عبد الظل - الفصل 2457
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2457 : دورة مكثفة
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا للتعرّف على الضحية بعد اكتشاف الوشم. كانت بياناته في النظام بسبب عدة مخالفات ارتكبها قاصرون – أمّا الجرائم التي ضُبط وهو يرتكبها كراشد، فلم يكن هناك منها، لأن هذا الرجل المسكين كان بالكاد قد بلغ سنّ الرشد.
“يا للسَاميين… إنه مجرد فتى.”
رمق صني شريكته الجديدة بنظرة قاتمة.
‘…هل قالت للتو “سَاميين”، بصيغة الجمع؟’
أم أنه سمع خطأً؟.
حين فكّر بالأمر، بدت شريكته، التي تصلح كفتاة غلاف، مألوفة على نحو مريع. شعر وكأن… لا، كان مقتنعًا أنه رآها في كوابيسه، وكثيرًا ما حدث ذلك أيضًا. لكن كيف أمكنه أن يحلم بأشخاص لم يقابلهم في حياته قط؟.
تنهد صني وفرك عينيه بتعب، شاعراً بالإرهاق والعجز عن النوم في آنٍ معًا.
‘تماسك، بـحق الجحيم… أنت تفقد عقلك حقًا.’
“نعم، حسنًا. تحبّ العصابات أن تجندهم صغارًا.”
وكان يعرف ذلك. إذ كان هو نفسه أحد هؤلاء البلطجية القُصَّر ذات يوم.
وصل الطبيب الشرعي أخيرًا، ولوّح صني لإيفي أن تبتعد. نزع قفازيه، ورماهما في سلة القمامة، فأخطأ، ثم عاد مع شتيمة مكتومة ليأخذهما ويضعهما في السلة كما يجب.
“هيا بنا. انتهينا هنا.”
نظرت شريكته فائقة الجمال… إيفي… حولها بارتباك.
“ألن نتفقد المكان أكثر؟ نستجوب من اكتشف الجثة، نبحث عن دليل متروك بين الشجيرات، وما إلى ذلك؟”
أعطاها صني نظرة ساخطة.
“لا جدوى. إما أُلقِيَت الجثة من الجسر أو جرفها النهر – في كل الأحوال، وقعت الجريمة في مكان آخر. وسيفحص رجال الدورية الموقع ويستجوبون الشهود. لكنني أشك أنهم سيعثرون على شيء. اللاشيء دقيق للغاية.”
سار نحو سيارته، فتح الباب، وأشار إلى المقعد المجاور للسائق.
“ادخلي.”
ألقت إيفي نظرة مرتابة على السيارة المتهالكة، ثم تنهدت وحشرت نفسها داخلها. وبحلول الوقت الذي صعد فيه صني إلى مقعد القيادة، كانت قد بدأت بالفعل تلتهم شطيرة أخرى ظهرت وكأنها خرجت من العدم.
أين كانت تخفيها؟.
“واو، يا شريكي. يجب أن أقول… لم أرَ مركبةً أردأ من هذه منذ زمنٍ. فمن أين حصلت عليها، أهو المتحف؟”
شغل صني المحرك، ثم أجاب بنبرة لا مبالية:
“مزاد حجز المركبات.”
خدمته هذه السيارة السوداء البسيطة بإخلاص طوال قرابة عقد. قد تبدو وكأن أيامها المجيدة قد ولّت… وتقود وكأنها تحلم بالذهاب إلى جنّة السيارات… لكنها كانت سريعة وموثوقة مع ذلك. كان يثق بها أكثر مما يثق بمعظم الناس.
سخرت إيفي.
“هذا منطقي. على أي حال… ذلك المعتوه، اللاشيء. إنه فعلاً شيء كبير، أليس كذلك؟”
ارتعشت زاوية عين صني.
“ما هو عليه هو مجرد خاسر بائس. لا أكثر ولا أقل.”
رفعت شريكته الجديدة حاجبها.
“المدينة كلها مرعوبة بسببه، ومع ذلك لا تستطيع قوة الشرطة بأكملها القبض عليه. كيف يكون خاسرًا؟”
نظر إليها صني لفترة وجيزة، ثم عاد بعينيه إلى الطريق.
“لن أقدّم لك دورة مكثفة في التنميط الجنائي، لكن عليكِ أن تعرفي شيئًا واحدًا عن القتلة المتسلسلين – رغم أن الإعلام يحب تصويرهم وكأنهم شخصياتٌ عظيمة وشريرة، إلا أنهم في جوهرهم مجرد خاسرين بائسين.”
أصبح تعبيره قاتمًا.
“معظمهم نتاج إساءة في الطفولة، نفسية أو جسدية – عادة من قِبل أمهاتهم. لذا فهم إمّا يتدرجون نحو ارتكاب نوع من قتل الأمهات الشاذ، أو يعوضون عن ضياع الفرصة لارتكابه، أو يحاولون استعادة نشوة ارتكابه. الأمر أعمق من ذلك، بالطبع، لكن في الأساس… إنهم مثيرون للاشمئزاز. أوه، وضعي في الحسبان أيضًا، هم ليسوا خاسرين فحسب، بل جبناء أيضًا. أغلب القتلة المتسلسلين يختارون ضحايا أضعف منهم ولا يشكلون تهديدًا – نساء، أطفال، مسنون… أنتِ تفهمين الفكرة.”
