عبد الظل - الفصل 2456
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2456 : شرطي قصير, شرطي طويل.
عندما أُبلِغَ صني بأن شريكته الجديدة مجرد محققة تمت ترقيتها حديثًا وعادت إلى العمل بعد إجازة أمومة طويلة — بل وواحدة تدفع بها الإدارة العليا لأسباب دعائية — تخيل امرأة فاتنة، مناسبة تمامًا لترويج صورة القيم الأسرية والرعاية الحانية.
شخصية أمومية تُلطِّف من صورة شرطة السراب القاسية وغير المحبوبة.
لكن المرأة الواقفة أمامه، مع ذلك…
لم تكن تشبه تخيلاته بأي شكل، حتى أنه أصيب بالذهول للحظة قصيرة.
‘هـ—ها؟’
أولًا، لم تكن واقفة وحسب… بل كانت شامخة فوقه، بل وفوق بقية الضباط المجتمعين على الشاطئ الموحل. لا بد أن أحد أجدادها قد تزوج من غول، أو ربما من أورك — لا تفسير آخر لطولها المذهل.
لكن رغم أصولها المشكوك فيها، لم تكن المرأة تبدو كغول. بل… بدت كعارضة أزياء. في الواقع، كانت مذهلة للغاية، بوجه فاتن وقوام ساحر يكاد يكون قاتلًا من شدة جماله.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، فجسدها الرياضي المتناسق بدا وكأنه منحوت بعناية، بعضلات مشدودة تفوقت حتى على صني. كانت ترتدي ملابس رياضية بسيطة ومعطفًا مطريًا، لكنه استطاع أن يلاحظ كم كانت بجسدٍ متناسق وقوي.
وكأنما قديسةٌ نزلت من لوحة زيتية.
رمش صني عدة مرات، يعيد تقييمه البطيء لشريكته المستجدة.
‘تبدو رائعة على الملصقات، هاه؟’
ربما كان مخطئًا قليلًا بشأن القائد الجديد.
كان الرجل يعلم عمّ يتحدث.
بوجه عابس، رفع صني يده وأشار للمرأة أن تنحني نحوه. رمقته بنظرة مشوبة بالتسلية، ثم أطاعته، مخفية الكيس الورقي الذي كانت تحمله خلف ظهرها.
“ماذا؟”
وعندما اقترب وجهها بما يكفي للهمس، قال صني بصوت عالٍ:
“هل أبدو لك مدنيًا، أيتها المعتوهة؟! أنا من يُجري التحقيق على الجثة!”
ثم أخرج شارته من تحت سترته ولوّح بها أمام أنفها.
تفادت الشارة بسهولة ونظرت إليها في حيرة. ثم عادت عيناها العسليتان الجميلتان إلى صني، مليئتان بالدهشة.
بدت مذهولة حقًا.
“مـاذ… أنت؟ أنت المحقق الشيطان؟! لكنك… صغير!”
أغلق صني عينيه لثانية، وأخذ نفسًا عميقًا.
خلف شريكته المذهلة، صدرت أصوات فزع خافتة.
“أوه لا، أوه لا… لقد انتهينا جميعًا.”
“سيقتلها الآن، أليس كذلك؟”
“لا! ليس المحققة إيفي!”
“هل علينا استدعاء سيارة إسعاف أخرى؟”
تنهد صني ببطء من بين أسنانه، ثم فتح عينيه ونظر إلى شريكته المفترضة.
“نعم، أنا هو. وأنتِ… ما اسمكِ؟”
بدت المرأة وكأنها استعادت رباطة جأشها. اعتدلت وقفتها، وأدت التحية، ثم منحته ابتسامة مشرقة.
“اسمي إيفي! سأكون تحت رعايتك إذن!”
ثم مدت يدها لمصافحته.
حدق صني في يدها الممدودة لثوانٍ، ثم أشاح بوجهه وركز على الجثة.
“اصمتي ولا تزعجيني، يا إيفي. ابقي حيث أنتِ وراقبي بصمت.”
ترددت قليلًا، ثم سحبت يدها وتنهّدت.
