عبد الظل - الفصل 2445
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2445 : أيامٌ أطول
بعد نحو شهر، وقبيل اكتمال القمر، عاد صني إلى باستيون.
أو بالأحرى، تجسيد آخر من تجسيداته هو من عاد. أما الأول، فقد كان قد عاد إلى باستيون قبل أسابيع، لكن سلك هذا التجسيد طريقًا ملتويًا أولًا نحو الأراضي المتجمدة غرب قلب الغراب.
كانت هناك فرق استطلاع تابعة لنطاق البشرية تجوب تلك الجهات بحثًا عن القِلاع — مع أن أفرادها لم يكونوا يجرؤون، ولا يستطيعون، التوغل في أعماق الصقيع الجحيمي. ووحدهم القديسون كانوا يتجاوزون الأطراف الخارجية لذلك الامتداد الجليدي الذي بدا بلا نهاية.
ولذا، استعان صني بالمطاردة الصامتة كمرشدة… أو بالأحرى، أخبرها فحسب بأنها ستكون مرشدة… فقضيا سويًا عدة أسابيع لا تُنسى، يرتجفان من البرد ويتفاديان مخلوقات الكابوس الغريبة والمرعبة التي كانت تسود في ذلك الجحيم المتجمد.
وهكذا عرف صني أن المطاردة الصامتة لم تكن، في الحقيقة، بكماء. فقد تبيّن أنها قادرة على الكلام — أو على الأقل، كانت قادرة على الزمجرة والشتم كبحّارٍ سكير.
ما الذي جعل أميرة سونغ الصامتة عادةً، تُصبح معبّرة إلى هذا الحد فجأة؟… لا فكرة لديه.
ربما كان السبب هو البرد.
على أية حال، حين باتت متابعة المطاردة الصامتة له أمرًا بالغ الخطورة، تركها في ملجأ حفره في الجليد وتابع وحده نحو الغرب. وبعد أيام قليلة، عاد صني شاحبًا ومرتعشًا، وبدأ الاثنان رحلة العودة إلى قلب الغراب.
ومن هناك، مر صني عبر بوابة الأحلام إلى باستيون — كانت تُفتح بانتظام، تربط بين أكبر مدينتين بشريتين في عالم الأحلام على فترات محددة.
وها هو ذا، الآن.
كان حشد كبير من الناس يتدفق من بوابة الأحلام الشاهقة، وكان صني مختبئًا بأمان في وسطه. كان يرتدي رداءً ممزقًا فوق العباءة الغامضة، وقد غيّر ملامح وجهه سلفًا — يستخدم أعضاء عشيرة الظل ذكريات خاصة لذلك، لكنه اكتفى بإعادة تشكيل هيئته قليلًا حفاظًا على التخفي. وقد أصبح تمويه مظهره أسهل بكثير بعد أن تعلم كيف يمنح ظلاله المتجلية لونًا في لعبة آرييل.
جعل نفسه أقل وسامة بدا وكأنه جريمة في حق البشرية، لكن ما العمل؟ هكذا هي الحياة… علاوة على ذلك، فهو رجل مرتبط الآن، لذا جذب النظرات المعجبة لن يعود عليه بأي فائدة.
كان هناك جسد طويل نحيل ملفوف بالقماش مربوط إلى ظهره، بارزًا عاليًا فوق رأسه. بدا صني وكأنه يسير به وكأنه خفيف كريشة، لكن في الحقيقة، كان يتطلب كل قوته الفائقة كي لا يتعثر تحت وطأة ذلك الشيء اللعين. حتى الظل الوحشي الذي كان قد ربطه إلى قدميه وسيطر عليه ليُحاكي حركاته بدا وكأنه يتعرق من ثقل ظل ذلك الشيء.
‘ يا الهـي … لماذا هذا الشيء ثقيلٌ إلى هذا الحد؟’.
أطلق تنهيدةً مرتجفة، وترك صني تيار الحشد يحمله بعيدًا عن بوابة الأحلام. وبعد قليل، اعترضه أول عائق.
