عبد الظل - الفصل 2443
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2443 : ملخص كل شيء
قضى صني أكثر من عقدٍ من الزمن في كشف الأسرار المروعة لعالم الأحلام، وجمع شتات حقيقته قطعةً تلو الأخرى. كان الطريق إلى المعرفة التي يمتلكها الآن مفروشًا بالدماء وأنقاضٍ متفحمة، وقلةٌ قليلة — إن وُجد أحد أصلاً — كانوا يعلمون بقدر ما يعلم عن الطبيعة الخفية للعالم.
لكن هذا لا يعني أن الآخرين لم يبحثوا عن الحقيقة بنفس الإصرار، أو أن لا أحد سواه امتلك شيئًا من المعرفة المحرّمة التي يحملها.
فقد كان السياديون الراحلون يعرفون أسرارًا لا تُحصى، على سبيل المثال. وهناك أيضًا نيفيس… كانت تعرف تقريبًا بقدر ما يعرفه صني، بعد أن قضت السنوات التي افترقوا فيها تسعى خلف حقائقها الخاصة. لم يكن يحتكر المعرفة الغامضة، ولم يكن العالم متجمّدًا في غيابه.
لكن صني امتلك أفضلية ساحقة حين كان الأمر يتعلّق بحل ألغاز الماضي المرعبة… أو كان يمتلكها، على الأقل. تلك الأفضلية كانت سمته الفطرية السابقة، [مقدَّر]، التي دفعته إلى الاصطدام بويفر وبشخصيات أخرى محورية في نهاية العالم، قبل كل تلك السنوات.
لكن كانت نيفيس تملك أفضلية عظيمة بدورها. تلك الأفضلية… كانت كاسي. قلّ أن يوجد شخص في العالم أكثر كفاءةً منها في معرفة الحقائق الضائعة والمنسية — ولهذا، فقد اكتسبت نيفيس وكاسي الكثير من الأسرار نفسها التي عرفها صني، خلال سنوات غيابه.
وفيما بعد، جمع الثلاثة معرفتهم معًا.
…لكن الآن، صني سبقهم مرة أخرى بفارق شاسع.
لأنه هذه المرة، كان السرّ الذي اكتشفه مزلزلًا بحق.
سرٌّ ينهي كل الأسرار، وإجابةٌ لعددٍ هائلٍ من الألغاز التي حيّرتهم لسنوات.
ولذلك، أخبرهم صني بكل ما تعلّمه في لعبة آرييل.
كيف أن ويفر تحدّى شيطان الرعب في لعبة الموت. ومن هم التسعة… كيف قُتل ويفر للمرة الأولى على يد أورفني. وكيف قُتل شيطان القَدَر مجددًا في عالم الظل، وكيف اكتملت تعويذة الكابوس باستهلاك السَاميين…
ولماذا.
بالطبع، لم يكن قادرًا على إخبارهم بالحقيقة دون إخفاء كيف ترتبط كل تلك الأحداث به شخصيًا — فقد استنتجت كاسي بالفعل الكثير عن من كان صني، ومن يكون، من خلال الفجوات في ذاكرتها، ومن خلال الأمور التي لم تكن قادرة على تذكّرها، في حين أن نيفيس كانت تملك شكوكها أيضًا… ومع ذلك، لم تكن أيٌّ منهما قادرة على الاحتفاظ بمعرفتهما السابقة به.
وحين انتهى من الحديث، عمّ الصمت في قاعة المجلس. بينما كانت عاصفة ثلجية تعصف خارج النافذة، حاجبةً سماءً مرصّعة بالنجوم… وبدا أن القاعة أظلمت مما كانت عليه، وقد استقرت الظلال في زواياها، ولم يجرؤ أحد على الكلام لبرهة طويلة.
وفي النهاية، كان صني هو من كسر الصمت.
“آه… لقد كنت أطارد هذه الحقيقة طويلًا، تعلمان؟ يكاد الأمر يبدو غير واقعي… أنني أعرفها أخيرًا — أو معظمها، على الأقل. أنا… لا أعلم تمامًا كيف أشعر. لكني أعلم أن المعرفة هي أصل كل قوة. ولهذا، يبدو وكأننا أصبحنا أكثر قوة بشكل هائل، رغم أننا بقينا كما نحن، على ما أظن.”
بقيت كاسي جامدة في مكانها، بتعبير شارد. كانت تبدو وكأنها تفكر بشيء محموم، آلاف الأفكار تدور خلف عينيها الجميلتين العمياء.
ارتجف صني من مجرد تخيل ما يحدث في ذلك الرأس الماكر الصغير.
أما نيفيس، فكانت جادة ومركّزة، تنظر إلى صني بنظرة صامتة، لكنها شديدة.
وبعد لحظة، استنشقت ببطء، ثم تكلّمت بصوت خافت:
“إذن… دعني أفهم الأمر جيدًا.”