بقي صامتًا فترة، ثم أطلق تنهيدة حاقدة.
“لكن ذلك اللقـيط، اللاشيء، لا ينطبق عليه هذا الوصف تمامًا. لا يوجد نمط واضح في اختيار ضحاياه، مما يعني أنهم على الأرجح لا يمثلون بديلًا عن الشخص الذي يرغب حقًا بقتله. أكثر من ذلك، إنه يستهدف أي شخص، ضعيفًا كان أم قويًا. تبدو جرائمه مدروسة أحيانًا واندفاعية أحيانًا أخرى… لذا، محاولة تنميطه عديمة الفائدة. اللعنة، بل يمكننا رمي كتاب القواعد كله عندما نتعامل معه.”
أنهت إيفي شطيرتها بتعبير متأمل على وجهها.
“إذن، كيف سنعرف من هو؟”
التفت صني نحوها وتأملها قليلًا.
ثم أشاح بنظره وقال بهدوء:
“لسنا بحاجة لمعرفة من هو. أنا بالفعل أعرف من هو. نحن فقط بحاجة إلى دليل ملموس لزجه خلف القضبان.”
بدت إيفي مذهولة.
“ماذا؟ أنت تعرف من هو اللاشيء؟”
ثبت صني نظره إلى الأمام، وعيناه تزدادان برودة ووحشية.
“…نعم. أعرف.”
صمتت لبرهة، محدقةً به بنظرة غريبة.
“كيف لا يعرف أحد آخر إذن؟ أليس من المفترض أنه لغز كامل؟”
ابتسم صني ابتسامة ملتوية.
“سؤالكِ الثاني يجيب عن الأول. لا أحد يعرف من هو، لأنه من المفترض ألا يعرف أحد.”
رمشت إيفي مرات عدة، ثم عبست.
“شخصٌ ما يخفي المعلومات؟ انتظر… هل هناك من يغطي عليه؟”
ألقى صني نظرة نحوها، متسائلًا إن كانت صادقة أو تتظاهر بالجهل فقط. لسبب ما، شعر برغبة في الوثوق بشريكته الجديدة… وهو ما لم يكن من طبعه أبدًا. ومع ذلك، فهي دُفعت إليه من قِبل الرؤساء، مما يضع ولاءها الحقيقي موضع الشك.
أخيرًا، هز كتفيه.
“شخص ما يغطي شيئًا ما، هذا مؤكد. أمّا من ولماذا – فلا تطرحي أسئلة عن أمور لستِ مؤهلة لمعرفة أجوبتها، يا مبتدئة. ستعيشين لفترة أطول هكذا.”
فتحت فمها لتجيب، لكن قبل أن تتمكن، أضاف بنبرة باردة:
“الأدلة. من دون أدلة، لا قيمة لأي شيء قد تظنين أنكِ تعرفينه أو أظن أني أعرفه. لذا، أبقي ذهنكِ منفتحًا واتّبعي الأدلة – لن تجلب لكِ وراثة شكوكي سوى التشويش.”
نظرت إليه إيفي طويلًا، ثم ضحكت.
“واو، يا شريكي! كدت أن تبدو كمحققٍ حقيقي للتو!”
عبس صني.
“ما الذي تتفوهين به بـحق الجحيم؟ أنا محقق حقيقي.”
صمتت للحظة، محدقةً بتعبير غريب. وكاد قناع اللامبالاة المرح أن يتشقق قليلًا، كاشفًا عن شخص فطن حاد الذكاء يختبئ تحته.
وفي النهاية، استندت إيفي إلى المقعد وسألت شيئًا غريبًا:
“مرحبًا. ألا… ألا تتذكر حقًا؟”
رفع صني حاجبه، مرتبكًا.
“أتذكر ماذا؟”
ترددت لبضعة لحظات.
“من أنت؟”
عبس بشدة.
‘ما الذي يُفترض أن يعنيه ذلك؟’
“أأنتي سَكِرةٌ أم ماذا، أيتها الحمقاء؟ أنا صني، محقق من قسم الجرائم في شرطة السراب. مشرفكِ.”
تأملته إيفي لبضعة لحظات أخرى، ثم ابتسمت بخجل، عائدةً إلى مظهرها المسترخي اللامبالي.
“آسفة، يا مشرفي! قصدت… أنك المحقق الشيطان الشهير، بعد كل شيء! لا أكثر.”
‘يا لها من غريبة الأطوار.’
مطلقًا ضحكة ساخرة خافتة، ضغط صني بقوة أكبر على دواسة الوقود.
لم يكن يمانع غرباء الأطوار.
وبصراحة، لم يكن هو بنفسه أكثر الناس عقلانية.
ترجمة آمون
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.