتدي بدلة رسمية، وقميصًا بأزرار مغلقة حتى العنق، ومعطفًا مخبريًا أبيض، بملامح خالية من التعبير. كانت الشابة منهكة مثلهم تمامًا – أحاطت الهالات السوداء بعينيها، وعدة خصلات من شعرها قد انفلتت من كعكتها الفوضوية، ومعطفها المحترق في أماكن متفرقة.
لكن رغم ذلك، بقي بريق نظرتها الحادّة مشحونًا بالحيوية والطاقة.
“الرئيسة بيثاني… مـ-ما رأيكِ أن ننهي العمل لهذا اليوم؟”
“أرجوكِ…”
“فليجد أحدٌ السيد كوينتين… هو وحده من يستطيع إنقاذنا!”
عندما سمعت الشكاوى، عبست بيث.
“ما هذا الذي أسمعه؟ تمرد؟”
شحبت وجوه المهندسين والعلماء والمستيقظين.
“لـ-لا..”
“بالطبع لا، يا رئيسة!”
“كنّا نمزح فقط، يا رئيسة!”
أومأت برضًا، ثم التفتت إلى لوحة تحكُّم معقدة أمامها. في الخارج، كانت باستيون مغمورةً في الظلام. كان القمر الساطع يعلو البحيرة، يغمرها بنورٍ باهت، وعلى الرغم من أن الشوارع كانت منارة هنا وهناك بفوانيس عادية أو مسحورة، فإن معظم المدينة كانت تغطّ في أحضان الظلال.
كانت المدينة كبيرة ومكتظةً لدرجة لا يمكن أن تكون نائمة تمامًا، لكن معظم المواطنين كانوا في منازلهم، ينتظرون بزوغ الفجر ليستأنفوا أعمالهم. فبعد كل شيء، لا أحد يستطيع العمل في الظلام.
حسنًا… قلةٌ منهم يستطيعون.
أدارت بيث رأسها ونظرت إلى إحدى أتباعها من المستيقظين – فتاةٌ فاتنة ببشرة شاحبة وشعر أسود كالغراب، بالكاد تجاوزت سن المراهقة على ما يبدو. كانت تلك الفتاة إضافة حديثة إلى الفريق، وتعمل كنوع من المتدربات، تساعد الجميع في المهام البسيطة أثناء تعلّمها أساسيات العمل.
وعلى عكس باقي المجموعة البائسة، لم تشكُ أصغر أعضاء الفريق أبدًا.
“أنتِ هناك، راني… عدتِ للتو من بناء الطريق عبر قبر السَّامِيّ، صحيح؟”
أومأت الفتاة برأسها مبتسمةً.
“أجل يا رئيسة! لقد عملت على الطريق المظلم.”
كان الطريق المظلم يمتدّ عبر ذراعي السَامي الميت وسهل الترقوة بأكمله، رابطًا الأراضي البشرية في الشمال. بعض أجزائه تقع تحت السماء المفتوحة، لكن معظمه مغمور في الظلام الأبدي الذي استدعاه لورد الظلال قبل أن يقتل ملك السيوف ويُقتل بدوره على يد نجمة التغيير.
ومن البديهي أن بناء طريق عبر منطقة موت لم يكن مشروعًا سهلًا. نظرت بيث بصرامة إلى بقية تابعيها.
“هل ترَون؟ قضت راني شهورًا في عمل يدوي شاق داخل الظلام التام، بينما كانت مخلوقات الكابوس المرعبة والنباتات الآكلة للحوم تحاول التهامها. وأنتم، أيها البائسون، ما الذي تشتكون منه؟ متى كانت آخر مرة التُهم فيها أحدكم؟”
نظر أعضاء الفريق إلى بعضهم البعض.
“ألم يُلتهم راسل الأسبوع الماضي؟”
“بلى، أنا ثد التُهمت! قضيتُ دقيقة كاملة في معدة رجس! لحسن الحظ، كان السيد كوينتين موجودًا وقتل المسخ… شكرًا للشعلة الخالدة…”
“تتعرض فرق مدّ الكابلات للهجوم باستمرار!”
عبست بيث.
“لا يهم! سنقوم بتجربة أخرى. يمكنكم النوم غدًا!”
بينما تعالت التنهيدات في غرفة التحكُّم، استدعت راني حقيبة جلدية وأخرجت منها شيئًا. نظر أعضاء الفريق إلى علبة قصديرية بعيون متقدة.