“كئيبٌ جدًا…”
متجاهلًا المرأة، جثا صني قرب الجثة وبدأ يدرس وجهها المشوّه والبشع. لم تُتلفه المياه كثيرًا، لكن عيني الرجل الميت كانتا مفقودتين…
وهذه كانت بصمة اللاشيء.
كل واحدة من الضحايا السبعة قُتلت بطريقة فريدة، لكن جميعهم كانت أعينهم مفقودة. كان ذلك اللقيـط المختل يأخذها لسبب مجهول.
تقول النظرية الرائجة إنه يجمعها كجوائز.
كان صني يحدق في الجثة بتركيز، ممتنًا قليلًا لأنه لا يسمع صوت تقيؤ خلفه. كان يتوقع أن شريكته المستجدة ستصاب بالغثيان فور رؤية ضحية اللاشيء الأخيرة، لكن المحققة العائدة من الأمومة بدت وكأنها تتعامل مع الجثة المروعة بكل أريحية.
لا، في الواقع…
كانت هناك أصوات غريبة تصدر من خلفه، على أية حال.
استدار صني بأستياء، وفتح فمه لقول شيء… ثم تجمّد للمرة الثانية ذلك اليوم.
كانت شريكته المفروضة واقفةً حيث أمرها بالوقوف. كان كيسها الورقي مفتوحًا، وكانت تمسك شطيرة نصف مأكولة بيدها، تمضغ بحماسة.
حدق فيها صني غير مصدق.
“أتـ… أتأكلين؟”
ابتسمت شريكته ابتسامةً محرجة.
“أوه… آسفة! جهازي الهضمي سريع. لذا أتناول وجبات خفيفة كثيرًا.”
‘ما الخطب مع هذه المرأة؟’
حدق فيها صني للحظات أخرى، ثم هز رأسه وعاد إلى الجثة.
“صحة وهنا، على ما أظن.”
وهو يمد يده ليحرّك رأس الرجل الميت قليلًا، سألت المرأة:
“ما الذي تبحث عنه عمومًا؟ سبب الوفاة واضح: خنق. تلك الكدمات على رقبته من أصابع القاتل. يبدو الرجل رياضيًا، لذا خنقه بهذه الطريقة… يتطلب قوة هائلة. اللاشيء عادة يستخدم السكاكين، أليس كذلك؟ لا أظنه استعمل القوة الغاشمة من قبل. هل يمكن أن يكون مقلدًا؟”
عبس صني، ثم أطلق تنهيدة طويلة.
“ألم أقل لك أن تلتزمي الصمت؟”
واصل فحصه بحذر.
“…أبحث عن أي دليل أستطيع إيجاده. وليس مقلدًا. العينان انتُزعتا بدقة جراحية، وهذا ليس شيئًا يستطيع أي أحد فعله. ثم إننا لم نكشف هذا التفصيل للصحافة. وذلك اللقيـط لا يعمل بالسكاكين. يعمل بما يتوفر له. يتغير أسلوبه دائمًا، وكأنما يحب الابتكار.”
صفَرت شريكته بإعجاب.
“هل نحن متأكدون أن اللاشيء رجل، بالمناسبة؟ ظننت أنه لا توجد أي أدلة.”
بقي صني صامتًا لبرهة.
“لسنا متأكدين. لكن إحصائيًا، أغلب القتلة المتسلسلين رجال. و… من قال إنه لا توجد أدلة؟”
في تلك اللحظة، كان يمسك بإحدى يدي الرجل الميت ويتفحّص ما تحت كمّه.
فجأة، تجمّد صني.
“اللعنة.”
بدت شريكته وكأنها أنهت شطيرتها. اقتربت أكثر، ونظرت من فوق كتفه وسألت بفضول:
“ما الأمر؟”
هناك، على جلد الرجل الشاحب…
وشم لأفعى سوداء صغيرة، تلتف حول ذراعه.
ارتجف صني.
“إنه وشم عصابة. كان هذا الرجل من جماعة الثعابين السوداء.”
ترجمة آمون