عبد الظل - الفصل 2261
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2261 : الوفاء بالوعد
امتدّت مساحةٌ مظلمة ومقفرة من الكثبان السوداء تحت سماءٍ بلا نور، وكانت منحدراتها السجية لا تُنار إلا بوهجٍ بعيد لعواصف الجوهر العابرة. وفي عمق الغبار، كانت مقبرة من الثعابين ترقد كمتاهة من العاج، وتُغمر جدرانها المنسية في الظلام.
وفجأة، انكسر صمت الأرض الميتة بصوت خطواتٍ خفيفة. كان شاب ذو وجه يشبه اليشم وعينين من العقيق يسير فوق غبار السج، وجسده مكسوٌّ بدرعٍ أسود معقد التصميم.
وحيثما مرّ، كان الظلام يزداد عمقًا، والرياح تزداد برودة.
لكنه بدا هادئًا ومسترخيًا، كما لو كان يسير في مراعٍ من نطاقه الخاص، لا في أطراف عالم الموت المقفرة.
وبمعنىً أو بأخر، كان كذلك.
كان الشاب هو بلا شمس… لورد الظلال، سيادي الموت.
وحين بلغ نصف السَامي المرعب لب المقبرة، توقّف ونظر للأسفل، إلى هيكل عظمي بشري متضرر بشدّة يرقد بين الثعابين الميتة، ناظرًا إلى السماء الخالية من النور بعينين خاويتين.
وبعد برهة، تحدّث الهيكل العظمي:
“يا للعجب… انظر من لدينا هنا… أراك قد نجوت، يا فتى.”
حدّق صني في يوريس لوهلة، ثم تنهد واستدعى كرسي الظل. وضعه بجانب الهيكل العظمي المشوّه، وجلس عليه، اتكأ للخلف براحة، وعقد ساقيه.
“حسنًا، بخصوص ذلك… ستتفاجأ.”
أدار يوريس جمجمته لينظر إليه.
“لست متأكدًا من قدرتي على التفاجؤ بعد الآن… لا، أسترجعُ كلامي! أنا متفاجئٌ الآن فعلًا!”
ابتسم.
بالطبع، كهيكل عظمي، كان يوريس عالقًا في ابتسامة أبدية، لذا لم يكن لديه الكثير من الخيارات في هذا الشأن.
“انظر إليك. وقد أصبحت فائقًا بالفعل. مذهلٌ بحق!”
أصدر طقطقة بفكّيه، ليُظهر مدى إعجابه.
“آمل أن نصيحتي المتواضعة كانت مفيدة. فقل لي… كيف فعلتها؟ ما كان فعلكَ المتحدي، أيها الفتى الشرير؟ هل تحديت طبيعتك الخبيثة وأبقيتَ أحدهم حيًّا؟ أم أنك قتلت كائنًا عظيمًا وقويًا؟”
ضحك صني.
“أوه، كان عليّ قتل أحدهم فعلًا. لكن، لست متأكدًا بشأن الجزء الخاص بالعظمة والقوة… كما ترى، لقد قتلت نفسي.”
صمت يوريس لبرهة.
“يا للعجب… هذه طريقة لفعلها، على ما أظن!”
توقف للحظات، ثم أضاف بنبرةٍ محايدة:
“كسر القانون المطلق للموت ليس بالإنجاز الهيّن. فقليلون هم من فعلوها من قبل. لذا… تهانينا!”
ابتسم صني.
“من الغريب أن يُهنَّأ المرء على نجاحه في الانتحار. لكن الأغرب هو أن يكون حيًّا بينما يتلقى التهنئة، على ما أظن.”
ضحك.
“بصراحة، لم تكن صعبة جدًا. مؤلمة قليلًا، لا أكثر.”
صرّ يوريس على أسنانه.
“والآن أنت فقط تسخر مني يا فتى. تقول أشياءً جارحة… ألا تذكر أنني لا أستطيع الموت مهما حاولت؟ لماذا لا تزيد الطين بلّة وتخبرني كم كان موتك سهلًا، هاه؟”
سعل صني.
“حسنًا، حين تقولها بهذا الشكل، يبدو الأمر جارحًا فعلًا.”
أطلق يوريس ضحكة مبحوحة.
“آه، لا بأس. أنا ممتنّ أصلًا لأنك تذكرت وعدك وعدت لتُحاول قتلي. أوه… لكنك استغرقت وقتًا طويلًا.”
