عبد الظل - الفصل 2450
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2450 : مملكة الخيال
لن يؤذي سقوطٌ صغير قديسًا، ولن يؤذي إيفي بالتأكيد، التي جعلتها قدرتها المستيقظة تملك جسدًا صلبًا كالفولاذ. صحيحٌ أن هذا السقوط كان طويلًا نوعًا ما… لكنه في النهاية، لم يُصبهما بأذى، رغم أنهما قد وصلا إلى متاهة المرآة مليئين بالغُبار ومتعبين قليلًا.
“هراء… لا أرى شيئًا. يا لها من متاعب،”
تذمّرت إيفي، لكنها لم تستدعِ أي ذكرى مُنيرة. ذلك لأن صني أغرق متاهة المرآة عمدًا في الظلال — فهذه طريقته المجربة والمضمونة في محو الانعكاسات اللانهائية عن جدرانها، متجنبًا بذلك مواجهة ‘الآخرون’.
“أظن أن الطريقة المقصودة – وبالتالي الآمنة – لاستكشاف قلب هذه المتاهة هي العبور خلالها عبر الانعكاسات. لكن بما أن لا أحد منا يعرف كيف يتعامل مع الآخرون، فسنسير فيها مثل البشر العاديين.”
ثم التفت نحو إيفي.
“أمسكي يدي.”
مدّ يده لها، لكنها لم تأخذها. عبس صني.
“ما المشكلة؟ ماذا، هل أصبحتِ خجولةً فجأة؟”
دحرجت إيفي عينيها.
“لا، أيها الأحمق. لا أستطيع رؤية يدك!”
سعل صني بإحراجٍ طفيف، ثم أمسك بذراعها وسحبها إلى قلب الظلام.
بدت متاهة المرآة كما كانت من قبل، لم تُمسّ بأذى رغم الخراب الفظيع الذي حلّ بالأعلى. كان هناك المزيد من الغبار على الأرض، لا أكثر – غير ذلك، كانت بحالة ممتازة. وبينما كانا يسيران عبر الظلام، بدا أن إيفي تُصغي باهتمام إلى وقع خطواتهما. وفي النهاية، سألت:
“إذًا، ألم تكن عشيرة فالور تعرف أن هذا المكان موجود؟”
هزّ صني رأسه.
“لا. لقد كان مخفيًا عميقًا تحت الأرض ومحصنًا ضد وسائل الكشف المعتادة. بالكاد وجدته بنفسي… لذا، لا واردين ولا ابنه كانا يعلمان بوجود متاهة المرآة، رغم أنهما أمضيا عقودًا فوقها مباشرة.”
صمتت إيفي قليلًا، ثم قالت فجأة:
“لكن موردريت بالتأكيد يعرف.”
ألقى صني عليها نظرة حذرة.
نعم… كان ذلك استنتاجه أيضًا. يستطيع موردريت أن يرى من خلال المرايا حوله، بل ويسافر عبرها – تلك هي قدراته الخاملة والمستيقظة. لذا، عندما عاد موردريت الشاب إلى حضن عشيرة فالور البارد، فلا بد أنه شعر بوجود كتلة ضخمة من المرايا تحت باستيون الحقيقية.
لا بد أنه كان يعرف أن متاهة المرآة موجودة هنا… وربما كان أول بشري يستكشفها. فهل كان مختبئًا الآن في شبكة الأنفاق المتشابكة هذه؟.
لم يظن صني ذلك… لم يعتقد أن موردريت كان داخل الأنفاق، على الأقل.
“إذا كان موجودًا هنا، فغالبًا سيكون في قاعة الخيال. ونحن متجهون إلى هناك أيضًا.”
توترت إيفي قليلًا.
“ذكرني… لما سنذهب إلى هناك من الأساس؟”
جمع صني أفكاره قبل أن يجيب.
“أنتِ سيدة باستيون، لذا تعرفين أكثر من أي أحد عن ماهية المرآة العظيمة. التي تقع عميقًا تحت القلعة – أعني نسختها الوهمية –داخل قاعة عظيمة تحت الأرض مخبأة في قلب الجبل. وهي أيضًا مركز مكوّن قلعتكِ، العنصر الذي يسمح للنسختين، الحقيقية والوهمية، من باستيون بتبادل المواقع. واحدة تبقى في الواقع، والأخرى تُحتجز بأمان داخل المرآة العظيمة.”
