عبد الظل - الفصل 2449
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2449 : المتاهات
خرج صني من المياه ونهض على قدميه، ناظرًا إلى منظر باستيون الحقيقية القاحل والمضاء بنور القمر.
كانت أطلال القلعة العظيمة التي استكشفها هو وكاسي ذات يوم قد اختفت تمامًا، وذابت لتصبح سهلًا شاسعًا وأملسًا على نحوٍ غريب من الصخر الشاحب. هنا وهناك، كانت الشقوق العميقة تشوّه سطحه، وتحتضن الظلام البارد.
وكان الصخر نفسه لا يزال يشع بحرارةٍ لا تُحتمل، مما جعل مياه البحيرة تغلي وتفور – لم تكن السباحة نحو الشاطئ تجربة ممتعة على الإطلاق. تواجدت سابقًا غابة مظلمة ملتوية على الجانب الآخر من البحيرة؛ أما الآن، فلم يتبقَ منها سوى رمادٍ وجمر، وعظام شاهقة تبرز نحو السماء المحطمة كأعمدة محترقة.
أنار قمرٌ محطّم الأرض المدمرة بنورٍ فضي، منعكسًا من سطح المياه المظلمة المتموجة. بدا المشهد غريبًا وغير مألوف، لا يشبه المدينة الصاخبة على الجانب الآخر من الانعكاس. اختفى البرج المنهار حيث اعتادت كاسي انتظار صني خلال مغامراتهما في متاهة المرآة. كما اختفت جدران القلعة – وكذلك أطلال الحصن الرئيسي الذي خدم يومًا ملك السيوف كورشة للحدادة.
شعر صني فجأة بمرارة إدراك مرور الزمن الحتمي والقاسي.
لكن، بالطبع، لم يُعد تشكيل باستيون الحقيقية بسبب الزمن؛ بل أعيد تشكيلها بيد نصف سَامٍ عابر… نجمة الخراب.
نصف سَامٍ لا يختلف كثيرًا عنه.
لم تكن البقايا البائسة لما كان يومًا حصنًا لشِيطَان دليلًا على تآكل الزمن؛ بل كانت دليلًا على قوته المرعبة. لم يعد صني مختلفًا عن قوة من قوى الطبيعة – بل في الواقع، وبحسب التعريف، أصبح أكثر فتكًا من الطبيعة نفسها.
‘ما أغرب هذا…’
تنهد بعمق وتحوّل إلى ظل لجزء من الثانية، تاركًا خلفه الملابس والشعر المبلل. وبعد لحظة، ظهر مجددًا على هيئته البشرية وقد جفّ تمامًا.
“اللع–، اللعنة، تبًا، اللعنات، ما هذا بـحق الجحيم؟!”
تحطّمت لحظة تأمله الهادئة دون رحمة بصوت إيفي، التي اختارت تلك اللحظة لتخرج من البحيرة المغلية، مع قطرات الماء اللامعة تنساب على الخطوط الرشيقة لدرعها الفولاذي الذي التصق بجسدها كطبقة ثانية من الجلد. كان القماش الأبيض الذي تلفه حول خصرها وصدرها ملتصقًا بالفولاذ الأملس، دون أن يخفي شيئًا من انحناءاتها المتحركة.
مشطت شعرها إلى الخلف، فتناثرت قطرات الماء تحت شعاع نور القمر الفضي، ونظرت حولها بعبوس.
“…يحصل كاي على ينابيع ساخنة مذهلة في قلب الغراب، أما أنا فأُسلق حيةً في بحيرة تغلي؟ كدتُ أتحول إلى حساء! كيف يُعدّ هذا عدلًا؟ يا الهـي … لقد دمّرت نيفيس هذا المكان تمامًا.”
تنهد صني.
“نعم. دُمّرت الأطلال بالكامل. لكن الغريب… أنها قالت إنه لن يكون هناك ماء في البحيرة، ومع ذلك لا تبدو مختلفة عن السابق.”
بدأت إيفي بتهوية جسدها، ثم ألقت نظرة غريبة على الامتداد الشاسع من الحجارة المتشققة وارتعشت.