نهضت من مقعدها وسارت نحو النافذة، ناظرةً إلى العاصفة الثلجية التي تعصف خلف الزجاج البلوري الشفاف. كان صوتها يبدو باردًا كما هو معتاد، لكنه كان مليئًا بعاطفةٍ دفينة هذه المرة:
“منذ زمنٍ بعيد، على مشارف نهاية العصر الذهبي، بات السَاميين بعداء وغير مبالين، متجاهلين واجباتهم… أو ما اعتبره الناس واجباتٍ لهم. وفي غيابهم المهمل، أطلقت إمبراطوريةٌ أسّسها سَامي الحرب، ومن المفترض أنها تحت رعايته، سلسلة من الفتوحات الدموية، وبدأت تنتشر في العوالم الفانية كالطاعون. واستمرت تلك الفتوحات إلى أن صادفوا أمة صغيرة مسالمة… حضارة لا تعبد أي سَامٍ، بل تبني المعابد للقَدَر نفسه.”
استدارت لتنظر إلى صني، وحاجبيها مقطّبان.
“غُزيت تلك الحضارة وأُبيدت، لكن ليس قبل أن تُرسل تسعة أبطال مقدّرين… أو وحوش، حسب وجهة النظر… في مهمة للثأر لشعبهم. للثأر منهم بقتل السَاميين.”
أومأ صني وأكمل:
“لكن، كيف يمكن لفانين أن يهزموا السَاميين؟ لم يكن التسعة ندًّا لهم، ولهذا سعوا لإشعال حرب بين الشَيَاطِين والسَاميين، وهم يعلمون أنها ستقود إمبراطورية الحرب — وكل الوجود معها — إلى الهلاك. وبهذه الطريقة، أصبحوا مهندسي الهلاك الذي ابتلع العالم.”
ابتسمت نيفيس ابتسامة قاتمة.
“لكن كان هناك شِيطَانٌ واحد رفض المشاركة في حرب الهلاك. ذلك الشيطان، في الحقيقة، كان يعرف ما كان التسعة يحاولون تحقيقه منذ البداية، كما كان يعرف أنه لن يخرج أحد منتصرًا من تلك الحرب… وأن كل شيء سيتدمر جرّاءها، ولن يبقى شيء سوى الجثث. ولهذا، رسم ذلك الشيطان خطةً خاصة، خطةً لخداع القَدَر.”
استنشقت بعمق وأنهت بلهجة باردة قاتمة:
“نسج ويفر تعويذة الكابوس، وسمح لها أن تنتشر خفية بين اللاجئين اليائسين في نهاية العالم، ثم تلاعب بأحد التسعة ليقتله في عالم الظل، حيث تتواجد بوابة الفراغ — بوابة الفراغ التي فُتحت على يد أحدهم خلال المعركة الأخيرة في حرب الهلاك. وكانت وفاة ويفر الشرارة التي أنهت التعويذة، مما سمح لها بابتلاع السَاميين والشَيَاطِين… وتحقيق هدفها الحقيقي.”
أخيرًا، تحركت كاسي، مائلةً برأسها قليلًا وهمست:
“لإنامة السَامي المنسي، الذي أُطلق من الفراغ، وإعادته إلى سباته. ثم إصابة البشر الذين وجدوا مأوى في العوالم السَامية اليتيمة، في محاولةٍ لإنشاء سَاميين جدد… سَاميين يعرفون تحدي القَدَر، والأمل منهم أن يدمروا المنسي مرةً وللأبد، في أعماق الكابوس السابع.”
أصبح تعبير نيفيس باردًا تمامًا.
“…لكن الأمور لم تسر تمامًا كما كان يأمل ويفر، حتى الآن. كل عالمٍ سَامي أُصيب بالتعويذة انتهى به المطاف غارقًا في طوفان الكوابيس، ومفتَرسًا من عالم الأحلام، وكل حضاراته أُبيدت والتهمها الفساد. شعب بحر الشفق، حضارة قبر السَّامِيّ، والبقية — جميعهم زالوا، ونحن ما تبقّى. الشرارات الأخيرة من الشعلة.”
تنهد صني، ثم أومأ.
“أنتما تفهمان ما يعنيه هذا، صحيح؟”
وكانت كاسي هي من أجابت:
“يعني أن البشرية كانت مخطئة جوهريًا بشأن آلية التعويذة وغرضها، أولًا. فتعويذة الكابوس، في حقيقتها، عمليتان مترابطتان لكن منفصلتان… كنا نملك شكوكًا، طبعًا، لكن الآن تأكد الأمر. السَامي المنسي نائم، يحلم بكابوس — وأطياف أحلامه تتسرب إلى الواقع، فتُصيب كل شيءٍ بالفساد. من هنا تأتي بذور الكابوس، تلوّث كل ما حولها بالفساد. وعندما تزهر البذور، يستمر كابوس السَامي المنسي في التمدد — تُفتح البوابات في عوالم جديدة، ثم تُدمج تلك العوالم في عالمه السَامي… في عالم الأحلام.”