“انتظروا… هل أتوهم، أنا لا أتوهم صحيح؟”
“هل هذه… قهوة؟”
“إنها قهوة يا رفاق! قهوة حقيقية!”
ابتسمت راني.
“نعم. إنهم يزرعون أشجار القهوة في قلب الغراب الآن، أتعلمون؟ حصلت على بعض العلب كأجرة. ما رأيكم أن أعدّ بعضًا منها للجميع بينما تقوم الرئيسة بيثاني بالمعايرة؟”.
انفجر أعضاء الفريق بالهتاف. حتى أن بعضهم ذرف الدموع.
أما بيث، فكانت تدرس لوحة التحكُّم – نصفها ميكانيكي، ونصفها منقوشٌ برونياتٍ ومدمج بشظايا روح.
“لا أفهم… كان على كل شيءٍ أن يعمل.”
بقيت صامتة لدقيقة، ثم نادت على أحد المستيقظين الذي كان يُشغِّل ذكريات التواصل.
“سدّ بوابة النهر، معكم المركز. هل التوربينات تدور؟ والمولدات مشغّلة أيضًا؟ حسنًا… فهمت. راقبوا القراءات وأبلغوني إن لاحظتم أي أمر غير معتاد.”
“عزيزـ… أعني، السيد كوينتين، لقد أصلحتَ الكابل، صحيح؟ هل أنت متأكد من عدم وجود أجزاء محترقة أخرى؟ ماذا؟ ماذا تعني بأن مخلوق كابوس قضم الكابل؟ لماذا قد… لا بأس. فقط أخبرني عندما تنتهي من إصلاحه!”
“فرق الإطفاء، كونوا على استعداد. التأخير سببه كابل مقطوع. سنقوم بمحاولة أخرى خلال عشر دقائق… لا، لن ينفجر مجددًا! لا توجد أي إمكانية لانفجاره مجددًا. لا شيء سينفجر! لكن… فقط في حال حدث ذلك، أنتم تعرفون ما يجب فعله…”
وسرعان ما امتلأت غرفة التحكُّم برائحة القهوة الطازجة الزكية. كان أعضاء الفريق يتلذذون بالمشروب المنعش بينما كانت بيث تحدق في اللوحات وتناقش مختلف التفاصيل مع تابعيها عبر ذكريات التواصل. من وقت لآخر، كانت تلقي نظرة عبر النافذة العريضة لتتأمل المشهد المظلم للمدينة في الأسفل.
وفي الأعالي، كانت هيئة البرج العاجي الكريمة ترتسم على خلفية قرص القمر الباهت.
وأخيرًا، وصلتها رسالة من كوينتين تؤكد أن الكوابل الممتدة من السدّ المشيَّد على أنقاض بوابة النهر القديمة إلى باستيون قد تم إصلاحها. أسرع أعضاء الفريق إلى مواقعهم، وخيّم صمت مشحون بالتوتر في غرفة التحكُّم.
بقيت بيث قرب لوحة التحكُّم، وبجوارها مساعدتها الشابة، راني.
“أنتِ أصلاً من NQSC، صحيحٌ يا راني؟”
أومأت الفتاة برأسها.
ألقت بيث نظرة أخيرة على القراءات، ثم تنفست بعمق.
«أنا من الربع الجنوبي بنفسي. لكني قضيت عدة سنوات في NQSC كطالبة. أوه، وزرتها لاحقًا كلاجئة، حين مررت عبر بوابة الأحلام.»
توقفت للحظة.
“البنية التحتية هناك… آه، إنها مذهلةٌ بحق. عمل عبقري خالص. لكن…”
وضعت بيث يدها على مفتاح كبير، وابتسمت فجأةً بابتسامة مشرقة.
“في غضون بضعة عقود، لن تكون باستيون أقل شأنًا بأي شكل من الأشكال. وكذلك كل مدينة أخرى في عالم الأحلام.”
ثم ضغطت المفتاح.
امتلأت غرفة التحكم فجأةً بهمهمة غريبة، تردد صداها عبر الجدران. ثم…
أنارت المدينة خارج النافذة فجأة، تمامًا كما أنار وجهها.
أنارت مئات المصابيح الشوارع بنورٍ كهربائي ساطع وثابت.
وكأنها نجومٌ في سماء الليل العاتمة.
اندحر الظلام، واستُبدل بضياءٍ نقي وناعم.
زفرت بيث ببطء، وابتسمت برضا.
“قلتُ لكم…”
ترجمة آمون