عبد الظل - الفصل 2451
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2451 : مدينة السراب، نوآر
حلم صني بكابوس.
في ذلك الكابوس، عاش في عالم يحتضر حيث كانت الوحوش البشعة حقيقية، والبشر يمتلكون قوى خارقة، وكانت البشرية على شفا الانقراض تحت وطأة الظلام الزاحف. كان العالم ساحة معركةٍ شاسعة، وفي كل يوم تُزهق أرواحٌ لا تُحصى في معركة دامية من أجل النجاة.
وكان صني نفسه أحد أقوى الناس في ذلك العالم، بعد أن شق طريقه نحو قمة القوة عبر الوحل والدم، وكسر القلوب، وأشواك الخيانة. كان يئن تحت وطأة المسؤولية الساحقة، ويحمل عبء خطايا الماضي القاسية.
…وكان لديه أيضًا حبيبة مذهلة، فاتنة، ساحرة الجمال.
كان صني قادرًا على تقبّل وجود الوحوش والقوى الخارقة بدرجة ما، لكن تلك التفصيلة الأخيرة وحدها كانت كفيلة بأن تفضح له أنه كان يحلم.
‘آه…’
استيقظ على صوت المنبّه الصاخب.
“استيقظ، يا صني! استيقظ، يا صني! استيقظ، يا صني!”
‘اللعنة.’
أخذ هاتفه أثناء تخبطه في حركته لإيقاف المنبّه، ثم جلس، ناظرًا حوله بعينين محمرّتين ومرهقتين.
كانت غرفته مظلمة وفوضوية، مليئة بالهواء الفاسد والزجاجات الفارغة. وكان التلفاز يعمل، يعرض إعلانًا ملوّنًا عن المركز التجاري الفخم الجديد التابع لمجموعة فالور. كان المدير التنفيذي الشاب يقطع الشريط الأحمر أمام حشدٍ يهتف، بابتسامته البسيطة تغطي الكاميرا…
حدّق صني بالتلفاز قليلًا، مع ظلامٍ يتجمع في عينيه، ثم رمى هاتفه نحوه. تحطّمت الشاشة، فشوّهت شبكة من الشقوق الوجه المبتسم المعروض عليها، حتى بدا كأنه ينظر في مرآة مكسورة.
وفجأة، أصبح صني يقظًا تمامًا.
“آه، لا! سحقا!”
قفز من السرير، دافعًا عدة زجاجات فارغة لتتدحرج على الأرض، وهرع إلى التلفاز. كانت شاشة هاتفه متشققة أيضًا، لكنها لحسن الحظ لا تزال تعمل. تحقّق صني من الوقت والتاريخ، ثم أطلق تنهيدة ارتياح، ووقف ببطء.
ما زال متأثرًا بذلك الكابوس اللعين، تمتم ببضع شتائم وسار نحو النافذة. فتح الستائر، وعبس من النور، ثم نظر إلى الخارج.
غمر إشراق الفجر البنفسجي الباهت جسده الشاحب — بعضلاته المشدودة، وتلك الندوب المتناثرة التي تزيّنه كأوسمة عار، وذلك الوشم المخيف لثعبان أسود يلتف حول ذراعيه وجذعه.
…لم يكن هذا تمامًا ما يتوقعه المرء من ضابط شرطة مكرَّم، لكنَ صني عاش حياةً عاصفة قبل أن يجد طريق الاستقامة.
خارج النافذة، كانت المدينة محجوبةً بستارٍ من المطر. وكانت السيارات تندفع لتفادي زحام الصباح، تاركةً خلفها خيوطًا متوهجة من الضوء القرمزي. وهنا وهناك، كانت أعمدة النيون الحمراء تبرز في السماء المظلمة كمنارات للأرواح التائهة، وحولها، كانت المتاجر والمطاعم الكثيرة تفتح أبوابها كمعابد للجشع والشراهة.
وفوق كل ذلك، وقفت ناطحات السحاب الزجاجية ككاتدرائيات شاهقة. وهناك، في أعماق مكاتب التكتلات الكبرى، يقبع النفوذ الحقيقي.
كانت الشوارع متسخة، والمباني السكنية متهالكة، والناس منهكين، محصورين على الأرصفة الضيقة وسط الزحام، يسيرون نحو وجهاتهم بعيونٍ زجاجية.
وكان هناك شيء ما في كل هذا يبدو خاطئًا بشكل غريب، كأن عالم كوابيسه كان أكثر واقعية.
‘…لا توجد حواجز تحيط بالمدينة.’
كانت فكرة غريبة، ومع ذلك، لم يستطع صني أن يتخلص من الشعور بأنه كان من المفترض وجود حواجز ضخمة لتنقية الهواء في الأفق.
لكن… لماذا؟.
‘لا بد أنني فقدت عقلي حقًا.’
على أي حال، كانت الشمس تشرق فوق مدينة السراب.
وقد حان وقت مواجهة يوم جديد…
في هذا اليوم، بذل صني جهدًا مترددًا ليبدو بمظهر لائق. استحم، وحلق، وارتدى أقل ملابسه تجعدًا. بنطال جينز أسود، وقميص رمادي، وسترة باهتة لا تثير الانتباه… كانت الملابس تخفي حدّته، لكن لا بد أن شيئًا في نظراته بقي، لأن سكيرًا كان يتسكع خلف المبنى تراجع بمجرد نظرة واحدة منه.