ضمت إيفي شفتيها.
“وهي أيضًا ما يسمح ‘للآخرون’ بالتسلل إلى الواقع من باستيون الحقيقية لو نسي أحد أن يغطيها.”
أومأ صني.
“لكن في الواقع، أعتقد أننا لم نكتشف المكوّن الحقيقي لباستيون بعد.”
أمالت إيفي رأسها قليلًا.
“هاه؟”
فكر صني قليلًا في كلماته.
“فكري في الأمر. هناك غرفة تحت الأرض تحتوي على المرآة العظيمة أسفل القلعة الوهمية، متصلة بها عبر ممرات سرية. لكن ماذا عن باستيون الحقيقية؟ لا توجد ممرات. بدلًا من ذلك، هناك متاهة المرآة… والغرفة الموجودة في قلبها. قاعة الخيال، التي تجعل ما تتخيله يصبح حقيقيًا – أو على الأقل تنشئ أوهامًا لا تختلف عن الحقيقة.”
توقف لحظة، ثم أضاف بنبرة قاتمة:
“لم أجرؤ على استكشاف قاعة الخيال من قبل، لذا لا أعرف ما يوجد في مركزها. لكن إن كانت نظريتي صحيحة… فهناك مرآة عظيمة أخرى هناك – المرآة العظيمة الحقيقية، وليست المزيفة مثل تلك الموجودة تحت باستيون الوهمية.”
عبست إيفي في الظلام، مذهولةً تمامًا كما كانت في المرة الأولى التي شاركها فيها هذه النظرية.
لكن هذه المرة، كان لديها سؤال.
“المرآة العظيمة… تؤدي المرآة العظيمة المزيفة إلى باستيون الحقيقية. إذًا، إلى أين تؤدي المرآة العظيمة الحقيقية؟”
ابتسم صني ابتسامةً خافتة.
“هذا ما نحن على وشك اكتشافه.”
في تلك اللحظة، توقف ونظر إلى الأرض، وبدت عليه علامات القلق.
كادت إيفي أن تصطدم به، لكنها توقفت في اللحظة الأخيرة فقط لأنها كانت تتابع صوت خطواته.
“ما الأمر؟”
ركع صني وتأمل الأرضية.
“هناك آثار أقدام على الغبار.”
كان يتوقع أن يجد دليلاً على مرور موردريت بهذه الأنفاق. لكن ما لم يتوقعه… هو أن يجد مجموعتين من الآثار، واحدة باهتة أكثر من الأخرى.
وأصغر حجمًا قليلًا.
صمت لحظة، ثم قال بنبرة مندهشة:
“أعتقد… أن موردريت ومورغان كانا هنا قبلنا.”
اختفت الأميرة السابقة لعشيرة فالور دون أثر بعد الحرب بعدة أشهر. ظن البعض أن شقيقها قتلها، واعتقد البعض الآخر أنها رحلت لتبدأ حياة جديدة في مكان ما، بهوية مجهولة – فأن تكون وريثة أخيرة لعشيرة عظيمة ساقطة وسيئة السمعة ليس قدرًا سهلًا.
وهناك من ظن أن مورغان ذهبت لتحدّي الكابوس الرابع.
لكن، كما اتضح، كانت هنا، في متاهة المرآة بالمقابل.
لم يعرف صني كيف يتعامل مع هذا الاكتشاف تمامًا، ولا كيف يشعر حياله.
“يا لفضولي.”
لكنه كان سعيدًا بأنها ما زالت على قيد الحياة.
بقي صني واقفًا بلا حراك لفترة، ثم نهض وواصل السير إلى الأمام وهو يقود إيفي عبر الظلام.
“هيّا. يجب أن نُسرع نحو قاعة الخيال.”
وبعد فترة، قالت إيفي:
“لحظةً واحدة…”
أمسكت بذراعه، وضغطت عليه ببطء متزايد.
“هل هذا هو سبب منعك لي من الأكل طوال اليوم؟ حتى لا أفكر في أي شيء سوى الطعام عندما نصل إلى تلك القاعة اللعينة؟!”
ابتسم صني بخفوتٍ في الظلام.
“آه، هذا… نعم. أظن أن الخطة ستنجح تمامًا!”
أما صني نفسه، فقد كان يملك طريقة أبسط بكثير للوصول إلى قلب قاعة الخيال دون أن يستدعي وهمًا ‘لعملاقٍ’ غير مقدس ما.