هزّ صني كتفيه.
“آسف. كنت مشغولًا جدًا مؤخرًا… آخر مرة رأينا بعضنا كانت منذ أكثر من عام، صحيح؟ لقد حدثت أشياءٌ كثيرة خلال هذا العام.”
انتهت حرب العوالم منذ حوالي عام. وكان صني يبلغ حاليًا السابعة والعشرين، على مشارف الثامنة والعشرين. أما رَين، فكانت قد بلغت الثانية والعشرين.
‘ يا الهـي . يا لسرعة مرور الوقت…’
في الواقع، لم يكن ذلك صحيحًا على الإطلاق. إن كان هناك شيء، فقد بدا أن كل سنة يعيشها تُعادل عشر سنوات تمضي.
كانت السنة الأخيرة على وجه الخصوص حافلة بالأحداث.
تأمل صني للحظة.
“دعنا نرى… أولًا، انتهت الحرب بين نطاق السيف ونطاق الأغنية. في تلك اللحظة، بلغتُ التفوق، في المعركة النهائية تحديدًا – وكذلك نيفيس. هزمنا أنفيل وكي سونغ، السياديين السابقين للبشرية، مباشرةً بعد أن أصبحنا فائقيْن.”
توقف صني لبضعة لحظات، ثم أضاف:
“ويا له من أمرٍ غريب. فقد بقي ظلهم يخيم علينا لوقتٍ طويل – ظلٌ لا يُسبر غوره، ولا يمكن الهرب منه. ولا يُقهر. لكن في النهاية، لم يستغرق سقوطهم سوى بضع دقائق. أعتقد أنهم كانوا مجرد بشر فحسب… حتى وإن كانوا أنصاف سَاميين.”
هزّ رأسه.
“بالطبع، تلك الدقائق القليلة كانت ثمرة سنوات طويلة من التخطيط الدقيق والتحضيرات الشاقة. لقد تجاوزنا أنفسنا حقًا… كانت مؤامرتنا محكمة للغاية. ما فاجأني هو أن كل شيء سار كما هو مخطط – حسنًا، إلى حد كبير. لم أكن أتوقع أن أضطر إلى قتل نفسي، بطبيعة الحال.”
ابتسم.
“على أي حال، كان عليّ أن أختفي بعد انتصارنا. أما نيفيس، فأصبحت في المقابل المهيمنة على البشرية.”
حدّقت يوريس فيه بتسلية.
“تلك الفتاة المقيتة؟ يا للعجب! أشعر وكأنها كانت خاملة فقط البارحة. رمشتُ مرة، وإذا بها تلك الشقية تصبح فائقة. أنتم الأطفال الوحوش لحقًا مدهشون، ألا تظن؟ هذا جيدٌ لها!”
ابتسم صني ابتسامةً خطيرة.
“لكنّك لا تستطيع الرمش في الحقيقة. لا تملك جفونًا. وأيضًا… ألم أعدك بأن أكسر ذراعك المتبقية إن دعوتها بالمقيتة مجددًا؟”
حدّق به يوريس للحظة.
“هل قلتُ ‘مقيتة’؟ يا للعجب! لا بد أنني زللت بلساني. ما كنت أقصده هو ‘بديعة’، تلك الفتاة البديعة!”
حدّق فيه صني لبرهة، ثم أومأ.
“حسنًا، هذا صحيح. فهي بديعة.”
ثم تنهد.
“سأتغاضى عن الأمر هذه المرة. على أية حال، كما يمكنك أن تتخيل، كنا مصدومين قليلًا بعد بلوغ التفوق وهزيمة السياديين دفعة واحدة. ولم نكن الوحيدين – كلُ من في قبر السَّامِيّ كان مذهولًا. آه، صحيح، نسيت أن أذكر… في اللحظة الأخيرة، قمت بتدبير خيانة ومُت على يد نصل نيف أثناء محاولتي الاستيلاء على العرش. لم يكن قد مضى وقت طويل منذ أن عرف أغلب الناس بوجود الفائقين أصلًا، لكن في معركة واحدة، مات ثلاثة فائقين. تخيل وقع الصدمة عليهم.”
نقر يوريس فكه.