“في الحقيقة، لقد دمّرنا معظم الأطلال أنا ومورغان خلال الحرب. وجفّفنا البحيرة أيضًا – لكن يبدو أن الماء قد تسرّب من خلال الانعكاس من الجانب الآخر. أليس هذا غريبًا؟ ماء يتدفق من بحيرة وهمية إلى حقيقية. هل يمكن حتى أن نسميها وهمًا إذًا؟”
هزّ صني كتفيه.
“حسنًا، إنها وهم صنعته شيطانة الخيال. وتلك الأوهام قد تكون أحيانًا أكثر واقعية من الواقع نفسه.”
حدق في الامتداد المظلم للمياه، ثم نظر إلى أعماقها.
“هناك مدينة غارقة في قاع البحيرة الحقيقية هنا، أليس كذلك؟ لكن لا يوجد شيء كهذا في نسختنا من باستيون. وهذا أيضًا أمر يثير الفضول.”
تنهدت إيفي، ثم بدأت تبتعد عن الشاطئ.
“لقد زرت بوابة النهر، أليس كذلك؟ حسنًا، يوجد في الواقع مجمّع سدود ضخم مزدوج شمال باستيون الحقيقية. لكن هذا المجمع دُمّر بالكامل منذ آلاف السنين، وأظن أنه كان بنفس الضربة التي حطّمت القمر وحوّلت قلعة الخيال إلى أطلال. أعتقد أن هذا هو السبب في غرق المدينة.”
استدار صني لينظر إليها ورفع حاجبه.
“هناك سد آخر أعلى من بحيرة المرآة؟”
أومأت إيفي.
“نعم، في باستيون الحقيقية، لكن ليس في الوهمية. أظن أن كلا السدين بُنيا على يد شيطانة الخيال، وكان لهما علاقة ببحيرة المرآة. يبدو أنها كانت تحب التلاعب بالماء، لسبب ما. إنه ماضٍ قديم جدًا لدرجة أننا لا يمكن أن نعرفه يقينًا، بطبيعة الحال.”
ارتفع حاجب صني الآخر أيضًا.
“هاه؟ ومتى أصبحتِ مهتمة باستكشاف التاريخ السحيق؟”
ضحكت إيفي.
“منذ أن وُضعتُ في موضع القيادة في باستيون؟ يجب أن أعرف خلفية المدينة التي من المفترض أن أحكمها لأتجنب المفاجآت غير السارّة. يتحول الماضي السحيق إلى مشاكل حاضرة كثيرًا هنا في عالم الأحلام.”
تنهد صني.
“لن أستطيع قولها بشكلٍ أفضل.”
توقف لوهلة، ثم رفع بصره إلى القمر المحطم وسأل:
“هل سبق وأن وصلتِ إلى حدود هذا الانعكاس؟”
هزّت إيفي رأسها.
“لا، لأننا عندما قاتلنا هنا، كانت مورغان قد جذبت باستيون الحقيقية إلى الواقع لحماية النسخة الوهمية – وكانت تتصل بسلاسة بالمناطق المحيطة في عالم الأحلام، وكأنها كانت هناك دائمًا. لكنني أتخيّل أن الحواف لا تحتوي على شيء… شيء مثل حدود مزرعة الوحوش.”
في تلك اللحظة، كانوا قد وصلوا إلى أعمق الشقوق التي تخترق سطح الجبل – الشق المظلم الذي يؤدي إلى متاهة المرآة.
كانت قطعة المرآة التي تخلّت عنها نيفيس لا تزال على حافتها، مغطاة بالسخام. التقطها صني، وتأمّلها للحظة، ثم سحقها في قبضته.
فتح يده وترك الرياح تبعثر غبار الزجاج الناعم، ثم أشار إلى الشق.
“هل ستذهبين أولًا، أم أذهب أنا؟”
ابتسمت إيفي فجأة.
“ يا الهـي ! لا أتلقى كل يومٍ دعوةً من رجلٍ لاستكشاف شقٍّ عميق…”
ابتسم صني أيضًا، ثم رفع يده ودفعها بهدوء إلى الأسفل.
ترجمة آمون