وقف على الضفة يشاهد العبارات تعبر البحيرة. كان عليه عبور البحيرة أيضًا، لكن لا عبارة كانت لتحتمل وزنه. في أفضل الأحوال، سيتشقق السطح تحت قدميه… وفي أسوئها، ستغرق العبارة بأكملها، حاملةً معها الركاب.
في الحقيقة، السبب الوحيد لعدم تصدع الأرض تحت قدميه حتى الآن، هو أنه كان داخل القلعة، حيث كانت الحجارة المرصوفة مصنوعة من نفس الحجر السحري الذي شُيّدت به جدران الحصن العظيم.
حكّ صني مؤخرة رأسه.
‘هل عليّ أن أستخدم خطوة الظل نحو وجهتي؟’
وبينما لم يخطر له بديل أفضل، مضى باحثًا عن زقاق مظلم لا يلاحظه فيه أحد وهو يختفي في الهواء. لم يكن من الحكمة أن يراه أحد وهو يستخدم قوى شبيهة بقوى لورد الظلال.
كان كونه ميتًا أمرًا مزعجًا في بعض الأحيان.
وبينما كان صني يسير، أخذ يفكر فيما جرى خلال الشهر الماضي.
وقعت كثيرٌ من الأمور بينما كان تجسيده يتحمّل برد الجحيم المتجمد. فأوائل الشتاء هو أكثر أوقات السنة ازدحامًا بالنسبة لنطاق البشرية، بسبب الانقلاب الشتوي.
بحلول هذا الوقت، معظم النائمين الذين أصيبوا بتعويذة الكابوس العام الماضي كانوا إما قد استيقظوا… أو ماتوا. والبعض الآخر لا يزال في مكان ما من عالم الأحلام، يشقون طريقهم نحو القِلاع البشرية. وقد استيقظ بعضهم منذ وقت طويل قبل الانقلاب، إذ مرّوا عبر بوابة الأحلام سلفًا — في الواقع، كانوا كُثرًا، مما قلل عدد الضحايا بشكل ملحوظ.
وكان هذا الانقلاب الشتوي تحديدًا ذا أهمية خاصة لأنه شكّل إثباتًا للمفهوم. فقد كان ثاني انقلاب في عهد نيف، لكنه الأول الذي أمكنها الاستعداد له — أما السابق، فقد وقع بعد انتهاء حرب النطاقات بفترة وجيزة، حينما كانت الفوضى تعمّ كل شيء.
ليس أن الأمور أقل فوضوية الآن.
وحسب نتائج كل الإجراءات التي اتخذتها نيفيس وكاسي لضمان نجاة أكبر عدد ممكن من النائمين في رحلتهم الأولى إلى عالم الأحلام، فقد يتغير مسار كل الانقلابات التالية بشكل جذري…
لكن لم يتبقّ للبشرية الكثير منها على أية حال، فعالم اليقظة كان على وشك أن يُلتهم من قِبل عالم الأحلام قريبًا.
لكن كانت تلك أهمية الانقلاب الشتوي على مستوى البشرية جمعاء. أما بالنسبة لصني، فكان ذا مغزى شخصي أيضًا — فقد كان عيد ميلاده.
بلغ الثامنة والعشرين.
وقد احتفل هذه المرة بعدة حفلات عيد ميلاد في الوقت ذاته — واحدة في المدينة المظلمة، مع آيكو، وظلاله وتجسيداته، وأعضاء عشيرة الظل الذين بدوا متيبسين على نحو غريب؛ وأخرى في قلب الغراب، مع نيفيس، وكاسي، وكاي؛ وأخرى مع المطاردة الصامتة من بين الجميع، والتي لم تبدُ متحمسة على الإطلاق لإصراره على الاحتفال بعيد ميلاد في منتصف منطقة موت.
ومع ذلك، استمتع صني. بل شعر في الحقيقة كأنه في بيته بصحبة أميرة سونغ الهادئة، ليس أقل ما في ذلك لأنها ذكّرته بالقديسة والقاتلة — ولذا، كان يفضّلها سرًا على باقي الأخوات سونغ، رغم أن تلك الفهد الصيادة لم تكن تبدو ودودة ولو قليلًا.
لقد كان عيد ميلادٍ جيدًا، رغم كل شيء…
ترجمة آمون