عبد الظل - الفصل 2455
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2455 : بوابات الفيضان
النهر الهادئ عادةً قد فاض، وكانت مياهه الرمادية الهائجة ترتفع فوق الشاطئ المقفر حتى أعلاه. وأصبح الشاطئ نفسه مستنقعًا موحلًا، وقد أختفت حيويته المعتادة. كانت مساحة كبيرة مطوقة بشريط الشرطة ومخفية خلف عدد من المركبات المتوقفة أمامها، وخلف الشريط، وقفت مجموعة صغيرة من المارة متجمّدين تحت المطر، مدفوعين بالفضول.
أضفت أضواء سيارات الشرطة الوامضة على المشهد لونًا ينذر بالشؤم، ويثير القلق.
نزل صني من سيارته، ورفع ياقة سترته ليمنع المطر من التسلل إلى جسده، ثم نظر إلى الأعلى بتعبير قاتم.
كانت السماء ثقيلة ومظلمة، باكيةً دون توقف. لكن ذلك لم يكن ما جذب انتباهه.
ولا حتى الفضوليون المتجمهرون خلف شريط الشرطة من أقلقوه، إنما الجثة التي عُثر عليها قرب جسر. الآن هناك حشدٌ ثانٍ على ذلك الجسر، مشغولون بالتقاط الصور بهواتفهم — من هناك، يملكون أفضل زاوية رؤية للجثة الملقاة على حافة الماء.
‘…الغيلان الملاعين.’
ما كان لهذا أن يكون مصادفة. إما أن اللاشيء ألقى بها من فوق الجسر، أو أنه أراد ببساطة أن يُقدّر الناس عمله. وإن كان الاحتمال الثاني، فقد وجد جمهورًا متحمّسًا ومُتقبّلًا للغاية.
أمسك صني بأحد عناصر الدورية الذي كان يهرول مسرعًا، وجذبه إليه.
“أي لعيـ…”
استدار الشرطي بوجه غاضب، لكنه سرعان ما شحب، وتراجع خطوة إلى الخلف دون إرادة.
“الـ–محقق صني، سيدي! أأ… أنت هنا؟”
حدّق صني فيه لبضعة لحظات، ثم أشار نحو الجسر وقال بنبرة منخفضة ومتزنة:
“أأنت أعمى أم ماذا؟ نعم، أنا هنا. خذ معك اثنين أو ثلاثة، وأفرغ القسم المخصص للمشاة على الجسر فورًا، ثم أغلقه. اللعنة، هل يجب أن أعلّمك كيف تؤدي عملك؟”
لو كان هناك أي دليل على الجسر، فقد دُمّر الآن بلا شك. كان هناك من يستحق الطرد لهذا الإهمال، لكن صني يعلم أن لا أحد سيتحمل المسؤولية.
ارتعد الشرطي، ثم أدى التحية واختفى من أمامه بسرعة.
هز صني رأسه، ثم انحنى أسفل شريط الشرطة وتقدم نحو مسرح الجريمة وهو يرتدي قفازات لاتكس سوداء. كان هناك تجمّع كبير من الناس بالقرب من الماء، يحجب عنه الرؤية — وكان يعلم أن الجثة هناك.
وأثناء اقترابه، سمعهم يتحدثون بصوت منخفض:
“أسمعت؟ سيعود صني اليوم.”
“من؟”
“آه، صحيح… أنت جديدٌ. لم تلتقي به بعد.”
“مع ذلك، من هو صني هذا؟”
“أيها الأحمق، ألا تعرف شيئًا؟ يمكنك أن تخاصم أي شخص في شرطة السراب، لكن لا تجرؤ، أبدًا، على العبث مع هذا الرجل. أنه مجنونٌ تمامًا، ولا أعني هذا بطريقة جيدًا.”
“صني، صني…مـ–مهلًا، أتقصده هو؟ ذلك المحقق الشيطان؟!”
“آه، إذًا فأنت تعرف عنه. حسنًا، أعتقد أنك ما زلت تمتلك أملًا بعد. لا تغضب الشيطان، يا رجل.”
“آه، بحقك… من المؤكد أن أغلب تلك القصص التي نسمعها عنه أكاذيب. أراهن أني أستطيع التعامل معه إن وصلت الأمور لشجار.”