“أنت تعلم أنني لا أملك سياقًا لفهم معنى هذه الأحداث، وفوق ذلك، لا أفهم نصف الكلمات التي تتفوه بها. نطاق السيف، نطاق الأغنية، أنفيل، كي سونغ، قبر السَّامِيّ… لا فكرة لديّ عمّا تعنيه هذه الأشياء. فلماذا تخبرني بكل هذا؟”
نظر إليه صني وابتسم.
“لأنني أريد أن أخبر أحدًا، وأنت لا تستطيع الهرب. ليس لديك قدمان.”
سقط فك الجمجمة السفلي مفتوحًا.
بقي يوريس صامتًا لبعض الوقت، ثم تمتم:
“حسنًا… منصفٌ بما يكفي.”
ضحك صني.
“لذلك، قضينا بضعة أيام في ساحة المعركة – وأقصد بـ’نحن’ أي ‘هم’، لأنني كنت مشغولًا بالاختباء في الظلال متظاهرًا بالموت. عادةً، كان من المفترض أن يكون المعالجون مشغولين بمداواة الجرحى، لكن كانت نيفيس قد شفت الجميع بالفعل، فلم يتبقَ إلا دفن القتلى. قام الجنود بتجميع المحارق بينما أمضى الضباط هذه الأيام في مجلس شورى. وبنهاية المجلس… أُعلن أن عشيرة الشعلة الخالدة ستُعاد، وأن نيفيس ستصبح حاكمة نطاق جديد… نطاق البشرية.”
هز رأسه مستمتعاً.
“بالطبع، سارت الأمور بسلاسة لأننا كنا قد استعددنا أيضًا للنتائج الفورية للحرب. كسبت نيفيس ولاء القديسين أثناء الحرب. آه… ولم يكن لديهم الكثير من الخيارات في الواقع. فهي تُعتبر الفائقة الوحيدة الموجودة الآن، في نهاية المطاف. فمن يجرؤ على تحديها؟”
تنهد صني بحنين.
“كان الأمر شعريًا جدًا، في الحقيقة. بدأت الحرب على العرش بمحاولة اغتيالها، وكانت هي الوحيدة التي عارضتها… وهي من أنهتها، وأصبحت الحاكمة الجديدة للبشر بدلًا من الطغاة الذين أشعلوا فتيل الحرب. الناس كانوا مفعمين بالفرح والسعادة – بدا الأمر وكأنه إرادة سامية، أن تنال التاج أكثر الناس طيبة ونبلًا.”
ثم خفتت ابتسامته.
“بالطبع، لم يكن أحد يعلم أن كل ذلك لم يكن سوى عرض تم إعداده بدقة متناهية. لم يعلموا أن نيفيس وأنا كنا مستعدين للتضحية بمئات الملايين من الأرواح لتحقيق هدفنا، وأن جميع هؤلاء تم إنقاذهم بالحظ فقط. لم نكن طيبين ولا نبلاء، فقط… أقوى من أعدائنا. القوة هي الفضيلة الوحيدة في هذا العالم الملعون، والضعف هو الخطيئة الوحيدة. ومع ذلك – لن تعرف كتب التاريخ الحقيقة أبدًا، وبالتالي، ستتذكر نجمة التغيير من عشيرة الشعلة الخالدة كأنبل الأبطال. بينما سيتذكرونني كخائن شرير مات على يدها… هذا إن تذكروني أصلًا.”
ضحك صني.
“صحيحٌ، وأنا ميت رسميًا الآن. مجددًا. لذا، أخذت قلعتي وعدت إلى الشاطئ المنسي. إنه أمر يليق بي، ألا تظن، يوريس؟ يقف المعبد عديم الاسم الآن على الشاطئ المنسي، يحتضن سيده عديم الاسم، الذي يجب أن يُنسى…”
حدّق به يوريس في صمتٍ لبرهة، ثم قدّم كلماتٍ مُعزية:
“لا فكرة لديّ ما هو الشاطئ المنسي. في الحقيقة، لم أفهم سوى القليل جدًا من هذا الخطاب بأكمله. لكن إن كنت ترى أن ذلك مناسب… فأنا واثق بكونه كذلك!”
نظر إليه صني باستياء.
“سأستمتع بقتلك، أتعلم هذا؟”
حدّق فيه الهيكل العظمي القديم وهو يبتسم ابتسامة عريضة.
“وسأستمتع بقتلكَ لي!”
تنهد صني ولعن بهدوء.
ترجمة آمون