كان سيتخلى عن السيطرة على تجسيده ويدع ظلّه يدخل بدلاً عنه، ثم يستعيد السيطرة في اللحظة الأخيرة.
فظلاله، في النهاية، تملك عقولًا خاصة بها – لكنه كان متأكدًا إلى حد بعيد من أن قاعة الخيال لم تُصمَّم لتحقيق خيالات الظلال. وإن فعلت… فما يمكنها تخيله لن يكون مرعبًا كما يمكن لصني أن يتخيله.
خاصةً هذا الظل بالذات… الظل المشاغب. كانت خيالاته شفّافة جدًا، في معظم الأحيان…
ولا يوجد سوى طريقة واحدة لمعرفة الحقيقة.
كانت إيفي تحاول بجدية أن تسحق ساعده بقبضتها، لكن صني تجاهلها ببساطة فهو الآن يملك كلًا من نسيج العظام ونسيج اللحم، ناهيك عن قشرة اليشم، لذا تحمّل هذا الضغط لم يكن مشكلة كبيرة.
لكنه كان لا يزال مؤلمًا بجنون!.
زمجرت إيفي في الظلام:
“أوه، يا فتى الظلال! إن لم تطعمني في هذه اللحظة، فسوف آكلك… بدلًا من؟”
خف صوتها، ثم سكتت، لأنهم في تلك اللحظة، وصلوا إلى حدود قاعة الخيال.
توسعت جدران الأنفاق، وانفتحت إلى مساحة شاسعة. كانت مغمورة في الظلام، لا رؤية صني ولا حاسة ظلّه استطاعت اختراقها.
تجمدوا لبرهة، مستعدين لاختبار قاعة الخيال بحذر.
في النهاية، تنهد صني وسحب إيفي إلى الأمام.
“هيا بنا. كلما أسرعنا… كلما تمكنا من الوقوع في مشكلة مجنونة ما، بالكاد ننجو منها، ونعود حاملين قصص رعبٍ نرويها.”
رمشت إيفي عدة مرات.
“ماذا؟ هل كان من المفترض أن يُهدئني هذا؟”
تنهد صني.
“نعم. ربما لا تعرفين، لكن عندي سجل حافل في تهدأت الناس. فما زلت حيًا، ألا ترين؟”
اتسعت عينا إيفي.
“لا، لست أرى! أنت ميت حرفيًا! رأك جيشان بأكملهما تقتل نفسك، ثم تقتلك نيفيس بعدها مباشرةً!”
ابتسم صني ابتسامةً عريضة.
“وماذا، هل كنتُ سأموت من مجرد هذا؟”
ثم، أخذ خطوةً إلى الأمام.
لقد ناقشوا الخطة سابقًا، لذا لم يكن هناك ما يُقال. تموضع صني في منتصف مدخل قاعة الخيال، ثم ركّز واستدعى القديسة – كان وجود ظل واحد على الأقل لحمايتهم قرارًا حكيمًا، وكانت هي الخيار الأفضل لهذا التحدي بالذات. خرجت الفارسة الصامتة من الظلام ونظرت إليه بنظرة لامبالية كعادتها.
لكن هذه المرة، دام نظرها إليه للحظة أطول، وكأنها شعرت ببقايا شخصية عملاق اليشم التي تبنّاها خلال لعبة الموت.
في النهاية، وقفت القديسة إلى يساره، بينما وقفت إيفي إلى يمينه.
“آه. لا يعجبني هذا…”
رفعت يدها وأمسكت بكتفه، بينما استعدّ صني لتسليم السيطرة مؤقتًا إلى ظله، عالِمًا أن إيفي والقديسة سيوصلانه إلى حيث يحتاج أن يكون.
“فكّري فقط في أكلك المفضل. في الواقع، جربت مؤخرًا شيئًا لذيذًا للغاية! هل جرّبتِ من قبل… فأرًا ملعونًا مشويًا؟ إن لم تفعلي، أنصحكِ بشدة بشويه فوق حممٍ بركانية…”
تنهدت إيفي بعمق، ثم تمتمت بلعنة خافتة ودفعته.
معًا، دخل الثلاثة قاعة الخيال.
ولم يتذكر صني تمامًا ما حدث بعدها.
كل ما عرفه… أنه وجد نفسه في مكان آخر.
وقد أصبح… شخصًا آخر.
ترجمة آمون