راقب صني الرجل وهو يترنّح مبتعدًا بتعبير بارد وكئيب. بدا الرجل وكأنه سكيرٌ حقيقي، لكن لا أحد يعلم… فالحذر واجب.
وبعد أن اختفى الشكل المتمايل عند الزاوية، صعد صني إلى سيارته القديمة المهترئة وأدار المفتاح.
وأثناء قيادته عبر شوارع المدينة، لم يستطع التوقف عن التفكير في الطريق الساحلي الموحش والمظلم في مركز القارة القطبية الجنوبية. لا… حدث ذلك في كابوس آخر. هذه هي الحقيقة، فَلِمَ كان يفكر بتلك الأمور المرعبة؟.
كانت الإذاعة تبث لحنًا جذّابًا، يذكّره بأنه، بالإضافة إلى تلك الحبيبة الساحرة، كان أيضًا صديقًا لنجم بوب حقيقي في تلك الأحلام. وفوق ذلك، كان يملك شركة مزدهرة، ويعيش في قلعة، ويعتني بأخت صغيرة محبوبة، و… يعزف على الناي؟.
‘ما هذا الهراء بـحق الجحيم…’
الأحلام لهي مكانٌ غريبٌ حقًا.
ولم يكن صني شخصًا ذا خيالٍ شاسع، في الحقيقة. فكيف لعقله الباطن أن يتخيّل كل هذه الأمور؟.
هزّ رأسه، وتوقف عند إشارة المرور، مصارعًا ذلك الشعور المرتاب بأن جميع السائقين من حوله يحدقون به.
وبعد فترة، وصل صني إلى وجهته… مستشفى نفسي مرموق في ضواحي المدينة.
بعد أن أغلق سيارته، عبر حديقة صغيرة نحو المدخل وأظهر بطاقته لحارس الأمن. تواجد الكثير من الأشخاص الميسورين يتلقون العلاج في هذا المستشفى الذي يبدو مثاليًّا، لذا كانت الإجراءات الأمنية صارمة للغاية — كان المبنى المذهل في الحقيقة لا يختلف كثيرًا عن حصن، وفي داخله أماكن كثيرة لا يُسمح لأشخاص عاديين مثله بدخولها.
أما صني نفسه، فلم يكن من الميسورين. لكنه كان موظفًا مدنيًا في وضع أحرج كبار المسؤولين، فقرروا إرساله إلى هنا لجلسات استشارة نفسية إلزامية.
وكان هذا قبل أشهر. أما اليوم… اليوم، إن شاء السَاميين، ستكون جلسته الأخيرة. إن سارت الأمور على ما يرام، سيُعاد إلى عمله. وكان ذلك في وقته المناسب — لأن صني يشعر أن الحقير الذي كان يطارده منذ زمن سيفعل شيئًا مجددًا قريبًا.
وحين سُمح له بالدخول، انتبه صني أنه استخدم كلمة “السَاميين” — بصيغة الجمع — فعبس.
‘تماسك، بحقك.’
لا يمكنه أن يفسد هذا اليوم.
وسرعان ما وجد نفسه جالسًا في مقعدٍ مريح يواجه طبيبته النفسية.
كانت طبيبته النفسية شخصية مرموقة في عالم العلاج النفسي رغم صغر سنّها نسبيًا. كانت هادئة ومهنية إلى أقصى حد، لذا، رغم الطابع الإجباري لعلاقتهما، لم يكن صني يكرهها كثيرًا. كانت معظم الوقت، تكتفي بالجلوس صامتة وهو يتحدث عما يدور في ذهنه، لذا لم يكن هناك الكثير مما يُكره.
حسنًا… كان هناك شيء واحد.
لم يكن لها أي حق في أن تكون بهذه الجاذبية المذهلة. كان الأمر سرياليًا، كم كانت فاتنة — ناهيك عن كونها مُشتِّتة للتركيز.
كانت بشرتها بيضاء كالمرمر، وعيناها كحجرين من العقيق، وملامحها تكاد تكون كاملة بشكلٍ غير بشري. كما لو أنها لم تولد، بل نُحتت من حجر على يد نحات مجنون. ونتيجة لذلك، فإن ما كان يجب أن يكون جميلًا بدا غريبًا… مرعبًا، حتى.
وغالبًا ما كان افتقارها للتعبير يزيد الانطباع اضطرابًا.
حين قابل نظرتها اللامبالية، أظهر صني ابتسامةً قسرية.
“صباح الخير، يا دكتورة.”
نظرت إليه بثبات…
ثم ابتسمت برقة.
وقد غيّرت الابتسامة وجهها تمامًا، حتى بدا ساحرًا إلى حد مؤلم. كانت كأنها شيء مقدّس… لربما قديسة حيّة.
“صباح الخير، أيها المحقق. هل ترغب في كوبٍ من القهوة؟”
لسبب ما، شعر صني بشعورٍ عميق بالخطأ حين سمع طبيبته النفسية الساحرة تتكلم.
وأيضًا، لسبب ما، شعر بدافع قوي أن يجيبها بصدق.
هزّ صني كتفيه.
“بالتأكيد. لمَ لا؟”
…ومثل كل كارثة أخرى في حياته، بدأت هذه الكارثة بابتسامة امرأة جميلة وفنجان قهوة.
ترجمة آمون