اتكأ صني إلى الخلف، ونظر إلى الأفق.
“إذاً، تعويذة الكابوس لا تصنع البذور، ولا تصنع مخلوقات الكابوس. بل هي… كواجهة بُنيت فوق كل ذلك، ومن خلاله، كحضورٍ متكافل — أو طفيلي — على الأرجح. تُشكّل الكوابيس داخل البذور، وتمنح حامليها وسيلةً للوصول إلى تلك الكوابيس وتدمير البذور من الداخل. ولهذا، فإن من… من لا يحمل التعويذة لا يمكنه مواجهة بذرة — وإن اقترب منها، فإنه سيعرض نفسه للفساد فقط.”
أخذت كاسي نفسًا مرتجفًا.
“تلك إحدى وظائف التعويذة الأساسية. أما الثانية، فهي رعاية حامليها بطرقٍ متعددة، ومساعدتهم على سلوك طريق الصعود بسرعةٍ لا يمكن تخيلها للمستيقظين العاديين… بطريقةٍ قاسية، لكنها فعالة جدًا أيضًا.”
ثم أطلقت زفيرًا بطيئًا قبل أن تضيف:
“أما الوظيفة الثالثة…”
فأكمل صني الجملة:
“فهي الأكثر جوهرية، والأساس الذي تقوم عليه كل التعويذة. إبقاء السَامي المنسي نائمًا.”
توقف لحظة، ثم قال بنبرة فيها شيءٌ من الانبهار:
“هناك أسئلة كثيرة عن كيفية عمل التعويذة لا تزال بلا إجابة، بالطبع. مثلًا، ما مصدر طاقتها؟ هل تستهلك شظايا الروح من كل كائن يُقتل على يد حامليها، ربما؟ أم أنها تستخدم كابوس السَامي المنسي كبطارية دائمة تشحن نفسها؟ هل لا تزال آليتها سليمة، أم أن الزمن أفسدها؟ كيف تصنع الكوابيس بالضبط؟ وما طبيعة الأشباح التي تسكنها؟ أنا شبه واثق أن التعويذة لم تُنسَج من أوتار الجوهر، بل من خيوط القَدَر نفسها… فهل هذا سبب امتلاكها لمعرفة الماضي والمستقبل، وكأنها كيانٌ كليّ العلم؟”
هزّ صني رأسه.
“ويفر… ذلك الشيطان الماكر… لقد نفّذوا خدعة مذهلة في النهاية، أليس كذلك؟ مقارنةً بماهية التعويذة، فإن حتى قتل السَاميين — والشَيَاطِين — يكاد يبدو تافهًا. أعني، من كان ليظن أن قتل السَاميين لم يكن الهدف، بل وسيلة فقط؟ ومن كان ليتجرأ على اعتبار موتهم مجرد أداة؟”
تنهد، شاعرًا فجأة بالاختناق.
كان صني بلا قَدَر الآن… لكن ذلك لم يحرره من قبضة ويفر. لقد خطط ذلك الشيطان الغامض لدورٍ لوريثه — لخليفته الأدنى — وحتى بعدما انتُزع صني من نسيج القَدَر، ما زال يسير على إيقاع لحن ويفر. لأن ويفر لم يكن بحاجة للتلاعب بقدره حتى يسيطر عليه. كان بوسعهم التلاعب بالعالم كله، وترك صني دون خيارات سوى أن يسير في المسار الذي أراده شيطان القدر له. فحتى وإن لم يعد مُقدرًا، فإن وزن القرارات التي اتخذها صني من قبل يضمن أن اختياراته المستقبلية ستبقى متوافقة مع ما أراده ويفر.
‘ذلك الشِيطَان اللعين…’
تنهد ببطء.
“كل هذا مثير، ولا يزال هناك الكثير مما نجهله. لكن هذه التفاصيل ليست مهمة الآن، أليست كذلك؟”
كانت نيفيس قد صمتت حتى تلك اللحظة، ثم نظرت إليه بنظرةٍ عميقة.
“وما المهم إذًا؟”
بادلها صني النظرة، مختارًا كلماته بعناية.
وفي النهاية، تحدث بنبرة ألين مما اعتاد.
“أنتِ… أنتِ المهمة. لقد كان هدفكِ دومًا هو تدمير التعويذة. والآن بعد أن عرفتِ أنها ليست شرًا مطلقًا كما كنا نظن، وأن وجودها ضروري لإبقاء السَامي المنسي من التهامنا جميعًا، ألا يغير هذا شيئًا؟ أو بالأحرى… أليس من المفترض أن يغيّر كل شيء؟”
تأملته نيفيس لحظة، بتعابيرٍ غامضة.
ثم عضّت شفتها قليلًا، واستدارت نحو النافذة.
“…ليس حقًا. لا يغيّر الكثير، في الواقع.”
ترجمة آمون