“اللعنة، اتضح أنك أحمقٌ. اسمع… في أحد الأيام، حين كان في وحدة مكافحة الجريمة المنظمة، وضع زعيم عصابة الضفدع الأحمر جائزة كبيرة على رأسه. فحاصره حوالي عشرين بلطجيًا في سوقٍ تحت الأرض ليلًا، وكانوا كلهم مسلحون بسكاكين وهراوات بيسبول. هل تعرف ماذا حدث بعد ذلك؟”
“مـ–ماذا؟”
“مجزرة حقيقية، هذا ما حدث. كنت من أوائل الضباط الذين وصلوا إلى المكان، لذا رأيت الأمر بعيني… حين فتحنا الأبواب، بدا وكأنه مسلخ، يا رجل. قضى عليهم جميعًا — مات عدد منهم في الطريق إلى المستشفى، والباقون أصيبوا بإصابات دائمة.”
“عشرون رجلًا؟ هيا… هذا مستحيل…”
“اللعنة، لقد كنت هناك، حسنًا؟ خرج من تلك المجزرة وكأنه شيطان خرج من الجحيم، رمقني بنظرة مرعبة، ثم ركب السيارة من دون أن ينطق بكلمة واحدة وتوجه مباشرة إلى الحانة حيث مقر الضفدع الأحمر. وفي اليوم التالي، سلّم زعيمهم نفسه للشرطة ومعه صندوق مليء بالأدلة… أو ما تبقى من زعيمهم، على الأقل.”
متجاهلًا الهمسات، شقّ صني طريقه بين الحشد بلا مبالاة. ما إن رأته الشرطة حتى عمّ الصمت، وابتعدوا ليُفسحوا له المجال.
لاحظ أحد الذين يعرفهم جيدًا، فسأله بصوت كئيب:
“أين الطبيب الشرعي؟”
سعل الرجل عدة مرات.
“المحقق صني، سيدي… مرحبًا بعودتك!”
حدّق فيه صني بصمت، فارتعد الرجل.
“طرحت عليك سؤالًا، أليس كذلك؟”
تردد الشرطي لبضعة لحظات، ثم تنهد وأشار نحو النهر.
“هناك فيضانات طفيفة في عدة مناطق في اتجاه مجرى النهر، لذا تأخر كثير من رجالنا بسبب الزحام. سيصلون قريبًا… لكن لدينا مشكلة صغيرة، سيدي. ما زالت المياه ترتفع، كما ترى. تم العثور على الجثة غارقة جزئيًا في النهر، وإن لم تُنقل قريبًا، فقد يجرفها التيار. كان المحقق الآخر بانتظار أن…”
تمتم صني بلعنة ولوّح بيده ليصرفه.
سائرًا في الوحل، اقترب من الجثة. كانت بالفعل على حافة المياه، مغمورةً حتى نصفها تقريبًا. لم يكن مرئيًا منها سوى ساقي الرجل الميت والجزء السفلي من جذعه.
انحنى صني وأمسك بإحدى ساقي الجثة، ثم سحبها خارج الماء.
كُشف عن وجه منتفخ ومروع… وعيناه مفقودتان.
“اللعنة…”
وقبل أن يتمكن صني من فحصه بشكل أفضل، سمع صوتًا ذو نبرة منخفضة خلفه، جعله يتوقف.
“مهلًا! مهلًا، يا أنت، ما الذي تفعله بـحق الجحيم؟ هذه مسرح جريمة، بحق اللعنة. من سمح لمدني عشوائي بالتجول هنا؟”
كان الصوت أنثويًا وغريبًا عليه.
‘إذًا، هذه هي الحمولة الزائدة، إذن.’
تنهد صني من بين أسنانه، واستقام وهو يدير جسده، ناظرًا إلى المرأة بنظرة باردة تقشعر لها الأبدان.
أو على الأقل، هذا ما كان يخطط لفعله.
لكن بدلًا من ذلك، تجمّد للحظة… ثم رفع عينيه ببطء.
ثم أكثر.
اتسعت عيناه قليلًا.
‘ما… ما هذا بـحق الجحيم؟ أهذه هي الأم المنهكة؟’
ترجمة آمون